مقال

الجوهر الإنساني للعمل.. الإمارات نموذج

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتحدث مؤسسة مشروع مودّة، نهى مهدي، حول دور خدمة المجتمع في تعزيز التراحم والتعاطف المجتمعي في الإمارات.

تشتهر الإمارات العربية المتحدة في كافة أرجاء العالم بأسلوب الحياة الجذاب الذي توفره لسكانها، حيث يحظى كل من المواطنين والمغتربين في البلاد على حد سواء غالبا بمستويات معيشية متقدمة، بالإضافة إلى فرصة التعايش وسط مئات الجنسيات المختلفة. ويحتاج الإنسان إلى قدرة على التمتع بالمهارات الشخصية القيمة التي تكتسب من خلال التفاعل مع شريحة أوسع من المجتمع، وهو ما تسهم به نهى مهدي، مؤسّسة «مشروع مودّة» الريادي الاجتماعي في الإمارات، من خلال عملها على تقوية وتعميق العلاقات بين المجتمعات المختلفة باستخدام فرص التطوع وورش عمل المهارات المحلية.

وتقول رائدة الأعمال التي تنحدر من أصول مصرية عراقية «يمكننا، على مستوى المنطقة، اكتساب الكثير من خلال الشعور بالتعاطف وتخيّل أنفسنا في مكان الآخرين... ففي بعض الأحيان، نكتشف أننا لم نعتد على ذلك».

وتضيف مهدي (30 عاما) الحاصلة على درجة الماجستير في علم الأعصاب التعليمي من جامعة هارفارد أنها أسست «مشروع مودّة» بهدف تجسير فجوة التعاطف والتراحم بين المجتمعات.

فقد تعلمت مهدي خلال دراستها الجامعية في كندا وشهدت بنفسها القيمة التي يمكن للتطوع والخدمة المجتمعية أن يقدماها إلى المجتمع، كما شهدت بنفسها حجم التأثير الذي توجده خدمة الآخرين وتلبية احتياجات الأقل حظا في مجتمع الفرد، على تشكيل شخصيته. وعن ذلك تقول «توجد العديد من برامج التطوع في كندا، وقد لاحظت أن الأفراد يكتسبون، إلى جانب المهارات الاجتماعية والعاطفية ومهارات التواصل والقيادة، الثقة بالنفس والشعور بالتراحم والعطف، فضلا عن الحس بالعيش لأجل غاية، من خلال الانخراط في مثل هذه الفرص».

وبحسب مهدي، فإن الأطفال هم الأكثر استفادة من فرص التطوع، لأن منظورهم للعالم لا يزال في طور التشكيل، حيث «تكسب المشاركة في مثل هذه النوع من الأنشطة وعيا مجتمعيا، وتعمّق الحس بالمسؤولية المجتمعية والمواطنة العالمية، بالإضافة إلى تعلم الكثير حول مختلف المسارات والقطاعات المهنية».

وتوضح مهدي بالقول «يشعر الأهالي بالقلق إزاء أن يصبح أطفالهم أكثر امتيازا وحظوة، وما يزيد هذا القلق، أن العديد من الأطفال يمضون أوقاتا طويلة على شاشات أجهزتهم مما يحول دون اكتسابهم أو خوضهم خبرات خارجية، وبالتالي يحد من إدراكهم وتعرضهم لطبيعة حياة الأفراد المحرومين والأقل حظًا. ولا بد من القول إن معظمنا ميسور الحال ويتمتع بحظوة كبيرة».

لذلك، يوفر «مشروع مودّة» برامج لبناء المهارات لكل من الأطفال والراشدين على حد سواء، من خلال التعلم بالتجربة وفعاليات خدمة المجتمع، وتقول مهدي في ذلك «نوجد الفرص في البرامج التي نقدمها بهدف بناء المهارات في مجالات مختلفة مثل التواصل والقيادة والمواطنة العالمية».

وبعد إطلاقه في عام 2016، سرعان ما تمكن «مشروع مودّة» من تأمين تمويل حصل عليه من برنامج محلي، ينظمه مركز الشارقة لريادة الأعمال، من خلال فوزه بجائزة الابتكار المجتمعي بقيمة 100.000 درهم إماراتي، مما ساعد مهدي على توسيع نطاق البرامج الخدمية لتشمل مجموعة من مراكز رعاية ذوي الإعاقة ودور المسنين ومراكز خدمة اللاجئين. ومنذ التأسيس، تمكن «مشروع مودّة» من إحداث تغيير إيجابي في حياة أكثر من 4 آلاف فرد.

وتقول مهدي إن مشروعها يوفر دورات مدفوعة لتدريب الراشدين على المهارات المختلفة، لكن الهدف الأساسي من هذه المبادرة هو توفير البرامج للشباب في البلاد. وتوضح بالقول «نقدم خدماتنا للشباب واليافعين مجانا، ونستخدم الأرباح التي نحققها لدعم تحقيق هذه الغاية».

ويركز أحد أوسع برامج الأطفال انتشارا على طبيعة حياة اللاجئين، وفقا لمهدي التي توضح قائلة «نمضي القسم الأول من الدورة في التفكير بالحياة التي يعيشها اللاجئون، وما هو الدور الذي يمكن أن نلعبه للمساهمة في إنهاء معاناتهم، ثم نصنع معا دمى ونرسلها إلى اللاجئين».

كما تشكل الزيارات التي ينظمها المشروع إلى المستشفيات المحلية فائدة عظيمة للمجتمع؛ وتقول مهدي «ننظم زيارات الأطفال إلى المستشفى حيث يتعلمون مهارات مثل آداب الزيارة واحترام المرضى، ويقرأون القصص للمرضى ويجلسون معهم، وهو ما يعتبر تفاعلا مباشرا، وخبرات عميقة لمن يهتم بذلك». وتضيف «بينما لا يقوى بعض المرضى على الحديث لشدة مرضهم، فإن هناك من هو جاهز لتبادل أطراف الحديث لمدد طويلة، وفي جميع الأحوال، فإن الفئتين يقدرون زيارتنا».

أما التحدي الأكبر الذي تواجهه مهدي حتى الآن، «فهو موازنة حاجة شركتها للاستدامة المالية مع أهدافها الاجتماعية واسعة النطاق»، وتعترف قائلة: «ما زلنا نبحث عن أفضل طريقة لنتمكن من تحقيق ذلك».

وتختم مهدي بالقول «ببساطة، أريد أن يكون مشروع مودّة وسيلة لكل فرد تتيح له اكتشاف مكامن القوة التي يمتلكها لإحداث فارق في العالم، ولو كان ذلك في مجرد إبداء المراعاة للجيران، فكل فارق وتغيير صغير يضيف إلى المجموع. كما نريد من كل شخص في المنطقة أن يتحلى بالتعاطف والتراحم وأن يجعلهما جزءًا من شخصيته، نريد أن يطرح كل مواطن هذا السؤال: (كيف أسهم في مجتمعي وما التأثير الذي أُحدثه؟) إذا فعلنا ذلك، فسننعم بعالم أكثر سعادة وسلاما».

 أليشيا بولر - باحثة اجتماعية

 

Email