أظهر استطلاع حديث لمجموعة «هافاس» في الشرق الأوسط أن 95 % من سكان الإمارات على دراية بعالم الميتافيرس، في حين أن هذا الرقم ينخفض إلى 60 % فقط في اليابان (متوسط العمر 48.4)، و73 % في جمهورية التشيك (43.2). وفيما يؤكد التقرير أن سكان الإمارات هم الأكثر انسجاماً مع عالم الميتافيرس في الأسواق الناشئة، يتوقع خبراء أنه مع بلوغ الميتافيرس مرحلة النضج، فسيعمل هذا العالم كمنظومة وبيئة للابتكار قادرة على تحقيق الدخل وتدفق إيرادات بديلة تقدر بمليارات الدولارات.
يعتبر سكان الإمارات كما تشير استطلاعات للرأي اليوم من أكثر الشعوب دراية بالميتافيرس وتفاصيل هذا العالم، فالكثير منا أصبحوا على اطلاع بما تعنيه «الرموز غير القابلة للاستبدال» NFT والألعاب والحفلات الافتراضية الحية وحتى الآفاتار والملابس الرقمية والأحداث الحية على «ميتافيرس».
ويقول خبراء إنه ستبرز الحاجة إلى وضع مبادئ إرشادية حيال الأخلاقيات والحوكمة تتمحور حول المستخدم، وتتطرق إلى مختلف النواحي في عالم الميتافيرس، تشمل اللامركزية وقابلية التشغيل بين التقنيات المختلفة، إضافة إلى تنظيم مسائل جمع البيانات وحمايتها.
ويقول خبراء إن هذه الأشكال من تجارب العملاء التي تحمل فرص تحقيق الدخل ليست سوى غيض من فيض. ويكشف تقرير أصدرته «مجموعة هافاس» التي استطلعت آراء ما يقرب من 15 ألفاً من الرجال والنساء الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاماً وما فوق في أسواق ناشئة، منها الإمارات، أن 73% من عامة الناس قد سمعوا عن «ميتافيرس».
كما أظهر التقرير أن الأسواق الناشئة والبلدان ذات السكان الشباب، مثل الإمارات، هم أكثر انسجاماً مع هذه الحدود التكنولوجية الجديدة وإمكاناتها. ونرى، على سبيل المثال، أن 95% أو أكثر على دراية بالـ«ميتافيرس» في الإمارات.
ويشير التقرير إلى أن هنالك فجوة ناشئة بين الأجيال في فهمهم «ميتافيرس». ومن المرجح أيضاً أن يرى المستجيبون من الأسواق الناشئة (مثل البرازيل والصين والهند) في الـ«ميتافيرس» فضاءً جديداً للعيش فيه، وسيكونون على استعداد لارتداء سماعة رأس لساعات عدة يومياً للاستمتاع بإمكاناته الشاملة.
وأقرّ أكثر من 50% من مجموع المستخدمين الذين شملهم الاستطلاع بقضاء الوقت مع أصدقائهم «الواقعيين» على «ميتافيرس» من خلال منصات الألعاب، فيما يمثل «ميتافيرس» أيضاً فرصة لتجربة هوية المرء عبر الصور الرمزية والوسائل الأخرى، لكنه أيضاً فضاء يمكن للناس فيه الشعور بحرية أكبر في التعبير عن أنفسهم.
وتقول دانا طاهر، المديرة العامة لـ «ريد هافاس» الشرق الأوسط: إن جائحة «كوفيد 19» التي لا تزال تداعياتها مستمرة ألقت بظلالها على مسألة التواصل المباشر بين البشر خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى الرغم من حال الارتباك التي نتجت جرّاء ذلك، فإنه قد تم التكيّف مع كل المتغيّرات التي طرأت، واستنباط الوسائل التي سهلت تسيير الأمور، وهو ما جعلنا نواصل عملية تطورنا.
وقبل ذلك، كنا نعيش بالفعل الثورة الصناعية الرابعة وتراودنا فكرة أن الذكاء الاصطناعي سوف يكون له تأثير عميق على الطرق التي نعيش بها حياتنا، وأن الروبوتات سوف تستولي على وظائفنا. وقد سبق ذلك أيضاً طفرة «التجارة الاجتماعية» والانكماش الاقتصادي العالمي وأزمة الرهون العقارية والركود الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر، وفقاعة «الدوت كوم»، وحرب الخليج، وما إلى ذلك.
وتضيف: «ومن هذا المنطلق، فإن كل حدث كبير في التاريخ أو كل تطور تدريجي تسببه التكنولوجيا وكيفية التفاعل معها، كان له تأثير على عالمنا وكيف نتواصل، لذلك عندما نشهد التغييرات التي يحدثها عالم الـ«ميتافيرس»، فإننا نشعر بالفضول بشأن الفرصة التي يمثلها ومدى التغيير الحقيقي الذي سوف يُحدثه».
