«مجدّدون» تحارب الجوع في مدارس السودان

Pamela Kesrouani copy copy copy copy

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل الجوع أحد أبرز أسباب تسرّب الأطفال من مقاعد الدراسة في السودان. التقينا فارس النور، مؤسس منظمة «مجددون»، ليتحدث عن فكرة توزيع الوجبات الغذائية على الطلاب للحد من هذه الظاهرة.

كثيرة هي المشاكل التي قد تحول دون تقديم الخدمات التعليمية الجيدة في مختلف المناطق السودانية، مثل غياب الأقلام والكتب، أو حتى الجدران وصفوف الدراسة. إلا أن المشكلة الأكبر، تكمن في الجوع الذي يؤدي إلى تسرب آلاف وآلاف الأطفال من المدارس.

مشكلة لم تكن بداية فكرة انطلاق منظمة «مجددون». فأراد فارس النور، من خلال تأسيسها قبل ثماني سنوات، أن يجمع الوجبات الغذائية ويوزّعها على المساكين بشكل عام. ويخبرنا النور «المحور الأساسي كان تحويل العمل الخيري من عمل إغاثي إلى عمل تنموي». لكنه سرعان ما أحسّ بخلل في هذه العملية، يكمن في التشجيع على الاتكالية.

وهنا، وبعد اكتشاف أن الجوع هو السبب الرئيس لتسرب الأطفال من المدارس، خطرت للنور فكرة تكمن في ربط الوجبة بالمدرسة؛ وجبة تتحوّل إلى حافز يدفع الطلاب إلى الدراسة. ويضيف النور «يلقى الطالب الوجبة، وبنفس الوقت التغذية الفكرية».

انطلقت الحملة بعشرين سندويتشاً فقط، لكن سرعان ما تضاعفت الكميات بفضل تجاوب الناس. ويقول النور «عندما طلبنا من صاحب المخبز أن يُعدّ لنا 20 سندويشاً، تبرع بها وتوالت التبرعات، كما اندمجت المزيد من المدارس بحملتنا، لا سيما تلك التي كان يشكو فيها الأساتذة من أطفال يعانون من حالات الإغماء، أو يعجزون عن إكمال اليوم الدراسي أو الاستيعاب بسبب الجوع».

واليوم، تساعد «مجددون»، 35000 تلميذ في 103 مدارس سودانية، أي ما يعادل توفير 40 مليون وجبة مدرسية.

توسّع يُعزى، بالنسبة للنور، إلى استجابة كبيرة من الناس على كل اختلافاتهم. ويشرح لنا «المبادرة تطورت، لأنها لاقت مساجد بالقرب من المدارس. فبات الناس الذين يأتون للصلاة، يعدون الوجبات ويوزعونها، وحتى في الأحياء أو المدارس الغنية أو المتوسطة الدخل، بات الأطفال يعدّون الوجبات الإضافية، ويوزعونها على أصدقائهم المحتاجين».

والتوسع كان ممكناً أيضاً بفضل شبكة المتطوعين التي تفوق 1200 شخص «حتى المعلمون والمعلمات هم جزء من المشروع، لأنهم من يحددون الأطفال الأكثر عوزاً. كما أننا عقدنا شراكة مع الجيش، من أجل التطوع في فريق توزيع الطعام، تطوع يعتبر جزءاً من الخدمة الوطنية في الجيش».

ولا بد من الإشارة إلى أن «مجددون»، لم تتوقف عند حملات توزيع الوجبات الغذائية، لا، بل انخرطت في العديد من المشاريع لتحسين وضع التعليم بشكل عام. وهنا، يعدد النور لنا عدداً من المشاريع التي أنجزتها، مثل توصيل المياه لأكثر من 79 مدرسة، وبناء 120 حماماً، وإعمار المدارس، وجمع الكتب وتوزيعها وتوزيع الزي المدرسي.

ويتابع قائلاً «في نحو 30 مدرسة، عقدنا شراكات مع منظمات أجنبية لتحسين بيئة التعليم، بفضل توفير الكتب والأدوات المدرسية، وتدريبات للأساتذة، وحتى حملات توعية للأطفال، مثل التوعية على أهمية غسل الأيدي؛ حملة طالت 24 ألف تلميذ».

مشاريع كثيرة تتمحور حول فكرة رئيسة «بدلاً أن نعطيهم سمكة، نعطيهم سنارة صيد»، سنارة للاتكال على أنفسهم، وسنارة أيضاً لجذب الأطفال إلى المدرسة، على حد قول النور.

استراتيجية أعطت ثمارها، حيث يطلعنا النور على أنه في المدارس التي يتم توزيع الوجبات فيها، تراجع الضغط النفسي على الأطفال، حتى إن ظاهرة سرقات السندوتش تراجعت، وتحسنت صحة الأطفال، ولم يعد كثيرون يتسربون، حتى أولئك الذين لا يملكون الرغبة في التعليم باتوا يحضرون.

ومن باب الدعابة، يخبرنا النور قصة حدثت في إحدى المدارس: قائلاً «ناظر إحدى المدارس كان حريصاً على دخول الوجبة الغذائية إلى مدرسته. قبل ذلك، كانت المشكلة تكمن في ضعف الأطفال. وبعدها، أصبحوا نشيطين، ما أدى إلى بعض مشاكل الشغب، وإلى تعرض البعض إلى جروح خفيفة، لأنهم باتوا قادرين على السير والركض. فتحوّل مطلب الناظر مني، توفير مستلزمات الإسعافات الأولية لمعالجتهم!».

على الرغم من كل هذه الحملات والمشاريع، ما زال الكثير ينقص. ويقول النور «إذا كان الطعام، وهو الحق الأساسي الأول، مفقوداً، تخيلوا ما المشاكل الأخرى، من سوء تغذية إلى نقص في التعليم، وفي المدارس وفي الصحة، نتيجة الحروب والمشاكل الاقتصادية الكبيرة».

فجوة كبيرة بين الواقع وما يتم إنجازه، لأن المزيد لا يمكن أن يتحقق من دون أموال ضخمة، وفهم ودعم من الحكومات. وهنا يشير النور «للأسف، الموارد المبذولة في الميزانيات الحكوميات لصالح التعليم والصحة، ضعيفة جداً، مقارنة بما يصرف للأمن والتأمين والإنفاق الحكومي. هذا موجود للأسف في كل العالم العربي. وإذا أرادت الحكومات أن تنهض بشعبها، يجب أن تركز على التعليم».

وينهي «أتمنى تشكيل عقد جمعي يسوق المجتمعات العربية، لتصبح قادرة على توفير وجبة وحياة بسيطة، وتعليم جيد للأطفال، ليكونوا هم من ينهضون بالأمة، ويعيدون لها أمجادها».

 

باحثة اجتماعية

Email