صناع الأفلام الفلسطينيون يتحدون الاحتلال

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتغلب صناع الأفلام الفلسطينيون على صعوبات وقيود الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية لتقديم مجموعة رائعة من الأعمال السينمائية.

ويوثق هؤلاء المخرجون –الذين يتناولون قضايا متنوعة مثل السجن والاختلافات بين الأجيال والتسامح الديني والهوية - واقع الحياة تحت الاحتلال من خلال الأفلام الروائية والوثائقية.

وتُعرض أعمالهم في مهرجانات بجميع أنحاء العالم، إذ عُرضت خمسة أفلام في مهرجان مالمو للسينما العربية بالسويد أكتوبر الماضي، وهو أكبر مهرجان مخصص للأفلام الناطقة باللغة العربية خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وشملت هذه الأفلام الفيلم الدرامي الطويل الذي لاقى استحسان النقاد «واجب» للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، في حين كان هناك حضور للجيل الجديد من صناع الأفلام الشباب تمثل في مشاركة المخرجة الفلسطينية ناتالي جوبي التي تبلغ من العمر 18 عامًا، والتي حصد فيلمها الأول «الأجنبي» الجائزة الأولى ضمن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة في مهرجان نظرة الإيطالي للأفلام الفلسطينية وجائزة الخنجر البرونزي في مهرجان مسقط السينمائي الدولي.

ويروي فيلم «الأجنبي» قصة استثنائية لرجل يُدعى دون هوتشيسون، وهو مواطن من ولاية بنسلفانيا الأمريكية أتى إلى فلسطين لأول مرة عام 1965 للعمل مدرسًا في مدرسة أصدقاء رام الله. وعاد هوتشيسون إلى رام الله عام 1967، بعد أسبوعين من استيلاء إسرائيل على الضفة الغربية.

ثم ماتت زوجة هوتشيسون الفلسطينية وتركته لتربية أطفالهما الصغار في رام الله، حيث ما زال يعيش بعد رفضه جميع العروض للعودة إلى موطنه في الولايات المتحدة.

وقالت ناتالي، التي كانت تلميذة في مدرسة أصدقاء رام الله حيث التقت هوتشيسون لأول مرة: «إنه (هوتشيسون) يشعر وكأنه أجنبي في الولايات المتحدة وأن فلسطين هي وطنه». وتدرس ناتالي للحصول على شهادة في الإنتاج السينمائي من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، حيث تأمل في صقل مهاراتها لإيصال صوت الفلسطينيين بشكل أفضل.

وتابعت ناتالي، التي بدأت إخراج أفلام روائية في سن المراهقة، قائلةً: «عندما أقول إنني فلسطينية، لا يعلم الكثير من الناس أين تقع فلسطين. يجب عليّ رواية قصة بلادي، وبالنسبة لي صناعة الأفلام هي أفضل طريقة لذلك».

وأضافت: «من المهم أن يكون لدينا رواة القصص الذين يمكنهم الوصول إلى العالم الأوسع. لم يعد الناس يقرأون الصحف؛ لذلك يُعد الفيلم هو الطريقة الأفضل لعرض القصة الفلسطينية. ربما سينفتح العالم ويرى ما يحدث حقًا في فلسطين».

محمد شلودي هو مخرج فلسطيني آخر يبلغ من العمر 24 عامًا عُرِض فيلمه الأول «وعد» في مهرجان مالمو. ويتناول فيلم «وعد» تجربة طالبة تصوير فوتوغرافي تلتحق بجامعة إسرائيلية. وتنتمي هذه الطالبة التي تبلغ من العمر 23 عامًا إلى قطاع غزة في الأصل، لكنها نشأت في القدس.

وقال شلودي، الذي درس التصوير في القدس قبل الحصول على شهادة الإنتاج السينمائي من كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة عام 2017: «نحن أصدقاء وجاءت الفكرة من محادثة بيننا حول الوضع في كليتها. قررت تسجيل ما كان يحدث، إذ يشعر أغلبية الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس بهذه الإثارة النفسية ذاتها».

وفي الوقت ذاته، كانت سوسن قاعود –وهي مخرجة أفلام وثائقية متمرسة ومحاضرة في جامعة القدس، ووالدة المخرجة الشابة ناتالي جوبي-عنصرًا بارزًا في تطوير قطاع السينما الفلسطينية.

أسست قاعود شركة مشاهد للإنتاج الفني عام 2013، وهي شركة خدمات إنتاج تقدم تسهيلات لصناع الأفلام، وتنتج أيضًا أفلام سينمائية وأفلام وثائقية تلفزيونية. وخلال عام 2019، ستدشن سوسن مركز القدس للتدريب الإعلامي بالتعاون مع جامعة القدس، الذي سيدرب كلًا من الطلاب وخبراء الصناعة.

وقالت قاعود، التي تبلغ من العمر 47 عامًا: «هذا المركز من أجل الأشخاص الذين يحتاجون إلى مهارات وأدوات مختلفة. ستكون هناك دورات تدريبية متنوعة على يد مدربين متخصصين».

وأضافت قائلةً: «إذا كنا نحن الفلسطينيين نتحسن في سرد قصصنا وتوثيقها، ولدينا الفرصة لإظهار ما نشعر به حقًا من خلال الأفلام أو الفنون الأخرى، سيكون ذلك أفضل بكثير لمجتمعنا ولمستقبلنا. إنه نوع من العلاج لقلوبنا ولأرواحنا وللاحتلال، وسيمنحنا صوتًا أعلى».

وتشمل قائمة أفلام قاعود فيلم «نساء في الملعب» الذي أُصدر عام 2011 ويُظهِر معاناة المنتخب الفلسطيني لكرة القدم النسائية في اللعب والتدرب وسط التعنت الإسرائيلي، بالإضافة إلى فيلم «سيمفونية الشتات» الذي أُصدر هذا العام ويوثق كيف جرى اختيار عدد من الموسيقيين ذوي الأصول الفلسطينية لعزف الموسيقى الكلاسيكية في الضفة الغربية وإسرائيل.

وقالت قاعود: «عادةً ما أبحث عن القصص الخفية، التي يمكنني الوصول إليها فقط. أحاول الحصول على تفاصيل ووجهات نظر مختلفة تعكس قصتنا وآلامنا كفلسطينيين بطريقة مختلفة. يُعد هدفي أكثر إنسانية وليس سياسيًا، لكنه سياسي لا محالة بطريقة أو أخرى؛ لأننا نعيش السياسة كل يوم».

واختتمت حديثها قائلةً: «الفنون تمنحك حرية في التفكير وحرية في استخدام خيالك لتروي قصتك، محاولًا الهروب من القيود التي تعيش فيها».

مات سميث  - باحث اجتماعي

 

Email