وبادئ ذي بدء، كان «ميتافيرس» دائماً موجوداً، فهو قد أصبح سائداً الآن، لأن «فيسبوك» أعادت تسمية علامتها التجارية لتصبح «ميتا»، لكن التكنولوجيا الأساسية التي بنيت عليها موجودة منذ سنوات. في جوهرها، فإن «ميتافيرس» والتجارب المتعلقة به مبنية على البنية التحتية للألعاب التي تطورت على مر العقود.
ليس من المستغرب إذن أن يكون كبار اللاعبين التقنيين مثل «مايكروسوفت» و«أمازون» و«ميتا» يجرون عمليات استحواذ في صناعة الألعاب لسنوات - من استحواذ «مايكروسوفت على «ماين كرافت» و«أمازون» على «تويتش». وفي الآونة الأخيرة، رأينا العلامات التجارية تنشط من خلال الحفلات الموسيقية وتجارب العملاء و«الرموز غير القابلة للاستبدال» الحصرية وتجميع النقاط في عوالم الـ«ميتافيرس» مثل «ديسترالاند» و«ساندبوكس».
«ويب3»
لفت تقرير «هافاس» أيضاً إلى أن هنالك ضرورة لتنظيم «ميتافيرس» بشكل سريع تماشياً مع المعايير المتطورة المتعلقة بتقنية «ويب3»، التي سترسم مستقبل الإنترنت المبني على اللامركزية وتحقيق الدخل من خلال الـ«بلوك تشين».
وإضافة إلى ذلك، يجب معالجة السلوكيات السيئة مثل الاحتيال والجرائم الإلكترونية وخرق البيانات من خلال اللوائح القياسية لما وراء الـ«ميتافيرس» وما وراءه. كما أن العلامات التجارية تحتاج أيضاً إلى تحديد طرق لقياس تأثير عمليات الأنشطة الخاصة بها على «ميتافيرس»، لأن قاعدة المشتركين والعملات المستخدمة في عوالم مختلفة داخل «ميتافيرس» هي مختصة بتلك العوالم.
فرص
وأضافت طاهر: «أنا شخصياً متحمّسة لإمكانية استضافة تجارب العلامات التجارية في «ميتافيرس»، وإطلاق مجموعات جديدة، وتأمين مواضع المنتجات في الـ «ميتافيرس»، وربما إهداء «رموز غير قابلة للاستبدال» للمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي.
إن الاحتمالات لا حصر لها، حيث تقوم العلامات التجارية بالفعل بإنشاء «عوالم» خاصة بها أو شراء قطع أراضٍ في عوالم مثل «ديسنترلاند» و«ساندبوكس»، فهل يمكنك تخيّل ما سيأتي بعد ذلك؟ إنه عالم رائع ينتظر أن يتكشّف لنا، والاستنتاج الوحيد الذي يمكنني استخلاصه بثقة هو أن العلامات التجارية سوف تعتمد على اتصالاتها وشركائها في إدارة الصور، وذلك من أجل إضفاء الحيوية على وجودها في الـ «ميتافيرس».
وعندما تكون العلامات التجارية جاهزة للانطلاق، سوف تكون العلاقات العامة هي طاقة الدفع في هذه الرحلة المثيرة، فهي سوف تأخذهم بشجاعة إلى مستقبل موجود بالفعل في واقع موازٍ».
مساحة افتراضية
وتُعرّف مؤسسة «جارتنر» عالم الميتافيرس بأنه «مساحة افتراضية جماعية مشتركة تكوّنت نتيجة التقاء العالمين الرقمي والحقيقي المعززين بتقنيات الواقع الافتراضي. وهناك استمرارية لما يدور في عالم الميتافيرس، الذي ينطوي على تقديم تجارب غامرة ومعززة».
وتتوقع جارتنر مع بلوغ الميتافيرس مرحلة النضج أنه سيعمل كمنظومة وبيئة للابتكار غير مقيدة بتفاصيل وأنواع الأجهزة المتصلة. ويعتبر عالم الميتافيرس بحد ذاته مثالاً عن الاتجاه الجامع لتوليفة متنوعة من التوجهات والتقنيات المهمة والمستقلة في مسارها الصاعد، والتي ستؤدي نتيجة التفاعل في ما بينها إلى بروز توجهات أخرى جديدة.
