مقال

خلايا النحل الحضرية في لبنان

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع زيادة القلق بشأن تراجع أعداد النحل على مستوى العالم، من الجيد أن نشهد ظهور خلايا نحل جديدة في لبنان.

فُتح الغطاء من فوق خلية النحل بحرص، وكشف عن ألواح عمودية مليئة بأقراص العسل الذهبية. يوجد نحو 40,000 نحلة في هذه المستعمرة، وفي غضون لحظات، أخذن يحمن في الهواء فشكلن سرباً متراصاً يملأ بطنينه الجماعي المكان من حولنا. يقف بوناصيف في الوسط، مرتدياً الملابس الواقية، ولأنه مُربٍ للنحل، فقد تعرض للسع مرات كثيرة، ما أحدث عنده ردة فعل تحسسية تجاهها، إلا أن خبرته علّمته أن يظلّ هادئاً من حولها.

خلال السنوات الست الماضية، أحدث بوناصيف، مع أخيه رالف وصديقهما ربيعة طرابلسي نقلة نوعية في أفضل ممارسات تربية النحل المتبعة بين منتجي العسل في لبنان، علماً أبنهم كانوا مبتدئين تماماً عندما اشتروا أول خلية لهم عام 2012، لكن ذلك فعلياً كان نعمة لا نقمة عليهم حسب رأي بوناصيف.

«لأننا لم نكن نعرف أي شيء عن هذا المجال حقاً، فإن (ذلك) جعلنا نعمل برؤية جديدة ولم نكرر نفس الممارسات وطرق التربية (كالآخرين). لقد بحثنا ورأينا كيفية عمل الطبيعة، ثم حاولنا العمل بطريقة متناغمة معها. على سبيل المثال، لدينا ارتفاعات متفاوتة وأنواع مختلفة من الأزهار، والكثير من التنوع الحيوي في لبنان، فحاولنا العمل وفقاً لذلك واكتشفنا أن ثمة أزهار تتفتح طوال العام، لذا بدأنا بنقل خلايا النحل إلى أزهارنا المتفتحة وتمكنا من إنتاج العسل حتى في فصل الشتاء.

إن تمكنهم من نقل خلاياهم وضمان إيجاد مصدر دائم للرحيق تعني أنهم لم يكونوا بحاجة إلى تزويد نحلهم بمكملات اصطناعية خلال الموسم، الذي يضعف الإنتاج فيه. وقد شكّل هذا الدافع لتقديم عسل صافٍ ومنتج نهائي طبيعي عنصراً أساسياً دائماً ضمن عملهم التجاري. وعلى خلاف الكثير من كبار منتجي العسل في لبنان، يؤكد بوناصيف أنهم لا يخلطون أبداً العسل من أماكن متعددة في كميات واحدة، لأن ذلك يعني الحاجة إلى تسخين المنتج وهي عملية تقلّل من جودته، علاوةًً على ذلك، فهم لا يستخدمون المضادات الحيوية والمبيدات الحشرية مع نحلهم.

وقد استطاعوا توسعة نطاق عملياتهم لتشمل 250 خلية خلال عامين فقط. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الطلب الكبير من برامج تعزيز العمالة التابع للجهات المانحة مثل «وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية»، «وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، و«الاتحاد الأوروبي».

وبحلول عام 2016، استطاعوا توسعة عملياتهم بالتعاون مع محترفين آخرين وشركاء استراتيجيين رئيسيين، بمن فيهم جهات مثل «السفارة الفرنسية»، ومتحف «سرسق» و«القصر الجمهوري»، الذين أبدوا اهتمامهم بإبقاء خلايا النحل في منشآتهم.

تم بعد ذلك إنشاء برنامج جديد أدى إلى جلب تربية النحل إلى المناطق الحضرية بصورة غير مسبوقة. يقول بوناصيف: «لقد عرضنا حدّاً لأقل من 100 زبون، ولدينا الآن خلايا نحل في كل أنحاء لبنان، بما في ذلك الحدائق الخاصة ودور الضيافة والفنادق والجامعات».

يدفع الأفراد من خلال البرنامج مبلغ 600 دولار لاستضافة خلية نحل لمدة موسم واحد ورعايتها. ويحصل الزبائن في المقابل على 15 كجم من العسل على الأقل أو حتى 20 كجم إذا كان الإنتاج كبيراً بما فيه الكفاية. ويُشير بوناصيف إلى أن المدينة يُمكنها إنتاج عسل ذي جودة أعلى، لأن استخدام المبيدات الحشرية فيها أقل بكثير من المناطق الريفية التي يوجد فيها حقول زراعية واسعة.

في 30 يونيو 2017، اُتخذت خطوة كبيرة أخرى وذلك بإطلاق مطعم ومكان للعرض استوحي تصميمه من خلايا النحل، سُميّ «اتيليه دو مييل» L'Atelier du Meil أو «ورشة العسل». وقد ضعت لائحة الطعام بحيث تضاف نكهة العسل لكل طبق تقريباً أو تحلى الأطباق بالعسل بشكل أو آخر.

لدى بوناصيف الكثير من المشاغل إلى جانب كل هذه المبادرات، إذ سينتهي موسم أشجار الكينا قريباً وستعاد خلايا النحل إلى الشجيرات الشوكية والأزهار البرية في الجبال اللبنانية. لحسن الحظ، فإن مراقبة تقلّب الطبيعة هو أحد أفضل جوانب هذا العمل، كما يصفها بوناصيف: «العسل نافذة مطلة على كل أوجه الطبيعة».

 

 

 

Email