تعزيز تكافؤ الفرص في فلسطين

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن التحديات القاسية التي تفرضها ظروف الحياة في فلسطين المحتلة موثقة جيداً ولا تخفى على أحد، إلا أنها تخفي تحت ظلالها معاناة أصحاب الهمم. إذ يواجه الأطفال من أصحاب الهمم في فلسطين تحديات يومية في مجتمعاتهم ومدارسهم نتيجة غياب الدعم الاجتماعي والتعليمي المناسب.

دفع هذا الأمر رائد الأعمال الاجتماعية نور الدين عمرو، وهو كفيف يعاني من ضعف بصر شديد بنسبة 98 في المئة، إلى المبادرة بتأسيس مدرسة وجمعية سراج القدس للمكفوفين وأصحاب الهمم في عام 2007، حيث تهدف المؤسسة إلى تعزيز وتحسين الشبكات التعليمية والاجتماعية والعائلية للأطفال ذوي الإعاقة البصرية والمهمشين اجتماعياً في القدس وغيرها من المناطق.

وقد تمكّنت مدرسة سراج القدس منذ أن فتحت أبوابها من خدمة آلاف الأطفال وتقديم التعليم الرسمي لمن تتراوح أعمارهم بين 4 و13 عاماً، حيث قبلت الطلّاب الذين أثبتوا حاجتهم الماسة إلى المساعدة المالية.

بفضل التمويل والتبرعات وتقاضي الحد الأدنى من رسوم التعليم، تمكّنت المؤسسة من الانطلاق في مسيرة نجاح ساهمت من خلالها في الحد من الوصم الاجتماعي الذي يتعرض له المكفوفون وأصحاب الهمم في فلسطين. يقول عمرو لحوار الشرق الأوسط، «يُعاني ذوو الإعاقة البصرية واصحاب الهمم من صعوبات وتحديات جمّة في تعليمهم وحياتهم.

وتعود جذور هذه المشكلات إلى غياب بيئات التعليم المناسبة والافتقار إلى التقنيات المساندة وقلة الفرص المتاحة في الحياة»، وأضاف قائلاً: «يتمثّل أحد أهداف المدرسة بتعزيز روح المساواة والتفاهم بين فئات الطلاب المختلفة».

يعيّن رائد الأعمال الاجتماعية معلمين ومعلمات من ذوي الإعاقة البصرية ومبصرين أيضاً ويدرّبهم على اعتماد أساليب تعليم مناسبة للجميع ودامجة واستخدام التقنيات المبتكرة لمساعدتهم في العملية التعليمية. كما نفّذت مدرسة سراج القدس مجموعة واسعة من الأنشطة المبتكرة والإبداعية المختلفة لرفد ذوي الإعاقة البصرية بالمهارات اللازمة للاندماج في مجتمعاتهم.

وفي هذا السياق، أوضح عمرو، «نستعين في المدرسة بالتقنيات السمعية لتطوير بيئة تعليمية مساندة للطلاب، بالإضافة إلى الحواسيب الناطقة والمنهاج السمعي. ويتلقّى المعلمون والمعلمات أيضاً التدريب الملائم حول كيفية التعامل مع الطلّاب في بيئات صفّيّة متنوعة».

وأضاف، «نعلّم أطفالنا أن يحبّوا بعضهم ويلعبوا معاً ونغرس فيهم روح المساواة لسد الفجوة التي سببها الوصم الاجتماعي الذي تلحقه فئات المجتمع المختلفة ببعضها».

ويرى عمرو أن المجموعات الأقل حظاً اقتصادياً واجتماعياً وأصحاب الهمم هم أكثر الفئات التي تعاني من التهميش الاجتماعي في فلسطين، إذ «كثيراً ما يُنظَر إلى الأشخاص المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة على أنّهم عبء على المجتمع».

ينطلق عمرو من منصة التعليم على توفير فرص متكافئة للطلاب في المدرسة ومرحلة ما بعد المدرسة، لذا أقامت سراج القدس شراكات مع مؤسسات محلية ودولية وجمعيات فلسطينية والمراكز المحلية من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للمكفوفين وذأصحاب الهمم ودمجهم في المجتمع.

وقد حظي نظام دمج التعليم الذي يتبعه عمرو باهتمام وزارة التربية والتعليم الفلسطينية فتبنته وبدأت بتطبيقه تدريجياً في المدارس الحكومية، حيث أوضح عمرو، «أقرت السلطة الفلسطينية أخيراً قوانين لدمج الطلّاب ذوي الإعاقة البصرية في المدارس الحكومية، غير أن تطبيق هذه القوانين وتهيئة المدارس لاستقبال هؤلاء الطلّاب سيستغرق وقتاً طويلاً. إذ تتطلب مثل هذه المبادرات ميزانية كبيرة وتغييراً جذرياً في طريقة تفكير المعلمين والمعلمات وأفراد المجتمع».

عندما يتخرج الطلاب من مدرسة سراج القدس يتم إرسالهم إلى مدرسة مناسبة لاستكمال تعليمهم المدرسي كل حسب حالته، غير أن هناك مخططات لتوسعة النطاق التعليمي في مدرسة سراج القدس ليشمل التعليم الثانوي وبهذا يمكن مساعدة الأطفال على إتمام تعليمهم بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسي، بحسب ما أخبرنا به عمرو. لا تزال فرص العمل المتاحة للطلاب ذوي الإعاقة البصرية شحيحة في فلسطين بالرغم من تحديد القانون الفلسطيني لنسبة توظيف إلزامية لأصحاب الهمم تبلغ 5 في المئة.

لكن رؤية عمرو في هذا المجال لا تقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى الرغبة بالمساهمة في تشكيل مجتمع تعددي ومتنوع يتمتع جميع أفراده، بما فيهم ذوو الإعاقة البصرية وأصحاب الهمم والأشخاص المهمشين، بفرص متكافئة في الحياة والعمل، فحلم عمرو كما يراه: «في عالم مثالي، سيتلقى كل فرد في فلسطين معاملة متكافئة في بيئة مناسبة قادرة على دمج جميع الأفراد وتمكنّهم من تلبية حاجاتهم وتحقيق طموحاتهم والعيش بسلام».

 

 

Email