وباء «كورونا» يفتح آفاقاً للسينما الافتراضية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دور السينما في العالم مقفلة حتى إشعار آخر، المهرجانات معلّقة حتى أجل غير مسمّى، تصوير أو إنتاج الأفلام الجديدة متوقف حتى اتضاح الصورة.

وكأن الساحة السينمائية، العالمية أو العربية، قد توقفت عن التنفّس، أو بالأحرى اضطرت إلى تغيير طريقة تنفّسها في محاولة للبقاء في ظل الظروف الراهنة التي فرضتها جائحة كورونا، تنفّس بطريقة مختلفة بالفعل على مختلف الأصعدة.

«قابس سينما فن» هو خير مثال على ذلك، حيث تحوّل إلى أول مهرجان سينمائي رقمي في العالم العربي بحيث قرر القيّمون على الدورة الثانية من المهرجان تحدي الظروف وتقديم فعاليات المهرجان على الإنترنت. وكانت الفنانة هند صبري، الرئيسة الشرفية للمهرجان السينمائي الناشئ والمستقل قد أعلنت انطلاقته في 3 أبريل الماضي قائلة «بداية غريبة في هذه الأيام.

فالعالم يعيش في حظر والتنقل مستحيل، الكل قاعد في دياره». وتابعت، على حسابها على شبكات التواصل الاجتماعي «بالرغم من هذا، لن نستسلم وستقام دورة مهرجان قابس سينما فن أون لاين وكل الأفلام القصيرة والطويلة ستعرض بالمجان».

مهرجان سينمائي افتراضي قد يتحوّل إلى نموذج للأشهر أو السنوات المقبلة إلا أنه ليس المبادرة الوحيدة لمواصلة الحياة في قطاع الأفلام العربية.

وهنا يحدثنا ستيفانو مندلق عن مبادرة «أفلامنا» التي أطلقتها جمعية «بيروت دي سي». ويقول «بغياب صالات السينما المفتوحة والمهرجانات وإلغائها، رأينا المخرجين متحمسين للمساهمة في هذا الوضع الحالي وتقديم كل ما لديهم من أفلام. وكان بعضهم قد بدأوا بتقديم أعمالهم مجاناً. لذلك، قررنا خلق منصة لتسليط الضوء على هذه الأفلام وجعل هذا الجهد جماعي بدل أن يكون فردي».

والجدير بالذكر أن «بيروت دي سي» كانت عمِلت على مدى 20 سنة مع مخرجين من جميع أنحاء العالم العربي. وبالتالي، لديها القدرة للوصول إلى أفلام عدّة حيث يضيف مندلق «نعرف أنه لم يتم مشاهدتها بالقدر الكافي ونعلم أنه يجب أن نسلط الضوء عليها لأنها تعالج مواضيع لا يجب أن ننساها في وقتنا هذا أو حتى بعض الأفلام التي تتكلم حول الوضع الحالي بطريقة ما».

وهكذا وصلت أفلام كانت تعرض في المهرجانات ونادراً ما تجد طريقها إلى الجمهور العام إلى عدد كبير من المشاهدين. وبالفعل، التجاوب فاق كل التوقعات. ردود فعل الناس كانت رائعة.

ويتابع ستيفانو مندلق: «تمكّنا من تسجيل أرقام مشاهدات عالية جداً. ففي شهر واحد، حصدنا 100 ألف زائر للموقع، و50 ألف مشاهد، وأكثر من 6 آلاف مشترك في النشرة الإخبارية.

ومع هذا التجاوب الكبير، كان اختيار الأفلام، بدايةً، «عشوائياً» استناداً إلى الأفلام التي تملك «بيروت دي سي» حقوقها بفضل مهرجاناتها مثل «أيام بيروت السينمائية» أو «ريف عكار»، أو الأفلام السابقة في برامج التطوير مثل منصة بيروت السينمائية وغيرها.

ومع استمرار الوضع الحالي، تطوّرت منصة «أفلامنا» حيث يريد القيمون عليها جمع الأفلام بحسب مواضيعها الاجتماعية أو السياسية أو حتى التركيز على أعمال مخرج عربي معيّن.

كثيرة هي المبادرات المشابهة في عدد من الدول العربية. سنعدّد بعضها من باب الذكر لا الحصر. مؤسسة الفيلم الفلسطيني تعرض كل يوم أربعاء فيلماً جديداً في حين المركز الجزائري لتطوير السينما وضع العديد من الأفلام الجزائرية القصيرة والطويلة على قناته على يوتيوب مجاناً إضافة إلى المركز السينمائي المغربي و«رييل فلسطين» من دون أن ننسى، بالتأكيد، المبادرات الفردية للمخرجين الذين قدّموا أفلامهم مجاناً خلال هذه الفترة.

وهنا تُثني بثينة كاظم، مؤسسة سينما عقيل المستقلة في دبي، على هذه المبادرات وعلى منصات الفيديو على الطلب قائلة «هذا يعكس اهتمام الناس بأعمال السينما العربية المعاصرة. هناك شهية أكبر بكثير مما أظهرته دورة التوزيع التقليدية. وقد سمحت هذه المبادرات للجمهور بالنفاذ إلى محتوى لم يكن متوفراً أو لم يهتموا به من قبل».

ولكن، قد يتساءل البعض: لماذا احتجنا إلى مصيبة لتُصبح كل هذه الأفلام متاحة للجميع مجاناً؟

هنا يجيبنا مندلق «صحيح، نفكّر بهذا الشيء منذ زمن. ولكن هناك معادلة علينا الوصول إليها: كيف نتيح وصولا مجانيا وتأمين دخل المخرجين والفنانين في آن واحد. الأمر متوفر في العديد من دول العالم بفضل النظام المعتمد الذي يوفّر إيرادات للفنانين وبفضل وجود سياسة ثقافية تدعم الأفلام والسينما المستقلة. سياسات غير متوفرة لدينا».

فبالفعل لا يمكن تقديم فيلم مجاناً إلا لفترة محدودة لاسيما أن الأفلام مصدر دخل العديد من الفنانين والمنتجين والمخرجين.

أوضاع سيئة للسينما العربية بالإجمال وأيضاً اللبنانية التي لم تكن بألف خير حتى قبل أزمة كورونا وأزمات البلاد السياسية والاقتصادية، والقطاع الثقافي في العالم العربي ولبنان طالما كان يصارع ويواجه وينجو ويكمل الطريق. نحن نعلم أن هناك أزمة كبيرة قادمة لكننا سنخرج منها والحل هو ما كنا نطالب به دائماً، سياسة ثقافية حقيقية ودعم من الحكومات في العالم العربي.

يبقى أن الجميع لا يعرف ما يخبئه المستقبل. ويشير مندلق أنهم يعملون على تطوير النموذج الحالي المجاني وايجاد التمويل له إضافة إلى التفكير، على المدى الطويل، بصيغة عادلة للمشاهدين والمخرجين على حد سواء.

بعض المهرجانات كان ردّها سريعاً كالانتقال إلى الافتراضي أو حتى شركات الإنتاج التي أعادت هيكلة عملها على غرار «بي بي سي» والتي أكملت التصوير وأجبرت طاقمها على الحجر طوال الفترة. إلا أن الأكيد «هناك ضرورة لإعادة التفكير بعملية الإنتاج وما زال الوقت باكراً لمعرفة النتيجة مشددة، لا يمكننا أن نستبدل تجربة مشاهدة الأفلام في السينما ولكن هناك مساحة لإعادة تصور دورة حياة التوزيع».

باحثة اجتماعية

 

Email