«ويب 3» ستغير طريقة كسب المؤلفين من أعمالهم وكيفية تحديد من هو مالك القصة

إعادة تخيل عالم الكتب استثمار في ظل «ويب 3»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعمل شركات ناشئة حالياً على إعادة تخيل عالم الكتب، من التأليف إلى النشر والبيع والشراء وحقوق الملكية، وترى إمكانيات واسعة لتغيير الطريقة التي يكسب بها الكتاب معيشتهم من خلال ثورة التشفير الرقمي التي تجتاح العالم، لا سيما عبر تكنولوجيا الـ «ويب 3». فماذا لو كان بإمكان محبي الكتب، على سبيل المثال، امتلاك حصص في سلسلة قصص «هاري بوتر»؟ أو تحقيق دخل من «أدب المعجبين»؟

تسأل مؤلفة الروايات، آلي غريفين، في مقال نشرته في مجلة «اسكواير» الأمريكية، ماذا لو كان بالإمكان تحويل سلسلة قصص «هاري بوتر» إلى ما يشبه شركة مساهمة عامة يمكن للأفراد شراء «أسهم» فيها، ثم مع نمو الامتياز تصبح هذه «الأسهم» أكثر قيمة؟ عندها يتحول الأمر برمته إلى فرصة استثمارية. هكذا، يمكن لقراء القصص الأوائل تقديم مساهمة تتضاعف لاحقاً إذا نمت شعبية الكتاب. وإذا كان بإمكان القراء امتلاك نسبة مئوية من الامتياز، فقد يحفزهم ذلك لمساعدة الكتاب على النجاح، حيث يمكنهم الترويج له عبر «بوك توك» أو استخدام مواهبهم كمخرجين لتحويله إلى الشاشة، كل هذا سيؤدي إلى زيادة قيمة استثماراتهم الأصلية.

هذا هو المستقبل الذي يسعى وراءه عدد من شركات النشر الناشئة بهدف تغيير قيمة الكتاب من منتج على أمازون بقيمة 10 دولارات إلى فرصة استثمارية بقيمة مئات أو ألوف الدولارات، وذلك بالتوازي مع إنشاء سوق من القراء المتحمسين لرؤية الكتب التي يحبونها تحقق نجاحاً.

تقول غريفين إنه من المحتمل ألا ينجح المسعى، وأن يمثل العثور على قراء تحدياً كبيراً، لكن في حال نجح، فإن رؤية تلك الشركات ستفيد المؤلف الذي يمكنه في ظل هذا السيناريو الاحتفاظ بنسبة مئوية من ملكية تلك «الأسهم»، وأن يكسب إلى جانب المستثمرين تماماً كصاحب أمازون جيف بيزوس الذي يحتفظ بنسبة من أسهم أمازون، ويزداد ثراء مع زيادة قيمة أسهم شركته.

وفي العادة، تكون حقوق الكتاب مملوكة لدار نشر أو للمؤلف (إذا تم النشر ذاتياً)، لكن تلك الشركات الناشئة تتخيل خياراً ثالثاً، حيث يمتلك المؤلفون والمستثمرون حقوق الطبع والنشر بشكل مشترك، وترى إمكانية تحقيق ذلك بواسطة تكنولوجيا «ويب 3»، التي تتيح امتلاك المعلومات الرقمية، سواء فيديو على «يوتيوب» أو ألبوم على «سبوتيفاي» أو كتاب، ومنح الملكية حقوقاً لكسب «إتاوات»، وحيث يجني مقطع فيديو على «يوتيوب» من عدد مرات المشاهدة أو ألبوم موسيقى من البث أو كتاب من القراءة.

تنقل غريفين عن رئيسة علاقات الشركاء والنشر في شركة النشر الناشئة «ريدل»، مارغريتا غويريرو: هذا هو جمال «ويب 3». ففي النهاية، الأمر كله يتعلق بالملكية، وإذا كنت تمتلك شيئاً فيحق لك إعادة بيعه، ولديك الحق في إقراضه. ولأول مرة في التاريخ سيحصل مؤلف «عنوان بروتوكول الإنترنت» على شيء ما في المقابل دوماً.

