النهوض بالموروث الثقافي التونسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إعادة الأمل وتوفير المستقبل الواعد للشباب يجب أن يكونا أولوية وطنية.

تعيد رائدة الأعمال التونسية ليلى بن قاسم إحياء الإرث الوطني، بمساعدة الشباب وروّاد الأعمال المحليين، للمحافظة على الهوية الثقافية ودفع عجلة النمو في بلادها.

ليلى بن قاسم، التي شغلت العديد من المناصب مع شركات عالمية، اختارت أن تعود إلى وطنها في عام 2013 كي تسهم في تعزيز نموه الاقتصادي، غير أن ذلك لم يكن شغفها وحدها؛ فقد شجّعت الأحداث في تونس في عام 2011 العديد من المغتربين التونسيين على العودة وتوحيد مواهبهم ومهاراتهم لبعث حياة جديدة في دولتهم.

ودلالة على تكلُّل جهود الشباب التونسي بالنجاح، أحرزت تونس تقدماً ملحوظاً في مؤشر البيئة المحلية لريادة الأعمال لعام 2017، فصُنّفت الأولى في أفريقيا والسادسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحتلت المركز 40 على مستوى العالم، وفقاً لتصنيف المعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية.

ومن جانبها، أسّست بن قاسم شركة «بلوفش» التي تُعدّ حركة شعبية متنامية تعمل على إيجاد قنوات اتصال بين الطلاب والحرفيين وروّاد الأعمال الثقافيين لإعادة الحيوية إلى الأحياء والمدن التونسية القديمة.

وتمتد نشاطات هذه المؤسسة المجتمعية إلى نطاق أوسع، بما فيها تحديد الفرص الكامنة في التراث الثقافي والتاريخي، وتطوير مشاريع من شأنها تحسين ديمومة هذه الفرص والارتقاء بالمستوى المعيشي للسكّان.

أطلقت بن قاسم على الشركة اسم (بلوفِش) أو «السمكة الزرقاء» بسبب حبها للأسماك واللون الأزرق، وبدأت كشركة مُصدّرة لمشاريع الحرفيين المحليين، إلا أنّ نهجها هذا لم يلقَ النجاح المطلوب ما دفعها إلى توجيه جهودها إلى تحسين مهارات ريادة الأعمال لدى الحرفيين.

تقول بن قاسم: «خلال عملي هذا، اكتشفت الكثير من التحديات الأخرى، إذ كان من المحبط أننا لم ننقل الصورة الصحيحة عن بلدنا الغني بالتراث والثقافة وقصص النجاح».

وتضيف بن قاسم: «بشكل عام، دائماً ما نبخس من قدرة التراث والثقافة في إيجاد فرص اقتصادية واعدة في المنطقة، فأردت أن أبرهن قدرتنا على الاستثمار في بيئتنا الثقافية والفنية من أجل بناء مجتمع أفضل».

أنشأت ليلى، مؤسِّسة شركة بلوفش، دار بن قاسم وهو بيت شُيّد في القرن السابع عشر تم ترميمه حديثاً ليصبح فندقاً من 7 غرف، وبات يُمثّل قصّة التزام مستلهماً عراقته من التاريخ الثقافي التونسي الغني.

تقول بن قاسم عن هذا المشروع: «يروي دار بن قاسم قصّة إيجابية عن ماضينا ومستقبلنا».

اُفتتح دار بن قاسم للضيافة في عام 2013، وهو مشروع اجتماعي يعيد استثمار جميع أرباحه في ترميم بيوت المدينة العتيقة أو في دعم مبادرات من شأنها تحسين التجربة الاجتماعية الحضرية في أقدم الأحياء التونسية.

يطمح المشروع إلى إحياء التراث المعماري والفني إضافة إلى تنويع استخدام مساحات المدينة العتيقة وضمان الحفاظ على موروثها.

ويوفّر دار بن قاسم، الذي استقبل ضيوفاً من 59 جنسية مختلفة من حول العالم، تجارب فريدة تتيح للضيوف الاطلاع على أنشطة الحرفيين المحليين، كما يُقدّم الدعم للشركات الصغيرة النشطة في المدينة القديمة.

تقوم ليلى بن قاسم حالياً بتمويل مبادراتها المؤسسية المجتمعية من خلال الفرع الاستشاري لشركة بلوفش المكوّن من ثمانية موظفين، وتعمل أيضاً مع عددٍ كبير من الموظفين المستقلّين والمتطوّعين، إلا أنها تقول: «أُفضّل أن أكافئ الأشخاص على عملهم».

تواصل ليلى العمل كذلك مع مجموعات الحرفيين المحليين في مختلف المدن التونسية مثل القصرين وتطاوين، وذلك لمساعدتهم في هيكلة مشاريعهم وتحسين تصدير أعمالهم.

وتقول: «نعمل باستمرار على الترويج لأعمالهم ومتاجرهم ومنتجاتهم. ونحاول فعل ذلك بطريقة ممتعة تتخلّل العمل مع الشباب لنحكي قصصهم إما عبر المقالات أو مقاطع الفيديو. فالترويج للمدن من خلال سردِ قصص عن منتجاتها وتراثها وشعوبها ومطبخها من شأنه تسليط الضوء على الهويات المحلية، ما يُحسّن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في المدينة ويشّجع الشباب على الاستلهام من هذه الأفكار لتحقيق أهدافهم».

تُشير ليلى إلى أن الشباب في تونس والعالم يمرّون حالياً بتحدياتٍ جمّة، وتضيف قائلة: «تواجه أنظمة التعليم الوطنية صعوبة في مواكبة وتيرة التطوّر السريع الذي يشهده العالم من حولنا، فقد بلغنا مرحلة لا نوفّر للشباب فيها المهارات المناسبة التي يتطلّبها سوق العمل المعاصر».

كما تُنوّه إلى أن المهارات المهنية غير المتوافقة مع احتياجات سوق العمل وقلّة الوظائف وتداعيات الثورة التي عصفت في البلاد تُشكّل كلّها وضعاً «صعباً للغاية» يعترض طريق الشباب المحليين عند دخولهم إلى بيئة العمل.

وتضيف: «نحن لا نفهم واقع الديمقراطية في تونس، فقد شهدنا تغييرات حكومية كثيرة خلال السنوات الثماني الماضية. وأعتقد أنّ إعادة الأمل وتوفير المستقبل الواعد للشباب يجب أن يكون أولوية وطنية. أحاول في مشروعي المحلي هذا أن أضفي طابعاً من العصرية والحداثة على تراثنا وهويتنا الثقافية بطريقة تُشجّع الشباب على المشاركة فيه. إذ أعتقد أنهم في أمس الحاجة ليكونوا فخورين بهويتهم وجذورهم، ما سيساعدهم في إيجاد الفرص وبث الأمل واستغلال ذلك من أجل إحداث تغيير إيجابي في مجتمعنا».

* باحثة اجتماعية

 

Email