دبي ترسّخ مكانتها مركزاً عالمياً في خدمات الشحن الجوي

باتشي سبيغا
باتشي سبيغا
ستانيسلاس برون
ستانيسلاس برون
جوناثاس إسكوبار
جوناثاس إسكوبار

نجحت دبي في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي قوي في مجال خدمات الشحن الجوي، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وبنيتها التحتية المتطورة، وسياساتها الاقتصادية الداعمة للأعمال، بحسب ما يذكر موقع «ذا ستات تايمز» المتخصص في الشحن الجوي.

وأشار تقرير «ذا ستات تايمز» إلى أن الموقع الاستراتيجي للإمارة يتيح الوصول إلى ثلثي سكان العالم في غضون ثماني ساعات طيران فقط، وهو ما يمنحها ميزة فريدة في تحقيق الربط العالمي السريع، ويجعل منها محوراً لا غنى عنه في التجارة الدولية.

ومع الارتفاع المتزايد في الطلب على خدمات الشحن الجوي، مدفوعاً بازدهار التجارة الإلكترونية والمنتجات الدوائية والمواد القابلة للتلف، تواصل دبي ضخ الاستثمارات في تطوير البنية التحتية الخاصة بالشحن، ما يعزز من ريادتها في قطاع الخدمات اللوجستية على مستوى العالم، حسبما يشير الموقع.

الموقع الاستراتيجي والربط العالمي

يعزز الموقع الجغرافي لدبي من مكانتها كمركز لوجستي حساس للوقت، ويجعلها حلقة وصل محورية بين الأسواق الناشئة والمستقرة. كما أن قربها من ممرات بحرية حيوية، مثل مضيق هرمز، يدعم تدفق حركة التجارة الدولية، ويقوي من دورها في منظومة النقل متعددة الوسائط، عبر الدمج السلس بين الشحن الجوي والبحري والبري.

وفي هذا السياق، صرّح جوناثاس إسكوبار، المدير الوطني للخدمات الجوية في شركة «كونيه + ناجل»: «تُعد دبي مركزاً رئيسياً للتجارة الجوية العالمية، حيث تُمكّن من ربط شركات الطيران ووكلاء الشحن والعملاء، والتحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه المزايا إلى قيمة ملموسة لعملائنا». وقد وسّعت كونيه + ناجل مشروع «البوابة العالمية» ليشمل دبي، حيث تستخدمها كمركز رئيسي لحلول الشحن البحري-الجوي، التي تجمع بين سرعة النقل الجوي وكفاءة التكلفة في الشحن البحري.

دي إتش إل

وبالمثل، استفادت «دي إتش إل إكسبريس» من الموقع الفريد لدبي عبر تجميع الطلبات من مناطق متعددة.

ويقول باتشي سبيغا، نائب رئيس عمليات الشبكة لدى «دي إتش إل» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «تمكننا دبي من الوصول السهل إلى الأسواق الرئيسية خلال 4 إلى 6 ساعات طيران، ما يشمل أوروبا وأفريقيا والشرق الأدنى وآسيا الوسطى، وهذا يحقق وفورات تشغيلية لشبكتنا، ويتيح توجيه الشحنات بفعالية عبر دبي».

دور مطاري دبي

يشكل كل من مطار دبي الدولي، ومطار آل مكتوم الدولي العمود الفقري لمنظومة الشحن الجوي في الإمارة، حيث يخدمان مجموعة واسعة من القطاعات الصناعية والتجارية.

ويُعد مطار دبي الدولي من أكثر مطارات العالم ازدحاماً في حركة الطيران الدولية، وله دور محوري في عمليات الشحن الجوي، لاسيما من خلال الشحن في عنابر طائرات الركاب، ويوفر المطار ربطاً مباشراً مع أكثر من 155 وجهة حول العالم.