ترى غريفين الأمر مثيراً نظرياً لكن من الناحية العملية خارج قصص النجاح الجامحة لـ «هاري بوتر»، هناك عدد قليل جداً من الكتب التي تحقق عائدات كافية لإثارة رغبة المستثمر في المشاركة. وتعتمد الصناعة في الوقت الحالي على بيع ألوف الكتب بسعر متواضع نسبياً، حيث يفيد موقع «بوك ستات» عن إضافة 2.6 مليون كتاب إلى السوق في عام 2020 بيع 96% منها أقل من ألف نسخة، ما يعني أن القليل من المؤلفين يكسبون لقمة عيشهم فقط من تأليف الكتب ونشرها.

تشير غريفين إلى أن مؤلفة الكتب، إميلي سيغال، رغبت في تغيير ذلك، وأطلقت في أبريل 2021 صندوقاً جماعياً لكتابها «بورن الفا» باستخدام منصة النشر «ميرور»، التي تستخدم عملة «أثيريوم» المشفرة. فجمعت 25 أثيريوم من 104 مستثمرين، أي ما يعادل حوالي 52 ألف دولار في يوم واحد. لكن إذا كان المشجعون في صندوق تمويل جماعي يقدمون تبرعات مقابل منتج، فتوضح غريفين بأن الداعمين في صندوق جماعي على «الويب 3»، يقومون بالاستثمار، ويمولون مشروعاً يجذب أثرياء أثيريوم الأوائل الذين يبحثون عن فرص استثمارية. وما يحصل عليه المستثمرون الأوائل في صندوق مشفر جماعي، هي رموز مميزة تعمل مثل «الأسهم»، ويمثل الرمز غير القابل للاستبدال ملكية فكرية، وأياً كان من يمتلكها يمتلك بالفعل حقوق الكتاب.

تقول غريفين، فلنتخيل عالماً يمكننا فيه الاستثمار في «هاري بوتر»، وما يمكن جنيه بمجرد اكتمال سلسلة الكتب. مشيرة إلى أن قيمة امتياز هاري بوتر بلغت 43 مليار دولار اعتباراً من عام 2021، وهي على الأرجح سترتفع قيمتها مع الكتب والأفلام والبضائع واستخدام المتنزهات الترفيهية «عنوان بروتوكول إنترنت» هاري بوتر. وفي هذا السيناريو، يمكن لكثيرين المشاهدة مقابل رسوم منخفضة، لكن شخصاً واحداً (ثرياً جداً) هو المالك حقاً، ويزيد هذا الشخص من قيمة استثماره عن طريق إقراضه. مثل شركة تسجيل تمتلك أسطوانات لكبار الموسيقيين: يمكن لأي شخص الاستماع إلى الألبوم على «سبوتيفاي»، لكن كياناً واحداً (غنياً جداً) يكسب الإتاوات عن كل بث.

هذا ما تسعى إليه مختبرات «ألكسندريا» للكتب، حيث تقول المؤسسة المشاركة، إميلي لاسكير، قولها: لقد استلهمنا نموذج الرعاية القديم، حيث تدعم الطبقات الغنية الفنون لكي يتمكن الجميع من الوصول إليها. المنصة ستنطلق بمكتبة صغيرة من الكتب برموز غير قابلة للاستبدال، مع تجربة مستويات مختلفة. قد يكون هناك إصدار من السهل الوصول إليه وبأسعار معقولة، حيث يكون مجرد كتاب إلكتروني، ثم إصدار أغلى ثمناً يحتوي على فن أصلي أو نوع من التوقيع من المؤلف، أو قطعة فريدة كتبها المؤلف داخل نسخة مخصصة، ما يشكل كتباً نادرة. وتضيف المؤسسة المشاركة للشركة، سونيا جوزيف: أحد الأشياء الرائعة في نموذج الكتاب الإلكتروني هذا هو أنه لأول مرة على الإطلاق يتم استثمار أسواق الكتب الإلكترونية الثانوية. مضيفة: نظراً لأنه كائن رقمي يمكن تتعبه في كل مرة تتبادل الأيادي الكتاب ويكسب المؤلف إتاوات ثانوية.

