برلين تلهم الشركات الناشئة في الشرق الأوسط

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعد العاصمة الألمانية من أبرز مراكز الشركات الناشئة في أوروبا، إن لم يكن في العالم أجمع. فما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه المدينة الحيوية والبيئة التقنية المتسارعة فيها؟

تضم كل دولة عربية تقريبًا في منطقة الشرق الأوسط قطاعات نامية بسبب استثمارات الشركات الناشئة والابتكارات والاختراعات. وإلى جانب استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة في تصدر عناوين الصحف في هذا المجال، هناك دول مثل فلسطين ولبنان ومصر والأردن نجحت في الوصول إلى قائمة «أفضل 100 شركة ناشئة في العالم العربي» لعام 2017 الصادرة عن مجلة فوربس الشرق الأوسط.

ويبدو أن الرغبة في الابتكار آخذة في الانتشار على مختلف المستويات الجغرافية والثقافية والتقنية. فما هي الأمور التي قد يتعلمها رواد الأعمال العرب من مراكز الشركات الناشئة والمتوسعة الأخرى حول العالم؟ وعلى وجه التحديد، هل يمكن أن توفر بيئة الشركات الناشئة في العاصمة الألمانية برلين نموذجًا للابتكارات العربية؟

أوجه التشابه

كافحت برلين من أجل الحصول على مختلف الحريات، فقد نهضت المدينة التي دمرت بالكامل من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية، وعاش سكان المدينة بعد ذلك سنوات من الانعزال الفكري والجسدي نتيجة لجدار برلين. وانتهت هاتان المرحلتان، وتشهد برلين الآن مرحلة باتت فيها قادرة على استقطاب الشركات الناشئة الجديدة التي كانت تتجه في السابق نحو لندن، وذلك قبل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.

وبحسب شركة التحليلات المؤسسية إرنست ويونغ، تشير الأرقام الصادرة عام 2015 إلى أن الشركات الناشئة في برلين جمعت حوالي 3 مليارات دولار أميركي كتمويل من رأس المال المخاطِر، أي أكثر من لندن أو ستوكهولم في العام ذاته. فما هي الأمور التي تتفوق فيها برلين عن غيرها، وكيف يمكننا محاكاة هذا النجاح؟

التعددية الثقافية والطابع الدولي

تستقطب برلين الشركات الناشئة من لندن للعديد من الأسباب، ويرتبط أحدها بالتكلفة التشغيلية، حيث إن تكاليف استئجار المكاتب وخدمات الاتصال بالإنترنت وصيانة العقارات التجارية في برلين عادةً ما تكون بنصف التكلفة أو حتى أقل من ذلك. وقد ينطبق الأمر ذاته على فلسطين، أو ربما مراكش.

تدرك مناطق الشركات الناشئة الأهمية البالغة لمظهر المكان والشعور الذي قد يتركه لدى مرتاديه. وفي برلين، تفضل مكاتب الشركات الناشئة تصميمات الطوب المكشوف والغرف الزجاجية والأثاث غير المتطابق، فالديكورات في الواقع تمثل نسخة حديثة نوعًا ما للطابع المختلف الهادئ، الذي يبدو، إن كنا صادقين، وكأنه نشأ من الرياض المظللة والمجالس المفتوحة في الشرق الأوسط.

وفي تعليقه على ذلك، يقول مارتن تالفاري، مدير التخطيط الاستراتيجي السابق لبرنامج الشركات الناشئة الفنلندي، «سلش» Slush، والمؤسس والرئيس التنفيذي الحالي لفعالية «ميرياد» Myriad، وهي فعالية مجتمعية: «هناك مجال كبير للنمو في بيئة الشركات الناشئة العربية الآخذة في التطور. وعلى الرغم من أن الحكومات العربية تبذل الجهود لإيجاد ظروف أفضل لإنشاء وإدارة الشركات، إلا أنني أعتقد أن الشباب يمكنهم فعل الكثير لتسريع وتيرة النمو. وكما نعلم جميعًا، يمثل التوظيف أحد أصعب الجوانب في إنشاء أي شركة. وفي ضوء ذلك، يعد وجود المجتمعات الطلابية النشطة والمتحدة أمرًا في غاية الأهمية».

انتشار ثقافة المقاهي

تتمتع برلين بتاريخ غني وثقافة متنوعة، حيث تمتلئ المدينة بالمغتربين الذين يتواصل معظمهم باللغة الإنجليزية، وهناك تركيز قوي على المهارات التقنية المتطورة ضمن مجتمع يتزايد فيه الشباب، وتمتد المنطقة العربية في المدينة إلى مسافة تزيد على الميل في آخر شارع سونينالي «Sonnenallee» المزدحم في حي نيوكولن «Neukölln» جنوب برلين. ألا يشبه ذلك منطقة شركات ناشئة شرق أوسطية مهجرة كان لا بد أن تكون ضمن المنطقة العربية؟ وتوجد في برلين كذلك ثقافة مقاهي غنية، الأمر الذي تتوقعه في أية منطقة حيوية للشركات الناشئة.

من جانبه، علق مورتن بروغر، الرئيس التنفيذي لشركة التقنيات التعاونية واير، قائلا: «هناك العديد من نقاط التشابه بين برلين والمدن الشرق أوسطية النامية التي باتت توائم الأوضاع فيها بما يتناسب مع الأنشطة الريادية. وتبدأ جاذبية العاصمة الألمانية من موقعها المركزي، إلى جانب وجود مطارين كبيرين بها، وبهذا يصبح لديك وصفة مناسبة لبيئة ريادية عالمية.

علاوةً على ذلك، تتميز المدينة بانخفاض تكلفة المعيشة بالمقارنة مع المدن التقنية الأخرى مثل لندن وسان فرانسيسكو، إلى جانب منظومة الشركات الناشئة المتميزة فيها التي توفر بيئة ترحب بالكفاءات من مختلف أنحاء العالم. كل هذه الأمور تعد دروسًا جيدة يمكن لمناطق الشركات الناشئة العربية تجربتها ومحاكاتها».

أشار تقرير المرصد الألماني للشركات الناشئة التابع لشركة التحليلات المالية العالمية، كيه بي إم جي، لعام 2017 إلى أن واحدا من بين كل عشرة من مؤسسي الشركات الناشئة في ألمانيا من أصول أجنبية. وفي ظل تدفق المغتربين في منطقة الشرق الأوسط، أصبحنا نعيش حاليًا مستوى مشابهًا، إن لم يكن أعلى، من ريادة الأعمال - ويعد أصحاب الكفاءات الذين يتنقلون في أنحاء المنطقة للبحث عن الفرص من ضمن العوامل الرئيسية المحركة للشركات الناشئة في يومنا هذا.

يمكننا القول بأن برلين خرجت من مرحلة «الفقر رغم الأناقة»، وذلك في الوقت الذي كانت تحاول فيه التخلص من ماضيها المضطرب وإعداد نفسها للتطور والتوسع، الأمر الذي يمكن أن تتعلم منه مدن الشرق الأوسط. فقد مضى وقت الرحالة والاهتمام الخاص بالسياحة حتى في الدول العربية الأقل تطورًا، وأصبحنا الآن مستعدين للمرحلة التالية.

*باحث اجتماعي

Ⅶأدريان بريدجواتر *

Email