نحو شوارع في مصر من دون متسوّلين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

انتابت الصدمة الشاب المصري محمود وحيد عندما كان يسير في أحد شوارع القاهرة للمشهد الذي رآه أمامه: رجل عجوز ينام في الشارع، ولم يشأ وحيد أن يترك الرجل مرمياً في الشارع وقرر مساعدته؛ مساعدة تبيّنت أنها ليست سهلة. هكذا، و بعد معاملات عدة وصعوبات جمّة، نجح في إيجاد مأوى للعم صالح البالغ من العمر 75 سنة، والذي تحوّل إلى شرارة النور التي أعطت وحيد فكرة التحرّك لمساعدة الناس في الشارع.

محمود وحيد الذي جعل قضية المتسولين مهمة حياته، أنشأ جمعية «معانا لإنقاذ الإنسان» التي أنقذت أكثر من 1000 متسول من شوارع القاهرة. نال محمود لقب «صانع الأمل 2018» (وهي جائزة يمنحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم سنوياً لأشخاص يحدثون فرقاً في المجتمعات العربية)، وحيد أعلن أنه سيخصص مبلغ الجائزة لتحقيق الحلم ووجه رسالة للجميع قائلاً: مصر بلد فيه خير كثير ويجب أن نقف مع بعضنا البعض ومساعدة كل محتاج بطريقة أو بأخرى، لأن المطاف قد ينتهي بأي منا في الشارع. أنقذت حالات كانت ذا سلطة أو من أسر مهمة جداً.

يخبرنا محمود: «رأيت حالة الرجل العجوز وحاولت مساعدته ولم أجد كياناً في مصر يساعد المحتاجين. ومن هنا، قرّرت أن أطلق مبادرة خاصة بهم لتوفير حياة كريمة لهم».

حالة لم تكن الوحيدة التي صادفها وحيد لا بل يقول لنا: «وأنا أمشي في الشارع، بدأت أرى العديد من الحالات المشابهة ووجدت أعداداً كثيرة. أولاً، أخذت لهم مكاناً صغيراً سرعان ما امتلأ بالمتسولين، فاستأجرت مكاناً أكبر. وبدأت العمل على التراخيص وبمساعدة مجموعة من الأصدقاء ومن خلال تبرعات فردية ومساهمة عدد من المتطوعين، أطلق مؤسسة»معانا لإنقاذ الإنسان«المرخصة عام 2016 التي ساعدت مئات الحالات وحتى ساهمنا في لم شمل عدد منهم بعائلاتهم التي لم يروها منذ سنوات».

عمّ سيد توفّي بعد ثمانية أشهر من إنقاذه، إلا أن عمل وحيد تطوّر، حيث افتتحت الجمعية ثلاث دور إيواء في ثلاثة أحياء من القاهرة. وطوال هذه الفترة، ساعدت «معانا لإنقاذ الإنسان» أكثر من 1000 متسول، ويطلعنا وحيد أن «معظمهم من كبار السن إضافة إلى الشباب وبعض النساء. ولكن نسبة الرجال في الشارع تصل إلى 70% مقابل 30% من النساء». أما عن أسباب تواجدهم في الشارع، فيقول وحيد إن معظم الشباب يعانون من أمراض نفسية مختلفة، في حين أن المسنين انتهى بهم المطاف في الشارع «بسبب ظروف اقتصادية أو إهمال الأبناء أو مرض الزهايمر أو الشيخوخة أو عدم وجود عائل لهم..».

كيف يقدمون لهم يد العون؟ سواء بإيوائهم في الدور، أو بتقديم العلاجات لهم، أو حتى بالمساهمة في إرجاع البعض منهم إلى أهاليهم، حيث نجحت المؤسسة حتى الآن بلم شمل 85 مع أسرهم.

وهنا يخبرنا وحيد قصة الحاجة فريدة قائلاً «كانت متسولة في وسط البلد تبلغ من العمر 65 سنة. تجلس في مكانها ولا تتحرك على أمل أن تأتي ابنتها وتصحبها. طوال سنوات، لم تتحرك أو تغير مكانها. نجحنا في إقناعها على مرافقتنا، وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، توصلنا إلى بعض المعلومات ووجدنا ابنتها التي أصبحت بدورها جدة ولها أحفاد ولممنا شملهما».

يساهم مع وحيد عدد من الشباب المتطوعين كما يدعمه الآلاف منهم على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يساعدونه في الوصول إلى المتسولين أو في توفير معلومات عنهم وعن أهاليهم. كما تضم «معانا لإنقاذ الإنسان» مجموعة من المشرفين والممرضين الذين يتابعون حالة النزلاء على مدار 24 ساعة، حيث يتلقى النزلاء رعاية نفسية وطبية متخصصة.

يشرح لنا وحيد «هذه الحالات ليست منبوذة، ولكن العيش في الشارع يجعلك منبوذاً ويؤدي إلى مواجهة مشاكل كثيرة».

بعض هؤلاء المتسولين يرفضون يد العون الذي يقدمها وحيد أحياناً إلا أن محمود وحيد لا يستسلم بل يحاول مرة واثنتين وثلاثاً إلى أن يقنعهم في اصطحابهم إلى مأوى.

ففي نهاية المطاف، محمود وحيد مواطن مصري يحلم أن تصبح مصر خالية تماماً من المتسولين، على حد قوله. ولتحقيق هذا الحلم، يريد افتتاح مركز كبير لإيوائهم وتقديم كل الخدمات الرئيسية لهم. وهو يواجه كل التحديات لا سيما غياب الإمكانيات لتقديم المأوى وتكبد تكاليف العلاجات الطبية.

ويبقى الحل الأكبر والأهم بالنسبة لوحيد «القضاء جذرياً على وجودهم في الشارع» متابعاً «نقوم بحملة توعية للأبناء والأهلي لاستقصاء المشكلة من جذورها لئلا يرمي أحد ذويه في الشارع».

 

 

Email