مُهرّجون يرسمون البسمة على وجوه اللاجئين

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أخذت سابين شقير على عاتقها القيام بمهمّة إنسانية تتمثل في الترويح عن النفس ولو بقدر بسيط بين أوساط اللاجئين السوريّين والمستضعفين حول العالم. سابين هي مُهرّجة محترفة تضع أنفاً أحمر كعادة المهرجين وتقدم عروضاً كوميدية لإضحاك النّاس والترويح عنهم.

أرادت المُقدّمة السّابقة للعروض على التلفاز سابين شقير أن تتواجد بين الجمهور بصورة أكثر من مجرّد الإطلالة عبر منصّة إعلامية تقليدية.

وتتحدث سابين عن تجربتها فتقول: «بعد مدّة من الزمن لم يكن وجودي على خشبة المسرح كافياً». وأوضحت أنّها لم تعثر على هدفها الحقيقيّ إلّا بعد أن تعلّمت فنّ التهريج أثناء دراستها للفنون المسرحيّة في بريطانيا. أضافت سابين: «اكتشفت أن مهنة التهريج مهنة رائعة. حينئذ عرفت لم كُنت راغبةً بدراسة المسرح، وكيف لي أن أستخدمه مع النّاس».

بعد عثورها على الهدف الذي كانت تنشده بوقت قصير، أنشأت سابين مؤسسة «كلاون مي إن» في عام 2008 بالاشتراك مع صديقتها جابرييلا مونوز، وهي شركة فنون مسرحيّة مقرّها بيروت. وتنظم المؤسسة ورش عمل للّاجئين والمجتمعات المحرومة حول العالم.

وفقًا لتقديرات المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد بلغ عدد السوريّين النازحين كلاجئين بعد ثماني سنوات من الحرب نحو 5.6 ملايين لاجئ. ونصف المتضرّرين من الأطفال الذين يعيش كثير منهم الآن في لبنان وفي عدد من الدول المُجاورة، حيث أصبحت المخيّمات المؤقّتة موطناً لعشرات الآلاف من اللاجئين الذين انتهى بهم الأمر بالعيش في تلك المخيمات لسنوات.

تتفهّم سابين الصعوبات التي يتعرّض لها هؤلاء الأطفال كل يوم، نظراً لكونها شهدت الحرب الأهليّة في لبنان في مصغرها.

وتقول سابين: «أعلم تماماً كيف يشعر هؤلاء الأطفال وأدرك معاناتهم. تقديمي للعروض في مخيّمات اللاجئين أمر يحمل أهمية خاصة جداً بالنسبة لي».

لكن لم يكن تقديم مهنة التهريج بهذا الشكل في لبنان أمراً سهلاً بالنسبة لسابين. فقد أرادها النّاس أن تقدم عروض التهريج أثناء أعياد ميلاد الأطفال، بينما كانت ترغب في تسخيره لأجلِ قضيّة اجتماعيّة. وعليه قرّرت استثمار وقتها ومالها في زيادة حجم شركتها وجعل التهريج فناً معروفاً.

وتوضح سابين ما أقدمت عليه بقولها: «أرسلت مقترحات إلى سبعين منظمة مختلفة لإخبارهم بأهميّة فن التهريج».

وقد تكلّلت جهودها بالنجاح في نهاية المطاف، حيث أصبحت مؤسسة «كلاون مي إن» اليوم واحدة من أكبر مجموعات التهريج في لبنان، وتقدّم عروضاً لإدخال البهجة في نفوس من هم في أمسّ الحاجة لها. وقدّمت المؤسسة عروضاً في مختلف أنحاء العالم في المكسيك ولبنان وفلسطين والهند والمغرب والأردن والبرازيل واليونان وبريطانيا.

«جميعنا بحاجةٍ إلى مزيدٍ من البهجة»، سافرت سابين في نوفمبر 2015 إلى جزيرة ليسبوس اليونانيّة لتقديم عرضٍ أمام اللّاجئين الذين قدموا إلى الجزيرة، وذلك بالتعاون مع مجموعة «مهرّجون بلا حدود»، وهي مجموعة تهريجٍ غير ربحيّة. وكانت تلك الزيارة من أكثر المواقف المؤلمة التي مرت بها سابين.

تقص علينا سابين السبب قائلة:«لقد انهرت، وشعرت بحزن بالغ. الناس هناك لم يكن باستطاعتهم العثور على أقربائهم. نحن بشر في النهاية نتأثر بهذه اللحظات. لكنّ الموقف لم يمنعنا من التغلب على تلك المشاعر وتقديم العرض. بل وأدركنا أهميّة وجودنا هناك كي نُدخِلَ البهجة في قلوب النّاس والأطفال، الذين كانوا في أمس الحاجة إليها».

وتوَضح سابين أنه عادة ما يكون ثمّة شعورٌ باليأس والإحباط في معظم مخيّماتِ اللّاجئين، لكن سرعان ما يتغير المشهد من حالة الفتور إلى البهجة عند تقديم المهرّجين لعروضهم.

وتشير سابين: «للعروض فعل السحر رغم البؤس».

كما تستخدم مؤسسة «كلاون مي إن» التهريج للتوعية بعدد من القضايا الاجتماعيّة كحقوق الطفل والتعليم والزواج المبكّر والبيئة. وتعمل المؤسسة في الوقت الحالي على تنظيم «عرض أزياء من النفايات» بهدف زيادة الوعي بمسألة النفايات التي لا تمثل مشكلة في لبنان فقط، بل في الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم.

وتوضّح سابين أنّ الجمهور يميل إلى تقبّل الأفكار والرسائل التي تتضمنها هذه العروض، حيث تقول: يُنصت الناس باهتمام وتركيز عندما لا توجه إليها سهام النقد بصورة مباشرة.علاوة على ذلك فإنهم يتقبّلون الآراء برحابة صدر أكبر حينما يكونون سعداء. باللعب والضحك يمكن صناعة المعجزات.

وإدراكاً لأهميّة صناعة التهريج، تم توجيه الدعوة لسابين شقير مؤخراً لحضور المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث نظّمت ورشة عن التعامل مع الفِقدان وتحدّثت عن أهميّة المرح واللهو في العمل. وقالت عن هذه التجربة: لقد كانت تجربة رائعة! لا تقتصر أهميّة المشاركة على مجرد التواجد، ولكن التفاعل بصورة نشطة وفعالة ونشر رسالة لزيادة الوعي بأهمية صناعة التهريج.

ونظرًا لما يلوح في الأفق من أن أزمة اللاجئين على المستوى العالمي لن يتم حلها في المستقبل القريب، فترى سابين أننا بحاجة إلى التهريج أكثر من أي وقتٍ مضى.

واختتمت سابين شقير اللقاء بقولها: إننا في حاجة إلى مزيد من عروض التهريج في منطقتنا وفي العالم، لأنه لا يتوافر منها ما يكفي. إننا جميعاً بحاجة إلى مزيد من البهجة والسعادة.

 

 

Email