«الخوة النظيفة» مجتمع عراقي يرفض الطائفية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كل الوسائل مسموحة من أجل دحض العنف والطائفية والعنصرية والإرهاب، لا سيما في زمن أصبحت هذه الظواهر الخبز اليومي في العديد من دول العالم؛ فكيف إذا كانت إحدى هذه الوسائل شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت منصات نافذة لتبادل كل شاردة وواردة، إيجابية كانت أم سلبية؟ فحينها، تتحوّل هذه المنصات لسلاح قوي بيد بعض المواطنين لنشر فكر معتدل يدعو لتقبّل التعددية ونشر السلام.

أهلاً بكم إذاً على صفحة «الخوة النظيفة» العراقية التي نجحت في جذب أكثر من مليون ومئتي ألف متابع على فيسبوك ومئات الآلاف على صفحتها على إنستغرام وتويتر في مساعٍ لنبذ الخطاب الطائفي. ولكن ما هي «الخوة النظيفة»؟ هي «منصة إعلاميـة تثقيفية رقمية شاملة صنعتهـا عقــولٌ وأقلامٌ عراقية من زاخو إلى الفاو، تخاطبك أينمـا كنت، وتحترم عقلك، وتقدم لك مُنتجــاً فكــرياً تحرص أن يكــون مُفيــداً وشيّقــاً ومُختلفاً، وأن يكون مؤثــراً في حيــاتك وقابلاً للتطبيــق»، بهذه العبارة عرّف شجاع الخفاجي عن الصفحة التي أسسها.

ويضيف أن هذه المبادرة، إذا صح التعبير، قد تكون ولِدت بفضل جهوده إلا أنه يديرها اليوم «شباب واعٍ ومثقف من مختلف المحافظات تطوعوا من أجل إدارة موقع «الخوة النظيفة» وصفحاته على فيسبوك وتويتر وإنستغرام».

ولا بد من الإشارة إلى أن موقع «الخوة النظيفة» هو آخر مشروع أطلقه هؤلاء الشباب العراقيون من أجل «نبذ الطائفية، وتشجيع المبادرات الاجتماعية، ودعم انتشار المواهب الشابة». وحتى لو أنه ما زال حديثاً ويحتاج إلى الكثير من التحديثات إلا أنه يتناول مواضيع متنوعة من الأخبار السياسية إلى الفن والتكنولوجيا ولا ينحصر بأخبار العراق ويجمع بين المقالات التي يكتبها أعضاء «الخوة النظيفة» أو مقالات أخرى من مصادر مختلفة. كما أن الموقع متوفر على شكل تطبيق لهواتف آيفون وأندرويد.

ولكن، لنعد قليلاً إلى الوراء وكيفية ولادة فكرة «الخوة النظيفة». وهنا يجيبنا الخفاجي «في بادئ الأمر، كانت عبارة عن مجموعة مغلقة على موقع فيسبوك هدفها نشر النكات والفيديوهات المضحكة. إلا أن تزايد عدد المنضمين لها جعَلنا أمام مسؤولية كبيرة وهي توظيف هذا الكم من المتابعين بطريقة إيجابية تعود على المجتمع العراقي بالخير».

هذه المسؤولية حملتهم أيضاً على اختيار «الخوة النظيفة» اسماً لهم بالإشارة إلى المصطلح العراقي الصرف بأنه «الإخوة الخالية من المصالح والعنصرية والمذهبية وهو من صلب اللهجة العراقية»، على حد قول الخفاجي.

وتسعى «الخوة النظيفة» إلى محاربة التطرف والطائفية «عبر بث خطاب متوازن يدعو إلى التسامح ونبذ الطائفية والحد من خطاب الكراهية» كما يشرح لنا الخفاجي. كيف ذلك؟ من خلال دعم حملات مجتمعية في مناطق مختلفة من العراق مثل حملة التشجير الأخيرة التي أطلقها ديوان محافظة ميسان بالتعاون مع شباب وفرق تطوعية ومنظمات المجتمع المدني بغية الحد من خطر التصحر في المنطقة، أو تسليط الضوء على شهادات وقصص من مواطنين عراقيين ينبذون الحقد والعنف مثل قصة الشابة آيات من الأنبار التي حملت الكاميرا وتحدت القبلية وكان حافزها المجتمع بعد خروج داعش أو حتى التأكيد على صوابية ودعم الحملات العالمية مثل الحملة التي أطلقوها خلال اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، حيث أكدت «الخوة النظيفة» على صفحتها على أن المرأة ليست نصف المجتمع لا بل المجتمع كله لأنها الأم والأخت والزوجة.

