الفنون واللغة أدوات الثقافة العربية للمغتربين

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشر الثقافة العربية يتصدى للصورة السائدة ويحافظ على صلة المهاجرين العرب مع أوطانهم.

«انتقلت عائلتي من فلسطين إلى الولايات المتحدة، عندما كنت في الخامسة من عمري، وكنّا نحِنّ إلى رابط قوي مع تراثنا وثقافتنا، من أجل الحفاظ على جو من الانتماء والهوية الآمنة وبفضل الأصدقاء والزملاء، وجدنا الأسس لبناء هذا الرابط. .

وبالنسبة لي، كانت رحلة اكتشاف هوية قادرة على دمج المهاجر المندمج بمجتمعه والفلسطيني الفخور، دائماً ضمن بوتقة جمعية "البستان"»، كلمات لمختار بدير، الذي شارك بمخيم الجمعية عام 2002، وتحوّل إلى ناشط فاعل فيها عام 2015، كلمات تعكس رحلة البحث الدائمة لكل مهاجر عربي في الدولة المضيفة، التي غالباً ما تتحوّل إلى وطن حاضن، والتي غالباً ما تحتاج إلى ما ينمّيها ويساندها لتزدهر وتتفتح.

تفتّح براعم الثقافة العربية في نفوس المهاجرين العرب، لا سيما الذين يعيشون في الولايات المتحدة، هي مهمة الجمعية غير الحكومية «البستان بذور للثقافة»، التي تكرّس نشاطاتها لتقديم وتعليم الثقافة العربية من خلال الفنون واللغات. «نحن نعزز التفاهم بين الثقافات.

وندعو الشباب والبالغين من جميع الخلفيات للمشاركة في برامجنا، وتجربة جمال الثقافة العربية، ومشاركة ثقافتهم، وتكوين صداقات جديدة»، على حدّ قول مؤسسة الجمعية والمديرة التنفيذية هزامي سيد.

ودائماً ما تولد هذه الجمعيات من دوافع وحاجات شخصية. وتخبرنا سيد أنها أرادت وزوجها، عام 2002، أن تمنح ولدَيها سياقاً ثقافياً لتعلم اللغة العربية. وتضيف «ومصادفة، عندما حصلت أحداث 11 سبتمبر، كنت استقلت من عملي كمهندسة، وشعرت بالحاجة للقيام بعمل إيجابي، وتحويل المأساة إلى لحظة تربوية يتعلم منها الآخرون».

ومن هنا، انطلقت فكرة المخيمات الصيفية الرائجة، حيث تخبرنا «ردود الأفعال والاهتمام شجعتني إلى تطوير النشاطات. بدايةً، أكثر من نصف المخيّمين كانوا من أصول عربية، إلا أن الأمر تغيّر مع السنوات، حيث الكثيرون من غير العرب يشاركون في نشاطاتنا».

وهكذا ولدت جمعية «البستان»، التي أرادت نشر الثقافة العربية، بالتركيز على اللغات والفنون. وتشرح سيد لنا ذلك قائلة: «نؤمن أن الفنون هي وسيلة فعالة لتوفير فرص للشباب والراشدين، من أجل التعبير عن النفس وتطوير الشعور بهويتهم، وتشكيل مهارات التفكير النقدي. نعتقد أنه من الضروري إنشاء منتديات، حيث يمكن للناس التفاعل والتعلم مباشرة من أساتذة الفن العربي المعاصرين، الذين يدرّسون ويعرضون فنونهم».

وتشدد على أن اللغة العربية تتغلغل في جميع النشاطات، مثل الغناء والخط والأدب. وتضيف «نعتقد أنه من أجل تقدير أي ثقافة، من المهم اكتساب بعض المعرفة بلغتها، وفي المقابل، يتم تعزيز تعلم اللغة، من خلال اختبار فنونها وسياقها الثقافي بطرق ممتعة وسهلة».

طرق سهلة وممتعة، تنعكس في عدد النشاطات الكثيرة التي تنظّمها جمعية «البستان» في ولاية فيلادلفيا.

