الحوسبة السحابية العربية في عصر البرمجيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحتاج سوق البرمجيات في الشرق الأوسط إلى برمجيات من صنع العرب مصممة باللغة العربية وتُترجم إلى اللغات الأخرى.

بعد سنوات من تنظيم الحملات وسن التشريعات لمكافحة قرصنة البرمجيات في الشرق الأوسط، برز نموذج الحوسبة السحابية ليقضي على القرصنة ويكتب كلمة النهاية في الجدل الدائر. وقد أرسى هذا التحوّل في استخدام التكنولوجيا أسسًا جديدة لنمو البرمجيات العربية وريادة الأعمال في هذا المجال.

كما خلق فرصًا جديدة لتحقيق الأرباح للمطورين العرب. أصبح اليوم بإمكان رواد الأعمال في مجال البرمجيات بالشرق الأوسط الابتكار في سوق أكثر احتواءً تتوافر به ضمانات أفضل، فما الخطوات التالية التي ينبغي لهم اتخاذها في مسيرتهم نحو النمو؟ وأين يمكن لأصحاب المواهب التكنولوجية العرب توظيف مهاراتهم لخدمة المنطقة؟ وكيف يمكنهم ذلك؟

في منتصف تسعينات القرن الماضي، كان بإمكان أي شخص الحصول على قرص مدمج حافل بنسخ غير قانونية لأكثر من 250 حزمة برمجيات معروفة. كان يتم بيع هذه النسخ المقرصنة جهارًا نهارًا في شوارع القاهرة وبيروت ومدن عربية أخرى، وكانت تحتوي فعليًا على برمجيات تبلغ قيمتها آلاف الدولارات، لكن يتم بيعها بمخالفة القانون بسعر زهيد لا يتعدى سعر صفيحة البنزين.

وأخذت مشكلة قرصنة البرمجيات في الشرق الأوسط تتفاقم وتتدهور بشدة خلال أواخر القرن الماضي. وعلى الرغم من أن الوضع بدأ يتحسن في بداية القرن الحالي مع دخول عصر الإنترنت بكل قوته، استمرت المواقع الإلكترونية القائمة على مشاركة الملفات بين الأقران ببيع نسخ البرامج الأصلية المقرصنة بالإضافة إلى النسخ المقلّدة المليئة بالعيوب والأخطاء والبرمجيات الخبيثة وما هو أسوء من ذلك.

عمل «اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية Business Software Alliance» من مقره في دبي جاهدًا على زيادة الوعي بهذه القضية بالتعاون مع حكومة دبي وقادة القطاع، لكن استمرت المشكلة في دول أخرى وتواصلت معاناة الكثير من المبتكرين العرب في مجال التكنولوجيا.

خسر «الجيل الأول» من شركات البرمجيات العربية المعركة ضد القرصنة، ومنها شركة «سعودي سوفت SaudiSoft» في جدة و«النافذة Nafitha» في البحرين وحتى الشركة الكويتية «صخر Sakhr» التي كانت يومًا واعدة جدًا. أما «الجيل الثاني» من شركات البرمجيات العربية فتميز بمتاجر التكنولوجيا الأردنية التي اشتهرت ببيع تطبيقات برمجية شاملة مُصممة بحسب الطلب يستخدمها عميل واحد بضمانات أمان أكبر.

جيل سحابي جديد

إذن، يمكننا القول إن الحوسبة السحابية مهدت السبيل لظهور الجيل الثالث من البرمجيات العربية. وفي هذا العصر، تقوم التطبيقات على برمجيات يستضيفها ويخزنها مركز للبيانات، وبالتالي هي آمنة تمامًا. ويتم «طرح» هذه التطبيقات عبر «قنوات» الإنترنت بالطريقة نفسها التي يستخدمها القراصنة لتبادل حزم البرمجيات الكاملة.

فما الفرق إذن؟ الفرق الأساسي في الحوسبة السحابية هو أن ما يتم طرحه عبر هذه القنوات هو معظم (وفي بعض الأحيان كل) وظائف التطبيق بينما يظل البرنامج نفسه محفوظًا في مركز البيانات.

بات الآن بإمكان المطوّرين العرب الاستفادة من هذه الآلية لخدمة مصلحتهم. لكن ما العوامل التي يجدر بهم أخذها بالاعتبار والتنبه إليها؟ في هذا السياق يذكّرنا السيد إيفغيني بونوماريف - المدير التنفيذي والمؤسس الشريك لشركة «فلوانس Fluence»، وهي مزود لقواعد البيانات المعتمدة على تقنية البلوك تشين - بأنه في الوقت الذي ينتقل كل شيء إلى السحابة، يعمل المتسللون وقراصنة البرمجيات على تكييف أساليبهم واستراتيجياتهم أيضًا.

ويضيف: «اليوم لم يعد البرنامج في حد ذاته يملك القيمة التي كان يملكها منذ عشر سنوات تقريبًا. فقد تعلم المستخدمون والقراصنة على حد سواء البحث عن القيمة في مكان آخر. فبالنسبة للمستخدم، يهمه أن يتمكن من الوصول إلى بياناته ووظائف التطبيق على مدار الساعة.

ويهمه أيضًا أن يحصل على مزايا جديدة وعلى خدمات الدعم التي لا يوفرها سوى مزوّد مرخّص (لا توفر النسخ المقرصنة أي تحديثات للبرامج ولا خدمات دعم العملاء). وهذا ما يشجع المستخدم على شراء البرمجيات اليوم».

تحول التركيز اليوم من التطبيقات إلى البيانات، مما يعطي درسًا لجميع مبتكري البرمجيات في الشرق الأوسط. ويوضح بونوماريف أنه من المهم للشركات العربية الناشئة في مجال البرمجيات أن تطوّر بنية ومعمارية برمجياتها وفق نموذج الاشتراك المرخّص الذي تتبناه الحوسبة السحابية منذ البداية. ويستطرد قائلًا: «على المبرمجين العرب تحديد مشاكل البرمجيات «القديمة» والسعي إلى تطوير حلول لها في هذا العصر السحابي بما يتناسب مع المفردات الجديدة».

لكن المسألة لا تنحصر في مجرد تطوير مجموعة كاملة من البرمجيات الجديدة التي تتناسب مع الحوسبة السحابية بل علينا أيضًا أن نبتكر جيلًا جديدًا من التطبيقات الموجهة للأسواق المحلية في الشرق الأوسط. فنحن بحاجة إلى برامج دردشة اجتماعية وتطبيقات تعاونية تتناسب مع المزاج العربي وتلبي حس الفكاهة العربي.

كما نحتاج إلى تطبيقات لخدمات المواطنين تكون مصممة بشكل دقيق لتتوافق مع منظومة العمل في مدن المنطقة. هذا إلى جانب حاجتنا إلى تطبيقات تحديد المواقع الجغرافية التي تستخدم خدمات الأقمار الاصطناعية الجديدة وتستطيع سد الثغرة القائمة في بعض دول الشرق الأوسط حيث لا أسماء لبعض الطرقات.

إجمالًا، يحتاج سوق البرمجيات في الشرق الأوسط إلى برمجيات من صنع العرب مصممة باللغة العربية أصلًا وتُترجم لاحقًا إلى اللغات الأخرى. ثمة رابط وثيق ومعقد اليوم بيننا وبين التكنولوجيا، فنحتاج بالتالي إلى تكنولوجيات تعمل لخدمتنا بالشكل الصحيح وفي ديارنا. لا شك أن لتوطين البيانات والمعلومات أهمية بالغة، فماذا ننتظر؟

* باحث اجتماعي

 

 

Email