مبادرة شبابية للبحث عن مفقودي بيروت

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال اللبنانيون يلملمون جراحهم ويحاولون الاستفاقة من الصدمة التي حلّت بهم بعد الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ العاصمة بيروت والذي أدى إلى دمار وصل إلى مناطق تبعد الكيلومترات عن بيروت وشعر به سكان جزيرة قبرص.

ومنذ اللحظة الأولى للانفجار، بدأ المواطنون اللبنانيون بإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وتشكيل مجموعات لمساعدة المحتاجين الذين تضرروا من الانفجار الذي أودى بحياة المئات وجرح الآلاف وتشريد مئات الآلاف.

ومن بين هذه المبادرات، «حددوا موقع ضحايا بيروت» (Locate victims Beirut) لتحديد موقع المفقودين. هي في البدء فكرة ولِدت عند أشخاص مختلفين ليوحّدوا سريعاً جهودهم ويشكلوا فريقاً واحداً من الفتيات والشبان الذين لا ينامون علّهم يقدمون بعض المساعدة.

فبالفعل، إيما سليمان البالغة من العمر 15 عاماً سرعان ما أنشأت موقعاً إلكترونياً بعد متابعة الأخبار على القنوات اللبنانية وملاحظتها الحاجة إلى منصة واحدة لجمع المعلومات المؤكدة (على قدر المستطاع) حول المفقودين.

الفكرة ذاتها راودت زهراء عيسى، متخرجة القانون من لندن والمهتمّة بالعمل الإنساني التي تعمل فيه منذ أكثر من عام. وتخبرنا «أطلقت صفحة على انستغرام بعد انفجار بيروت في الرابع من أغسطس الماضي. لاحظت التبليغ عن عدد من الضحايا على صفحات عدة وقلت لنفسي إن تعرفت على أحدهم سيصعب عليّ أن أتذكر على أي صفحة تمّ التبليغ عنهم. لذلك، قررت إنشاء منصة موحّدة لتحديد موقع ضحايا بيروت تشكل مرجعاً لهم ولعائلاتهم».

وتضيف عيسى «بداية، كانت مجرد صفحة على انستغرام نديرها أنا وأصدقائي ونتناوب عندما ينام بعضنا لمواصلة العمل». ولكننا الآن، تعاونا مع فريق آخر كان قد أطلق موقعاً الكترونياً لتوحيد جهودنا. جهود موحّدة لعمل أكثر فعالية حيث بات ممكناً تعبئة استمارة على الموقع عوضاً عن الاعتماد فقط على رسائل انستغرام المباشرة التي بلغت أعداداً هائلة.

وتشدد عيسى «العملية باتت أكثر تنظيماً وفعالية ولدينا أشخاص يعملون على كل الجبهات إضافة إلى قاعدة بيانات تحتوي كل المعلومات ويتم تحديثها يومياً».

شبان تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة قرروا ألا يكونوا مجرد شهود على الفاجعة لا بل أن يكونوا أفراداً فاعلين في عمليات البحث والمساعدة. سليمان تقول «أنا أعيش خارج بيروت ولم أتأثر مباشرة بالانفجار وكل من حولي بخير حتى أنني لا أملك الخبرة في هذا المجال». إلا أنها قررت إطلاق المبادرة لأنها أفضل «معنوياً» من غيرها ولأنها تعرف أن الدولة لن تقوم بشيء.

الشعور بعجز وغياب الدولة حثّ هؤلاء الشباب. فتضرب عيسى مثالاً قائلة «كان فريقنا اليوم يحاول إيجاد معلومات مُحدثة عن الوفيات التي أكدتها الحكومة لإضافتها إلى قاعدة البيانات لكن الأمر كان صعباً. لم نجد المعلومات على موقع وزارة الصحة أو أي موقع تواصل اجتماعي. وتضيف»في الوقت الحالي، يبدو وكأنهم لا يسيطرون على ما يحدث«.

ولكن كيف ينجح هؤلاء الشباب في جمع المعلومات وتحديث قاعدة بياناتهم؟

هنا تشدد كلّ من سليمان وعيسى على أهمية المتابعين لهم في عملية جمع المعلومات وتقصي الحقائق والتأكد منها وقد فاق عددهم المئة ألف متابع. وتشير سليمان»نحن لسنا جهة مسؤولة وعلينا أن نكون حريصين على عدم نشر معلومات خاطئة. ففي العديد من المرات، نشرنا صور أشخاص ليتصل بنا أصدقاؤهم ويشيروا أنهم على قيد الحياة«.

وبالحديث عن أهمية المتابعين على صفحة انستغرام، تشدد عيسى على أنهم جزءٌ لا يتجزأ من عملية البحث. وتشرح»حتى على موقع الويب، إذا نقرت على صورة ضحية، فيأخذك إلى صورة انستغرام المقابلة لأن المعلومات حول هذا الشخص موجودة في التعليقات وهي مهمة للغاية«. وتضيف أن الأشخاص الذين يتابعوننا يشاركون أي شيء رأوه وسمعوه علّها تساعد هذه المعلومات الأهالي في بحثهم. عمل مضنٍ يحمله على عاتقه شباب وشابات وجدوا طريقة ليظهروا للعالم أن»الجيل الجديد هوي يلي رح يغير وإيد بإيد فيا ترجع بيروت متل ما كانت«، على حد قول سليمان.

أرادوا أن يجمعوا بين الناس المفقودة وتلك التي تبحث عنها إلا أن الضغط النفسي كبير. فيفرحون عندما يجدون شخصاً مفقوداً ويحزنون عند العكس. وتقول سليمان»نعرف أنه كلما مرّ الوقت، كلّما انحسر الأمل لكننا سنواصل المحاولة لأننا لا نريد أن يبقى شخص من عداد المفقودين. عشنا حرباً أهلية وما زال لدينا آلاف المفقودين وأحبائهم لم يطووا الصفحة ويعيشوا الحداد بعد.

الوقت يمرّ إلا أن كثيرين يواصلوا التواصل مع عيسى وسليمان لأنهم لا يريدون أن يفقدوا الأمل. وسليمان وعيسى وكل فريق العمل يواصلون الجهود ولا يعرفون كم من الأشخاص ساعدوا إلا أنهم يحصلون على رسائل شكر من العديد من العائلات ما يرفع عزيمتهم. عزيمة يتشاركونها مع المئات، سواء لتنظيف الشوارع أو توزيع الطعام أو تقديم المساعدات الطبية في أعقاب الفاجعة التي حلّت بلبنان.

* باحثة اجتماعية

 

Email