وقد شهدت قدرات المطار على مناولة الشحنات تطوراً كبيراً، مع إنشاء «مجمّع الشحن الضخم»، الذي أسهم في رفع الطاقة الاستيعابية بشكل كبير، من خلال أنظمة تخزين واسترجاع آلية، ما أدى إلى تسريع العمليات وتحقيق كفاءة عالية في إدارة الشحنات، كما جرى تطبيق حلول ذكية تعتمد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي لتقليص أوقات المعالجة وتحسين الكفاءة التشغيلية.

أما مطار آل مكتوم الدولي، الذي يقع في «دبي الجنوب»، فيُعد مركزاً لوجستياً متخصصاً، وقد صُمم ليكون أكبر مركز شحن جوي في العالم بطاقة استيعابية نهائية تبلغ 12 مليون طن سنوياً.

ويضم المطار مرافق متطورة مخصصة بالكامل للشحن الجوي، ما يجذب كبار شركات الشحن ووكلاء الخدمات اللوجستية، كما أن قربه من ميناء جبل علي يُسهم في تحقيق التكامل بين الشحن البحري والجوي، ويُقلص بشكل كبير من أوقات العبور بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.

وقد دمجت «دي إتش إل» مطار آل مكتوم الدولي، ضمن استراتيجيتها التوسعية طويلة الأمد، حيث يؤكد سبيغا: «نحن نعمل في مطارات دبي منذ أكثر من 30 عاماً، ونعمل حالياً على توسيع حضورنا في مطار آل مكتوم، تماشياً مع تحوله إلى مركز الشحن الرئيسي للإمارة، ونعمل على مواءمة عملياتنا للاستفادة القصوى من إمكاناته».

طيران الإمارات

وتُعد شركة طيران الإمارات أحد أبرز العوامل التي أسهمت في بروز دبي كمركز عالمي للخدمات اللوجستية، من خلال ذراعها المتخصصة «الإمارات للشحن الجوي» Emirates SkyCargo.

وتُشغل الشركة عملياتها من مرافق متقدمة في كل من مطار دبي الدولي ومطار آل مكتوم، ما يتيح ربطاً جوياً سلساً مع مختلف القارات، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا والأمريكتين.

وتتكامل عملياتها مع الموانئ والمناطق الحرة والبنية التحتية متعددة الوسائط في دبي، لتؤدي دوراً محورياً في منظومة التجارة العالمية، ليس فقط كشركة ناقلة، بل كفاعل رئيسي في سلاسل الإمداد العالمية.

ربط لوجستي

وتُعزّز منظومة الشحن الجوي في دبي من خلال التكامل الإقليمي مع أبوظبي ومراكز الخدمات اللوجستية الأخرى في الدولة، ما يعزز من كفاءة الربط على مستوى الإمارات والشرق الأوسط.

وتلعب «الاتحاد للشحن»، انطلاقاً من مطار أبوظبي الدولي، دوراً محورياً في شبكة الشحن الجوي الإقليمية، بفضل قدرتها على الربط السلس بين مختلف مكونات القطاع داخل الدولة وخارجها.

ويقول ستانيسلاس برون، نائب رئيس قطاع الشحن في الاتحاد للشحن: «من مركز عملياتنا في أبوظبي، نقوم بالتقاط وتسليم شحنات عملائنا من مختلف أنحاء الإمارات والمنطقة، ومن خلال الاستفادة من ممرات جمركية خاصة، وبنية تحتية عالمية المستوى، وأدوات رقمية متطورة، نقدم حلولاً سلسلة توريد قوية وسريعة تركز على العميل في جميع أنحاء الإمارات والشرق الأوسط».

المناطق الحرة في دبي

وتلعب المناطق الحرة المتخصصة في دبي دوراً جوهرياً في دعم عمليات الشحن الجوي، حيث توفر مزايا ضريبية، وملكية أجنبية كاملة، وتسريع إجراءات التخليص الجمركي.