فإلى جانب «مخيم البستان»، الذي ينظم في شهر يوليو من كل عام، تقدم الجمعية برنامج «الفنون العربية في مدرسة» موفيت «الابتدائية»، الذي يعلمّ المهارات التأسيسية في الفن العربي والغناء والإيقاع، و«سلسلة الحفلات الموسيقية»، ومشروع «أبجدية المهاجر»، الذي هو عبارة عن تركيب فني في الفضاء العام، للتشجيع على الحوار والتفاعل.

ومشروع «تعابير هوية في تحوّل»، وهو مشروع يمتد على عام ونصف مع فنانين عرب، مثل الرسام السيّد والشاعر ناظم السيد والموسيقي كنان أبو عفش والفنانة المرئية بثينة علي، ويضم رواية القصص والعروض الموسيقية والقراءات الشعرية والفن المرئي...

كثيرة إذن هي المشاريع وورش العمل في المجتمع الأميركي والمدارس والجامعات. وبعد التركيز لسنوات على الشباب، قررت جمعية «البستان»، منذ عام 2010، أن تدمج الراشدين في نشاطاتها، إضافة إلى غير العرب، من أجل تعددية تتخطى العرق والدين والاقتصاد الاجتماعي.

وتطلعنا سيد «مؤخراً، بدأنا نتوجه أيضاً إلى اللاجئين السوريين والعراقيين، ونساعدهم في انتقالهم، ونوفّر لهم مساحة ثقافية مألوفة وثرية، لتوسيع شبكَتهم والتكيف مع الحياة هنا».

وبعد سنوات عديدة من العمل في نشر الثقافة العربية، هل نجحت الجمعية في تحقيق أهدافها؟، هنا، تجيبنا سيد «كما يوحي اسمنا، نسعى جاهدين لزرع بذور الثقافة والتراث وفهم بعضنا البعض.

من الجميل أن نرى أشخاصاً التقوا بفضل "البستان"، وأصبحوا أصدقاء مقربين أو حتى وتزوجوا»، مضيفةً «آمل أن يساعد عملنا في تغيير المفاهيم حول ما يعنيه أن يكون المرء عربياً، من منظور العرب وغير العرب، خاصةً بالنسبة للشباب. فإذا عاشوا تجربة رائعة معنا، وتعلموا منها بطريقة إيجابية في حياتهم، ومدرستهم، ومنزلهم، وعملهم، فلا شك أننا نكون صنعنا فرقاً».

فرق ينعكس في عدد الجوائز التقديرية لجهود جمعية «البستان»، منها جائزة تكريم للمساهمة الدولية الاستثنائية في المجتمع العربي (2017).

ولا بد من مواصلة المشوار لا سيما مع التغييرات السياسة التي يشهدها العالم، وتحديداً الولايات المتحدة. وهنا، تشدد سيد «إننا نسعى باستمرار إلى مواجهة المفاهيم الاختزالية والتبسيطية، وغالباً ما تكون وجهات النظر حول العالم العربي والثقافة والشعب خاطئة أو عنصرية. من المهم أن نوفّر روايات بديلة عن العرب والمسلمين، تتصدى للتغطية الإعلامية السائدة».

وتتابع قائلة «يتعين علينا إنشاء مساحات يسهل الجميع، أياً تكن خلفياتهم، التعبير عن أنفسهم والتواصل. لذلك، نسعى أن يكونوا جزءاً من عملية ثقافية إبداعية، ليدركوا أن الثقافة ديناميكية، وليست مجموعة ثابتة من التقاليد».

وفي النهاية، يبقى أن جمعيات، مثل جمعية «البستان»، يجب أن تواصل عملها لنشر الثقافة العربية، بغية كسر الصورة النمطية، وتلبية حاجة كبيرة لدى المهاجرين العرب في إبقاء أواصر الصلة مع أوطانهم. فتبقى المهمة الأكبر لهذه الجمعيات.

كما نجحت هزمي سيد في اختصارها «مساعدة الشباب على تطوير المهارات اللازمة لاجتياز تعقيدات هوياتهم (العربية-الأميركية، المسلمة-الأميركية، المسيحية-العربية-الأميركية، أو غيرها)، وإيجاد مكان لأنفسهم داخل النسيج الأميركي».

* باحثة اجتماعية

 

 

Email