لكن هل هناك سوق ثانوي كبير بما يكفي لتوليد الإيرادات؟ تشير غريفين إلى سعي بعض الشركات الناشئة إلى إضافة قيمة على امتلاك السلعة الرقمية، مثل شركة نشر «باراغراف» التي تنظر في طريقة «بوابة الرمز المميزة»، حيث يمكن للمؤلف تقديم مزايا حصرية للقراء الذين يصلون إلى حد عتبة رموز مميزة، مثل عضوية في مجتمع أو بضائع ونسخ موقعة وأحداث خاصة، مما يحفز القراء على امتلاك نسبة أكبر من الكتاب. عن ذلك، يقول مؤسس «باراغراف» كولين أرمسترونغ: يمكن أن يضع المؤلف بعض المحتويات خلف الكواليس على شكل بوابة، مما يجعله متاحاً فقط لهؤلاء المؤيدين الأوائل. وإذا رغب، يمكنه السماح لحاملي الرموز بالمشاركة في اختيار اتجاه قصص الكاتب. ويمكن للكاتب إنشاء آلية تصويت والسماح لهؤلاء المؤيدين الأوائل بالتصويت على كيفية المضي قدماً في المحتوى المكتوب.

وترى شركات ناشئة أخرى مثل «سولتايب» وسيلة أخرى لمكافأة القراء، حيث تقوم ببناء منصة اجتماعية للقراءة، حيث يمكنهم تقديم «إكراميات» للمؤلف واكتساب القدرة على التعليق على الكتب والوجود في مجتمع مع المؤلف، حيث يكسب أول 10 قراء يقدمون إكراميات نسبة معينة، ويجري تقاسم الإكراميات لاحقاً بينهم وبين المؤلف ومالكي الرموز غير القابلة للاستبدال للكتاب، وتأخذ شركة سولتايب نسبة 10% كرسم خدمة. يقول أحد مؤسسي «سولتايب»، خوان بريسينو: نتصور نوعاً من سوق «ويب 3» للشبكات الاجتماعية. مضيفاً: لدينا نموذج يكافئ قراء ومشتري الرموز غير القابلة للاستبدال للترويج لعمل المؤلف. نحن نجعل بناء المجتمعات أسهل للمؤلفين.

وإلى كل تلك المزايا، تضيف غريفين: ماذا لو كان بإمكاننا الكتابة في عالم هاري بوتر وكسب لقمة العيش من القيام بذلك؟. فهناك شركات ترى فرصاً كبيرة في «أدب المعجبين» مثل شركة «ألكسندريا لابز». وفيما يعترض بعض المؤلفين على الفكرة، يشكل «أدب المعجبين» طريقة البعض لتأليف كتبهم. تفيد غريفين، أن رواية «50 ظلاً للرمادي» للكاتبة إي إل جيمس، بدأت كقصص معجبين برواية «الشفق». وهناك 355595 عملاً لمعجبي قصص هاري بوتر على منصة «أرشيف أوف أور أون»، على الرغم من جذبها ألوف القراء لا يمكن لمؤلفيها بيع أعمالهم بسبب قانون حقوق النشر. ولكن ماذا لو تمكنت رولينغ من بيع شخصياتها لاستخدامها في «أدب المعجبين» وكسب نسبة من الدخل في كل مرة يستخدمها شخص آخر؟ تسأل غريفين.

تقول جوزيف: يشبه الأمر تراخيص البرامج تقريباً. وبشكل إبداعي يتم تلوين هذه المنطقة الرمادية، مما يوفر مساحة للمعجبين ليكونوا جزءاً من العملية الإبداعية دون التعدي على الكاتب الأصلي، وهناك بالتأكيد مؤلفون سيكونون على استعداد لتجربة ذلك.

