محمية أردنية تحتضن الحيوانات المفترسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مصطفى خريسات، مدير الموقع في محمية المأوى للطبيعة والبرية، يطلعنا على ولادة هذه المحمية والحيوانات، التي تضمّها وأهمية هكذا محميات في المنطقة العربية.

سكر ولوز، سمبا، بالو، ماكس ومنى، سما ولونا، ليلى وبابلو.. هذه بعض أسماء سكان محمية المأوى للطبيعة والبرية بمحافظة جرش في شمال الأردن، التي تتلقى كل الرعاية، التي يوفّرها فريق مؤلف من 28 شخصاً يتولون مختلف المهام.

هؤلاء السكان يصل عددهم، في الوقت الحالي، إلى 29 حيواناً: 23 أسداً أفريقياً، ما بين أسود ولبؤات وأشبال، نمران، أربعة دببة- ما بين الدب الآسيوي الأسود والدب البني السوري. ويخبرنا مصطفى خريسات البالغ من العمر 25 سنة وهو مهندس إنشاءات وإدارة مشاريع، وحالياً مدير الموقع في محمية المأوى للطبيعة والبرية أن هذه المحمية «هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط التي تُعنى بإيواء الحيوانات المفترسة، وإعادة تأهيلها ورعايتها وحماية الغابات والتنوع الحيوي» إضافة إلى كونها «وجهة سياحية تعليمية للتوعية حول الطبيعة والحيوانات ومشاهدة هذه الأخيرة في بيئة محاكية لبيئتها الطبيعية، ضمن المواصفات العالمية لتوفير حرية الحركة والتصرف للحيوانات من ناحية السلوك الطبيعي والخصوصية والراحة».

وبالفعل، ولدت فكرة هذه المحمية، بحسب خريسات، استجابة لضرورة وجود حل إقليمي للحيوانات المحمية باتفاقيات منع الإتجار بالحيوانات البرية، والتي يتم مصادرتها من السلطات المختصة أو إنقاذها من قبل الهيئات العالمية من مناطق النزاعات أو الحروب، وللحيوانات الموجودة في ظروف أسر غير ملائمة لطبيعتها أو التي تتعرض للتعذيب أو الاستغلال.

أما عن موقع المحمية، في جرش، فيُعزى إلى أهمية هذه المنطقة من حيث التنوع الحيوي الموجود فيها، حيث أُعلنت محمية لاستقبال الحيوانات التي ازدادت أعداد عمليات تهريبها عبر الأردن، فمعظم الحيوانات الموجودة في المأوى تعرضت لظروف لا تمكّنها من الاندماج في البرية مرة أخرى حيث إنها مولودة في الأسر ولا تمتلك الغرائز الطبيعية للبقاء، وقد يتم صيدها أو استغلالها مجدداً، فيطلعنا خريسات أن «بعضها تم الاعتداء على موطِنه وانقرض من بيئته الطبيعية كالدبّ البني السوري».

ويشرح لنا خريسات أن بعض هذه الحيوانات ستجعل من المأوى للطبيعة والبرية موطنها الدائم والأخير، ولكنه لم يستبعد نقل بعضها إلى مكان أفضل إذا لزم الأمر، أما في ما يتعلق بالحيوانات الأخرى الأصيلة في الأردن كالذئاب والضباع والثعالب والطيور المختلفة، «فإنها تتلقى العلاج اللازم ويتم إعادة تأهيلها بالطريقة الصحيحة ومن ثم إطلاقها في مناطق آمنة ومدروسة بعد التأكد من قدرتها على الاستمرار والتعايش مرة أخرى في بيئتها»، على حد قوله.

محمية تبقى فيها هذه الحيوانات، حيث الجميع يريد سلامتها وصحتها لا سيما أن كل من يعمل هنا يكرّس وقته لها، فيخبرنا خريسات «الشيء الجميل في مجال عملنا أنه لا يوجد شيء اعتيادي أو روتين يومي. نحن دائماً نعمل لتوفير الأفضل لهذه الحيوانات ومساعدة الزوار وتقديم تجربة فريدة والعمل على تطوير المكان بشكل مستمر».

قد لا يكون العمل في المحمية مضجراً أو رتيباً إلا أنه لا يخلو من التحديات والصعوبات، فأول التحديات، كان في تقبل السكان المجاورين لفكرة إنشاء المحمية، فيقول خريسات «لم يعرفوا مقدار الأمن والحماية الموجودة في مساحات الحيوانات كما استغربوا الفكرة لعدم وجود مكان مثيل في المنطقة». ويضيف «الآن، بفضل الندوات التعريفية والزيارات وفرصتهم في العمل بهذا المكان ومشاهدة الواقع بصورة شمولية، اختفت هذه التحديات وتحولت إلى دعم وتعاون لإنجاح هذا المكان وحماية هذه البيئة والحيوانات».

ويبقى التحدي الأكبر الذي ما زال قائماً منذ البداية التمويل والدعم المادي والتكلفة المرتفعة لإبقاء هذا المكان وتوفير احتياجات الحيوانات كون المحمية قائمة على الدعم والتبرعات والتمويل من الشركاء والهيئات العالمية.

رغم التحديات التي لا تخلو من أي مشروع جديد، الأكيد أن محمية المأوى للطبيعة والبرية قد غيّرت حياة هذه الحيوانات التي كان معظمها يعيش في حدائق حيوانات في سوريا أو العراق أو يتم بيعها بشكل غير قانوني، كما أنها غيرت حياة السكان المجاورين، حيث يخبرنا خريسات أن الوعي ازداد بشكل لافت متابعاً «نلاحظ ذلك من الدعم المعنوي والتشاركي ورغبة الكثير في التطوع وانخراط المجتمع المحلي بحملات التوعية وحماية البيئة والثروة الحرجية وانخفاض التعديات بشكل كبير جداً».

ازدياد الوعي لدى أهل المنطقة والزوار يدفع أيضاً القيمين على هذه المحمية بتطوير المشاريع وتوسيعها، فيطلعنا خريسات «نحن الآن بصدد تجهيز المزيد من المسيّجات المتخصصة لتوفير مساحة مناسبة لعمر وعدد الحيوانات، التي تم استقبالها مؤخراً ولإيجاد مكان شاغر لاستقبال حيوانات جديدة قد تأتي في أي لحظة لالتزامنا بمساعدة هذه الحيوانات وإعطائها ما تستحق» من دون أن ننسى مشاريع أخرى لتطوير السياحة البيئية، التي تعود بالفائدة على الجميع.

ـــ باحثة اجتماعية

Email