المباني الخضراء في العراق تقاوم الحرب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

باسمة عبد الرحمن صاحبة «كاسْك» (أي أخضر باللغة الكردية)، أول مبادرة تطمح لبناء مفهوم التصميم والبناء الأخضر في العراق ولتغيير طريقة تخطيط المباني والمجتمعات المحلية وبنائها وصيانتها وتشغيلها.

في بلد دمرته الحروب وفي بلد يصارع المواطنون على البقاء أحياءً، أرادت الشابة العراقية باسمة عبد الرحمن أن تترك بصمتها وأن تساهم، على طريقتها، بتحسين الأوضاع. وتقول لنا: «أنا شغوفة بالمحافظة على البيئة. وبالتالي، أشعر أن هناك دافعاً كبيراً وقوياً من داخلي يجعلني متحمّسة. وأنا مهندسة في الأساس، لذلك أحببت أن أمزج بين شغفي وتخصصي».

وبالفعل، هذه العراقية حصلت على بكالوريوس في الهندسة المدنية عام 2008. وتخبرنا «ولِدت وترعرعت في بغداد لكن، عام 2006، اضطررت أنا وأهلي على مغادرة بغداد والزحف إلى الشمال بسبب الحرب. أنهيت دراستي في إقليم كوردستان قبل أن أنتقل إلى الولايات المتحدة وأحصل على ماجستير في الهندسة الإنشائية بفضل زمالة دراسية مع وزارة الخارجية الأميركية».

وعند عودتها إلى البلاد، تقول إن «البيئة الموجودة في العراق صعبة لكنني قررت ألا أنتظر أكثر بل أن أتصرف وأحاول أن أكون من الناس السبّاقين». وهكذا، بعد عامين ونصف من عودتها إلى العراق، أسست مبادرة «كاسْك» .

وتضيف «كانت رحلة طويلة وكنت بحاجة للعمل بجدية وأريد أن أعمل في هذا المجال ولكنّه غير موجود في البلد، ولم أرد أن أترك البلد حتى أعود بعد 10 سنوات لأقوم بما أريد».

احتاجت للكثير من الوقت لتجد الشجاعة والثقة لإطلاق مبادرتها إلا أن تفانيها وشغفها حملها على العمل بمفردها على الموقع الإلكتروني في أغسطس 2017 والسير خطوة خطوة إلى الأمام من خلال التواصل مع أصحاب القرار والشركاء والجامعات إضافة إلى تنظيم الندوات وورش العمل مجاناً للتوعية حول أهمية الأبنية الخضراء.

وتطور عمل باسمة عبد الرحمن حيث تطلعنا «بدأت أعمل دورات للطلبة عن استراتيجيات المباني الخضراء وتقليل استهلاك الطاقة. كما أنني على تواصل مع أول زبون مهتم ببناء أول مبنى أخضر ونحن في مرحلة التصميم والمناقشة».

كل ما يتعلق بالهندسة الخضراء والمستدامة ما زال يُبرعم حيث تشير باسمة عبد الرحمن أنه حتى لو أن الموضوع يدرّس في الجامعات لكنه ما زال مفهوماً عاماً ولا عمل حقيقي في هذا الاتجاه.

غير أنها تحافظ على تفاؤلها لاسيما أنها بدأت التعاون، قبل بضعة أشهر، مع جامعة إشك الخاصة في أربيل للبحث بكيفية تحويل المباني الموجودة في شمال العراق إلى مبانٍ خضراء. وتضيف «المباني الخضراء قد تكون مبنية حديثاً أو موجودة أصلاً. هذه استجابة جميلة ومهمة والجميع يرحب بالفكرة لكنّ العمل على أرض الواقع هو الأساس».

ويبقى السؤال، ما هو تعريف المباني الخضراء؟ هنا تجيبنا باسمة عبد الرحمن «هي مبان صديقة للبيئة ومبنية من مواد لئلا يكون لها أثر سلبي على الطبيعة أي المواد تضم، مثلاً، أقل نسبة ممكنة من الغازات المضرة بالأوزون.

ويجب أن تكون صحية لسكان المبنى، أي لا يوجد فيها مركبات عضوية متطايرة التي تبعث مواد كيميائية مضرة بالشخص. كما يجب أن يكون استهلاكها من الماء والكهرباء أقل بكثير: الماء أقل بـ 40% من البناء العادي، والكهرباء أقل بـ 30 إلى 40%».

يبقى الأصعب، بالنسبة لباسمة عبد الرحمن، غياب الدعم لهذه المبادرات في السياسات الموجودة على مستوى البلد ما لا يحفّز القطاعين العام والخاص. إلا أن الأمر لا يمنعها من المضي قدماً بمبادرتها الفردية حيث غالباً ما تحاول إقناع الآخرين بالفوائد المادية إثر اعتماد المباني الخضراء لاسيما للأفراد الذين يتمتعون بعقلية تجارية بحتة في حين تعتمد حجج أخرى مثل الحفاظ على البيئة وأهميتها على الصحة. وتتابع «الطرق التي نمارسها تختلف من زبون إلى آخر».

وترى أن دور الحكومات، لاسيما الحكومة العراقية بغاية الضرورة لدفع الأمور إلى الأمام. وتخبرنا «يملك العراق استراتيجية تطوير وطنية تضم خطة طويلة المدى للأربع سنوات المقبلة للتركيز على مختلف الجوانب المتخصصة في الحفاظ على البيئة وتقليل الأضرار التي تحصل من كل الجوانب عليها ولكن ليس هناك أي خطوة حقيقية بهذا الاتجاه».

وتتابع «هذا المخطط موجود لأن العراق اعتبر من الدول الخمس الأكثر هشاشة في العالم بموضوع التغير المناخي. يجب أن يكون هناك خطوات جدية في هذا الاتجاه».

تعتبر باسمة عبد الرحمن أن هناك توجهاً لا بأس به بمجال المباني الخضراء في المنطقة كما يحصل في دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وتركيا لكن الوضع مختلف في العراق لأن الناس منهمكون بالمواضيع السياسية.

وتقول «في البداية، عندما كنت أتكلم عن هذه الفكرة، كان أول رد يأتي:»في ناس بتموت، آخر شي نفكر فيه هو حماية البيئة«لكنني كنت أجيبهم»نحن نحاول أن نحارب قوى الشر ولا يمنع أننا، في الوقت نفسه، نحافظ على البيئة لأنها ستُحدد، في المدى البعيد، ما إذا كنّا نحن البشر سننجو على هذا الكوكب وهذا أيضا يتعلق بحياتنا.

 

باميلا كسرواني  - باحثة اجتماعية

Email