تدوير جريد نخيل المغرب لحماية البيئة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهمت النهضة الكبيرة التي شهدتها صناعة النخيل التاريخية في المغرب، في در دخل لملايين من الفلاحين، لكن تلك الزيادة الكبيرة في المحاصيل، تسببت أيضاً في مشاكل بيئية، والتي صمم ثلاثة من الشباب المغاربة على إيجاد حل مناسب لها.

أسس ثلاثة من الشباب المغاربة، وهم: محمد حركات ومريم نادي وأيوب حبيك، شركة ناشئة، أطلقوا عليها اسم «أولتيرنيتيف سوليوشن». وتقوم الشركة على تحويل مخلفات جريد النخيل إلى ألواح خشبية صديقة للبيئة، يمكن استخدامها في الإنشاءات والتصميم الداخلي.

قد يبدو من وصف نشاط الشركة بهذا الإيجاز، أن الأمر سهل، ولكن الشركة، التي بدأت في التشغيل في عام 2017، صادفت العديد من الظروف المعاكسة خلال عملية التصنيع.

وفي هذا الصدد يقول محمد حركات، البالغ من العمر 27 عاماً، أحد الأعضاء المؤسسين، الرئيس التنفيذي لشركة «أولتيرنيتيف سوليوشن»: «لقد حققنا نجاحاً طيباً، مكننا من الاستمرار في السوق المحلية في المغرب على مدى عامين، فليس من السهل تدشين شركة ناشئة، وخاصة تلك التي تهدف إلى تحقيق أثر اجتماعي من خلال نشاطها».

كانت المغرب من بين أكبر مُنتجي التمور في العالم، قبل أن يقضي مرض فطري يُعرف باسم البيوض على أكثر من 12 مليون نخلة خلال القرن العشرين.

ثم بدأت المغرب مرة أخرى خلال منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، في تنشيط صناعة التمور، حيث وصل الإنتاج السنوي في عام 2016 إلى 128 ألف طن. وتهدف الحكومة إلى زيادة الإنتاج بحلول عام 2020 إلى 160 ألف طن، كما ساعدت الحكومة العاملين في المجال، على زراعة الملايين من أشجار النخيل. وتوفر عوائد محاصيل التمور نسبة تصل إلى 60 % من دخل 14 مليون مغربي.

بيدَ أن تنشيط هذه الصناعة يتسببُ في مشاكل بيئية. ففي منطقة درعاتافيلالت بجبال الأطلس، والتي تنتج 85 ألف طن من التمور سنوياً، يوجد ما يقدر بنحو 75 ألف طن من مخلفات نخيل التمور.

وفي رحلة عمل إلى هذه المنطقة، تعرف محمد حركات بصورة مباشرة على المشاكل البيئية، التي تسببها هذه المخلفات، حيث إنها عادة ما تُترك للتعفن على الأرض التي يمكن زراعتها، وأحياناً يتم إحراقها، ما يتسبب في انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وغيره من الملوثات الأخرى في الجو.

وعلى العكس من هذه الوضعية، نجد أن تشذيب وإزالة مخلفات جريد النخل والخشب، يجعل أشجار النخيل أكثر صحة، بل ويسهم في زيادة إنتاج التمور. ومع عدم توافر أماكن للتخلص من تلك المخلفات، غالباً ما يفشل بعض الفلاحين في قطع الأشجار بشكل كافٍ، ما قد يؤدي إلى خفض الإنتاج، أو حتى هلاك تلك الأشجار.

لذلك، قرر رواد الأعمال الشباب الثلاثة إيجاد حل أفضل، ومن هنا، جاء اسم الشركة «أولتيرنيتيف سوليوشن»، والذي يعني بالعربية «حل بديل». وبعد استئجار مستودع في مدينة الجديدة، التي تقع على بُعد 100 كيلومتر جنوب غرب الدار البيضاء، صمم الشركاء الثلاثة الماكينات الخاصة بمشروعهم، والتي بإمكانها معالجة مخلفات جريد النخيل، من خلال عملية معقدة من خمس مراحل، تحولها في النهاية إلى ألواح يبلغ حجمها نصف متر مربع. ويحظى المنتج النهائي بتصديق شركة «سيريبوا» الفرنسية لضمان الجودة.

وتقوم الشركة ببيع هذه الألواح لشركات التصميم الداخلي ومطوري العقارات، حيث يتم استخدامها في تصنيع الطاولات والكراسي والأرضيات، وتركيبات الحوائط وغيرها من قطع الأثاث.

ويشير محمد حركات للفكرة قائلاً: «تتلخص الفكرة في إيجاد حلول بيئية بديلة لطريقة التعامل مع المخلفات. ستكون الألواح الخشبية هي باكورة منتجات عديدة، سنعمل لاحقاً على تنويعها، حالما نصل بحجم إنتاجنا من الألواح إلى كميات كبيرة كافية».

وتشمل الخطط التوسعية للشركة، صناعة الأثاث المنزلي من خشب النخيل المعاد تدويره، وكذلك تحويل سعف النخيل إلى منتجات حرف يدوية، وأعلاف عضوية للماشية. وتستطيع الشركة حالياً إعادة تدوير 40 ٪ من مخلفات النخيل، ولكنها بمجرد أن تبدأ في إعادة استخدام سعف النخيل، ستتمكن من إعادة تدوير مخلفات النخيل بالكامل.

ويسترجع محمد حركات صعوبة البدايات قائلاً: «كان التحدي الأول، هو تصنيع الماكينة التي يمكن أن تعمل على معالجة مخلفات جريد النخيل، ونجحنا في ذلك، من خلال تقنية الهندسة العكسية. أما التحدي التالي، فكانَ البحثُ عن مصادر تمويل، وأخيراً، كان لزاماً علينا إيجادُ زبائن لشراء منتجاتنا».

وتنتج الشركة حالياً 100 متر مربع من الألواح الخشبية شهرياً. ومن المنتظر أن تقوم الشركة بزيادة إنتاجها، بمجرد تلقيها تمويلاً أكثر. وتهدف الشركة إلى جذب مليوني درهم مغربي، أي ما يعادل 208 آلاف دولار من مصادر تمويل جديدة عام 2020، ما سيمكنها من التوسع في نشاطها، لتصل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.

وتلقت شركة «أولتيرنيتيف سوليوشن» حتى الآن، 750 ألف درهم مغربي من مختلف الداعمين، الذين من بينهم المركز المغربي للإبداع والمقاولة الاجتماعية، والبنك الدولي، وصندوق بداية، وهو عبارة عن حاضنة لمشروعات التكنولوجيا الصديقة للبيئة.

ويوجد في الشركة حالياً أربعة موظفين يعملون بدوام كامل. كما تعمل الشركة مع منظمات غير حكومية في منطقة درعاتافيلالت، لترتيب إجراءات تسليم مخلفات جريد النخيل إلى مصنع الشركة.

ويختتم محمد حركات حديثه قائلاً: «إننا نسعى على المدى الطويل، إلى خلق فرص عمل دائمة في منطقة درعاتافيلالت».

* باحث اجتماعي

Email