ويشدد الخفاجي على أن «الخوة النظيفة» لا تكتفي بهذا القدر من النشاطات، لا بل «لدينا مصادرنا في الحكومة والوزارات المختلفة، فنحصل على الأخبار العاجلة بسرعة كبيرة ونقود حملات ضد الفساد لتشخيصه والتحقيق فيه. فعلى سبيل المثال، ساهمنا، السنة الماضية، في رفع جهاز كشف المتفجرات المزيف من»السيطرات«[نقاط التفتيش] في حملة استغرقت يومين فقط وحملت الحكومة على الاستجابة لنا».

إضافة إلى دعم الحملات وإيصال المعلومات الدقيقة والحقائق، يخبرنا الخفاجي «سابقاً كانت لدينا نشاطات ميدانية في مختلف محافظات العراق مثل تجمعات ثقافية وشعرية ضد الطائفية وغيرها، إلا أن هذه النشاطات توقفت لأسباب عديدة، منها عدم وجود دعم مادي، كما أننا تلقينا تهديدات من متنفذين شعروا أن خطابنا ونشاطنا يشكلان خطراً على نشاطاتهم الطائفية».

تهديدات على الأرض وإنما أيضاً أخرى تطال صفحات «الخوة النظيفة» الإلكترونية. ويطلعنا الخفاجي «ولِدت الصفحة سنة 2013 وأُغلقت مرات عدة آخرها العام الماضي بسبب هجمات من جيوش إلكترونية منظّمة». إلا أن هذه الحملات لا توقف أعضاء «الخوة النظيفة» عن الاستمرار في نشاطاتهم. وهنا يقول الخفاجي «من خلال التعليقات والرسائل وتجاوب الجمهور معنا على الإنترنت وحتى في الشارع، أعتقد بأننا حققنا الكثير في مجال محاربة الكراهية، واستطعنا أن نكسب جمهوراً واسعاً غير طائفي يتفاعل مع حملاتنا وروابط الهاشتاق التي نطلقها».

هذا الإقبال على صفحات «الخوة النظيفة» والدعم من الشباب العراقي وحتى العربي لا يعني أن الأمور باتت على خير ما يرام. ويشدد الخفاجي «يحتاج المجتمع العراقي إلى التخلص من الأيادي الخارجية التي تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلد وإبقائه في دوامة العنف، كما يحتاج العراقيون إلى معرفة وفهم أكبر في هذا الموضوع». وهنا تكمن إحدى واجبات «الخوة النظيفة» حيث تبقى الطريقة الأفضل، بالنسبة لهم، في محاربة الطائفية والتطرف في «الحملات والهاشتاقات الموحدة وتعاون صفحات عديدة وشخصيات عامة في إطلاقها والترويج لها؛ كلها وسائل تعتبر أفضل طريقة لإنجاح هذه الحملات من دون أن ننسى توقيت إطلاقها وتزامنه مع حدث أو مناسبة مهمة، ما يضطلع بدور كبير في إنجاحها»، كما يشرح لنا الخفاجي.

ولا يتردد في أن يضيف «في الوقت الحاضر، تلعب الحكومة العراقية ووزارة الداخلية دوراً مهماً في محاربة خطاب الكراهية. وقد انعكس ذلك عبر اعتقالها عدداً كبيراً من مروجي الطائفية خلال الزيارة الأربعينية [في محافظة النجف]، ولكن يبقى دورها محدوداً بسبب النفوذ الذي تتمتع به أحزاب دينية تعتاش على الطائفية والتفرقة».

مبادرات مثل «الخوة النظيفة» باتت تتكاثر في مختلف أنحاء المنطقة العربية لتكون صوتاً قوياً ضد الكره والطائفية والتعصّب؛ مهمتها صعبة إلا أن عزيمتها وإصرارها وإيمانها بالعدل والسلام والانفتاح على الآخر، كلها عناصر أساسية لمعادلةٍ ناجحة!

* باحثة اجتماعية

Email