المشهد الأمني
وحول احتمالات أن يشهد العالم الافتراضي ازدياداً في الهجمات الإلكترونية نتيجة انتشار الميتافيرس، قالت أنوشري فيرما، مديرة الأبحاث في «جارتنر»: «نعم، هناك احتمال أن تزداد الهجمات الإلكترونية. وفي واقع الأمر ستكون مسألة أمن البيانات مصدر قلق كبيراً يستدعي حماية بيانات المستخدمين بإقرار تشريعات ناظمة يأمل منها أن تعكس واقعنا الحقيقي بشكل وثيق.
ويعتبر الاستثمار في مجال الأمن الإلكتروني من المتطلبات الأساسية لمكافحة اختراقات البيانات والهجمات الإلكترونية وعمليات التزييف العميق والاستيلاء على الشخصيات الافتراضية (أفاتار) العائدة للمستخدمين. وبالنسبة لعالم الميتافيرس الذي بلغ مرحلة النضج، سيلزم تطوير هيكليات معنية بكافة تفاصيل الحماية الأمنية والخصوصية وسلامة البيانات.
وتجدر الإشارة إلى مستوى الأمن المعزز في الميتافيرس بحكم طبيعة اللامركزية فيه وحقيقة عدم إمكانية تعديل السجل الرئيس للتعاملات، مما يعني فرصاً أقل لوقوع أخطاء أو محاولات احتيالية. كما ستعزز العقود الذكية من قدرة الفرد على التحكم ببياناته، مما يضع بين يدي المستخدمين مستويات عالية جداً من التخصيص والخيارات المتاحة».
أنواع الهجمات
وحول أنواع الهجمات الإلكترونية الجديدة المتوقع ظهورها مع انتشار الميتافيرس، تقول فيرما إن الميتافيرس سيشهد تطوراً عبر ثلاث مراحل متداخلة، هي مرحلة الصعود ومرحلة التقدم ومرحلة النضج.
بدأت مرحلة الصعود لتوها وتستمر للسنوات الأربع أو الخمس المقبلة، وهي مرحلة مستوحاة من السوق القائمة على تطبيقات الإصدار الثالث من شبكة الويب وتقنياتها الحديثة. أما مرحلة التقدم فيتوقع بدايتها عام 2025 وما يليه، وهي استمرارية لتطور الميتافيرس الصاعد، لكن وفق نهج يزاوج بين توليفة التوجهات والتقنيات الناشئة فيه، وما يبرز من جديد نتيجة تفاعلها.
وتُقدّر مرحلة النضج بثمانية أعوام على الأقل، تبدأ من الوقت الراهن، وستشهد نضوج التجارب الافتراضية الغامرة والتوافق التقني في ما بينها. وستتحدد ملامح المراحل المذكورة بفعل تأثيرات متمايزة ناجمة عن تفاعل خصائص كل من التقنيات والسوق والمنتجات والخدمات، وبالتالي ستشهد كل مرحلة من مراحل تطور الميتافيرس تحديات أمنية مختلفة عن سواها.
وبالنظر إلى مراحل التطور، لا يتمتع بعد سوق الميتافيرس في مرحلة الصعود الحالية بميزة التوافق التشغيلي بين التقنيات المختلفة، فحالات الاستخدام المطروحة الآن هي عبارة عن تجارب منعزلة بحكم تباين تقنيات المزودين.
ويمنح هذا الأمر شركات تزويد التقنية سيطرة كاملة على ما تقدمه من تجارب للمستخدمين، ولذلك تتوفر في الوضع الراهن شفافية إلى حد كبير في ما يخص الحوكمة والأخلاقيات التي تعكف تلك الشركات على مراعاتها، لكن يتوقع ظهور حالات استخدام ناشئة وجديدة فاقدة لتلك المميزات، وستبرز للواجهة فقط عند حصول اختراقات كبرى وعالية المستوى للخصوصية و/أو الأمن، وعادة حينما تنشأ تداعيات كبيرة تصيب الأعمال أو المستخدمين. أما الحلول المتقدمة في عالم الميتافيرس فيرجح أنها ستأتي ثمرة اتفاق جماعي يروج ويدعم التوافق التشغيلي بين التقنيات المختلفة.
وستشهد المرحلة الانتقالية وصولاً لمرحلة النضج ظهور الكثير من العقبات في السوق. مثلاً، عند إجراء تجارب جديدة أو استغلال فرص غير مسبوقة فيحتمل أن تنجم عنها انتهاكات لحقوق المستخدمين في الخصوصية والأمن، مما يؤدي إلى تدخل الحكومات والهيئات التنظيمية لتصحيح الخلل الحاصل في السوق، تماماً مثل الديناميكية التنظيمية التي باتت تخضع لها اليوم تقنيات الإنترنت أو الذكاء الاصطناعي.