وإذا كان من الممكن بيع الشخصيات لاستخدامها في قصص المعجبين فإن شركة «أديم» الناشئة تهدف إلى جعل الشخصيات مملوكة للمجتمع من البداية قبل وضعها في كتاب. ويقول المسؤول في شركة رساميل مغامرة «أندرسين هوروفيتز» كريس ديكسون: تسمح الرموز غير قابلة للاستبدال للشخصيات بالوجود عبر أي وسيط يمكن تخيله. وستكون الشخصيات التي طورها مبدعو «أديم» جزءاً من عالم مشترك يسمى «أديمفيرس» ويمكن أن تعيش في الألعاب أو البرامج التلفزيونية أو الأفلام أو الكتب أو في أنواع لم يتم ابتكارها بعد، وبالتالي كسب حقوق لملكية مبدعي الرموز في كل مرة يتم استخدامها.

هذا قد يبدو وكأنه حلم بعيد المنال حالياً، تقول غريفين. فاللاعبون قليلون وشركاتهم حديثة العهد، وليست هناك كتب على منصاتهم. كما أن الأنظمة الأساسية معقدة وليست سهلة الاستخدام على الإطلاق. لكن حتى لو أصبح استخدامها أكثر سهولة، فإنها لن تحل أكبر التحديات التي تواجه صناعة النشر في الوقت الحالي: العثور على القراء.

تقول كاتبة المقال إنها مولت قصصاً خيالية جماعية باستخدام أثيريوم وباعت فصولاً من الكتب كرموز غير قابلة للاستبدال، ولكن على الرغم من أنها ترى الكثير من الفرص في هذا المجال، إلا أنها ستقوم بنشر كتابها لـ «كيندل». ففي الوقت الحالي هذا هو المكان الذي يوجد فيه القراء. ومن أجل التأثير حقاً في الصناعة سيتعين على إحدى هذه المنصات أن تصبح «كيندل» التالي.

تقول إيميلي لاسكر، مؤسس مشارك لشركة «ألكسندريا لابز»: الكل يريد بديلاً لأمازون، ونحن نتساءل عما إذا كانت شبكة «ويب 3» توفر فرصة لصنع هذا البديل بطريقة قابلة للتطبيق من الناحية المالية، فإذا حدث ذلك «سيؤدي إلى تغيير النشر بالشكل الذي نعرفه».

ترى غريفين أن الشركة الناشئة الوحيدة التي تستعد للقيام بذلك في أي وقت قريب هي «واتباد»، إذ يسهم خمسة ملايين كاتب حالياً بقصصهم في هذا التطبيق، يقضي 94 مليون مستخدم ساعة في القراءة يومياً معظمهم من الجيل «زد». فإذا قررت «كيندل» أو «واتباد» الدخول إلى مساحة «ويب 3» قبل فوات الأوان، فمن المحتمل أن يكون لديها فرصة أفضل للنجاح، لأنها تملك أسواقاً كبيرة، أو يمكن أن تنخرط دور النشر التقليدية وتغير اللعبة برمتها.

وحتى الآن، هذا المستقبل الذي يمكن للمؤلف تمويل كتاب بشكل مقدم وجذب مستثمرين وبيع نسب وحتى تحقيق دخل لقاعدته الجماهيرية، مع الاحتفاظ بحصة ملكية في عمله، هذا المستقبل غير موجود، ولا يكسب المؤلف القراء بطريقة سحرية بسبب تلك الأشياء. فـ «لا يزال الجزء المتعلق بالعلاقات الشخصية يمثل صعوبة في ويب 3 مثل الويب 2 أو النشر التقليدي»، تقول سيغال «ولا يزال على المؤلف التواصل مع الناس والترويج لعمله والبحث والتأكد أن ما يقوم به يجذب القراء. إنها ليست عصاً سحرية».

ومع ذلك، يمكن في يوم من الأيام أن تكون كذلك. فهل يمكن تمويل هاري بوتر التالي مقدماً؟ هل يمكن لأكبر المعجبين أن يصبحوا مستثمرين؟ هل يمكن أن يسهموا في النجاح من خلال كتابة «أدب المعجبين» والقيام بفن المعجبين؟ هل يمكنهم أن يكسبوا ربحاً إذا أصبح الكتاب في النهاية فيلماً أو منتزهاً ترفيهياً؟ هل يمكن أن يخلق هذا سوقاً للقراء ويثبت في النهاية أنه استراتيجية أفضل للقراء والمؤلفين على حد سواء؟ هذا ما تأمله غريفين.

Email