اندلعت اشتباكات عنيفة يوم الخميس بين القوات الكمبودية والتايلاندية على الحدود المتنازع عليها بين البلدين، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وأدى إلى عمليات إجلاء سريعة للسكان المحليين وتدهور العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين في جنوب شرق آسيا.
يمتد تاريخ النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند لقرون، وقد اتخذ طابعًا قوميًا متكرّرا تخللته مواجهات عسكرية متقطعة.
تعود جذور النزاع إلى خريطة رسمتها فرنسا عام 1907 حين كانت كمبوديا تحت الحكم الفرنسي. استخدمت كمبوديا تلك الخريطة لاحقًا كأساس لمطالبتها بأجزاء من الحدود مع تايلاند، لكن غموض المعالم الجغرافية فيها أدى إلى تفسيرات متضاربة. لم تقبل تايلاند بصحة الخريطة، مما فجّر الخلاف الحدودي الأول.
رغم محاولات متكررة لحل النزاع بالطرق الدبلوماسية، بما في ذلك تدخل محكمة العدل الدولية في عام 1962، لم يُحسم الملف نهائيًا، وظلت مناطق تضم معابد تاريخية قديمة موضع نزاع دائم.
2008 – 2011: اشتباكات دامية ومحاولات للتهدئة
تجددت الاشتباكات العسكرية على الحدود بشكل متقطع منذ عام 2008. وبلغت ذروتها في عام 2011، حين اندلعت معارك في مناطق الغابات الحدودية التي تحتوي على معابد أثرية قديمة يطالب بها الطرفان. تبادل الجانبان الاتهامات بالمسؤولية عن بدء واستمرار القتال.
بعد سبعة أيام من المواجهات التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصًا ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين، توصّل البلدان إلى وقف لإطلاق النار. وفي العام نفسه، أمرت محكمة تابعة للأمم المتحدة الطرفين بسحب قواتهما وإقامة منطقة منزوعة السلاح، لكنها لم تفصل في مسألة السيادة على المنطقة الأوسع التي ظلت تشهد مناوشات.
28 مايو 2025: سقوط جندي كمبودي يعيد التوتر
عاد التوتر إلى الواجهة في مايو 2025، عندما قُتل جندي كمبودي خلال اشتباك حدودي جديد. مثّل هذا الحادث نقطة انهيار جديدة في العلاقات الثنائية، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.
في محاولة لاحتواء التصعيد، أجرت رئيسة وزراء تايلاند، بايتونغتارن شيناواترا، مكالمة هاتفية مع الزعيم الفعلي لكمبوديا، هون سين. الهدف من المكالمة كان تهدئة التوتر وضبط النفس على الحدود.
لكن المكالمة لم تؤدِّ إلى التهدئة، بل فجّرت أزمة سياسية في بانكوك، بعد أن نشر هون سين تسجيلًا للمكالمة على صفحته في فيسبوك. ظهرت فيه شيناواترا وهي تشير إلى الجيش التايلاندي بـ«الطرف المقابل»، وتخاطب هون سين بلغة ودية للغاية، حيث وصفته بـ«العم» وعرضت عليه «ترتيب أي شيء يريده».
أثارت تعليقاتها انتقادات شديدة من النواب التايلانديين، سواء من تحالفها الحاكم أو من المعارضة، الذين اعتبروا أنها أساءت إلى هيبة الجيش وأظهرت خضوعًا مبالغًا فيه لزعيم أجنبي. تصاعدت الدعوات لاستقالتها.
استجابت المحكمة الدستورية التايلاندية لدعوى قدمها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، واتهمت شيناواترا بانتهاك المعايير الأخلاقية. وقررت المحكمة تعليق مهامها بشكل مؤقت لحين البت في القضية.
في مواجهة كل هذه الضغوط، قدّمت شيناواترا اعتذارًا علنيًا، مؤكدة أن المكالمة لم تهدف لتحقيق مكاسب شخصية، بل كانت في سياق دبلوماسي بحت.
23 يوليو: انفجار لغم وتصعيد دبلوماسي خطير
في أحدث فصول التصعيد، فقد جندي تايلاندي ساقه اليمنى جراء انفجار لغم أرضي. وردًا على الحادث، أعلنت الحكومة التايلاندية خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع كمبوديا، واستدعت سفيرها من بنوم بنه، وطردت السفير الكمبودي من بانكوك.