ويؤكد جوناثاس إسكوبار، أن «منطقة دبي الجنوب الحرة»، حيث تعمل شركة كونيه + ناجل، توفر بيئة مثالية للشحن، ويقول: «من خلال المستودعات الجمركية، والممرات الجمركية المخصصة، وتسريع إجراءات التخليص ـ بما يشمل التخليص المسبق ودفع الرسوم الجمركية بشكل مجمع ـ نُحقق حركة شحن سريعة، تُمكننا من معالجة وتسليم الشحنات خلال ساعات قليلة من وصولها إلى المطار».

كما تستفيد «دي إتش إل» من كفاءة المناطق الحرة في دبي، ويضيف باتشي سبيغا: «تتيح هذه المناطق عمليات تخليص جمركي مبسطة، ما يقلل بشكل كبير من زمن دوران البضائع. كما أن قدراتها متعددة الوسائط تُمكن من الانتقال السلس بين الشحن الجوي والبري والبحري».

ويشير موقع «ذا ستات تايمز» إلى أن قيادة دبي تواصل تنفيذ سياسات متقدمة تعزز من مكانتها العالمية في قطاع الخدمات اللوجستية، وتُعد «استراتيجية طريق الحرير» في دبي إحدى المبادرات الرائدة التي تعزز الربط متعدد الوسائط، وتُوطّد الشراكات التجارية الدولية، ما يعزز من موقع الإمارة كمركز محوري في منظومة التجارة العالمية.

ويضيف التقرير: «كما أن الاستثمارات المستمرة في التحول الرقمي واللوجستيات الذكية، بما يشمل الذكاء الاصطناعي والمخازن المؤتمتة، تسهم في تسريع العمليات وتحسين الكفاءة، وتؤكد ريادة دبي كمركز عالمي للشحن الجوي وابتكار سلاسل الإمداد».

الاستدامة

مع التوجه العالمي نحو تقليل الانبعاثات الكربونية، تتصدر دبي المشهد من خلال مبادرات رائدة في الاستدامة.

ويقول إسكوبار: «نحن في كونيه + ناجل ملتزمون بتعزيز حلول الشحن الجوي المستدام، وبما يتماشى مع رؤيتنا 2030، ندعم بقوة اعتماد الوقود المستدام للطائرات (SAF) عبر شراكات مع شركات الطيران الكبرى، للمساهمة في خفض البصمة الكربونية لعملياتنا».

أما «دي إتش إل»، فقد بدأت بتنفيذ مجموعة من المبادرات البيئية الخضراء، ويوضح سبيغا: «نحن في طور تحويل أسطولنا إلى مركبات كهربائية لتسليم الشحنات في المرحلة الأخيرة، ونستثمر في الوقود المستدام للطيران، ونبني منشآت محايدة للكربون تعمل بالطاقة المتجددة».

كما أطلقت الشركة مبادرات أخرى تشمل استخدام زيّ موحد مصنوع من مواد معاد تدويرها، وتركيب إضاءة LED موفرة للطاقة في مكاتبها لخفض استهلاك الكهرباء.

هيمنة على قطاع الشحن الجوي

ويقول الموقع: «تعكس الاستثمارات المستمرة التي تضخها دبي في البنية التحتية الحديثة للشحن، طموحها في الحفاظ على موقعها كمركز عالمي ريادي في الشحن الجوي، ويؤكد تركيز الإمارة على الابتكار اللوجستي، والاستدامة، والبنية التحتية الذكية، على عزمها جذب أفضل مزوّدي الخدمات وشركات التجارة الدولية الكبرى».

ويختتم الموقع تقريره بالقول: «ومع تزايد أحجام التجارة، وتحوّل سلاسل الإمداد إلى منظومات أكثر ديناميكية، لا تكتفي دبي بمواكبة التطورات، بل تقود مسارها، ومن خلال توسعة مطار آل مكتوم، وتعزيز الربط متعدد الوسائط، وتوفير إطار تنظيمي يشجّع على النمو، تستعد دبي للحفاظ على مكانتها كمركز لوجستي محوري يقود مستقبل التجارة العالمية».