لحوم أوروبا تحتوي على خطر المرض والموت،فضيحة جنون البقر والدواجن والموت القادم من الغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بريطانيا كان منشأ فضيحة اصابة البقر بمرض الجنون, وفي هولندا وبلجيكا كان المسرح الذي شهد عمليات التورط في تزوير الشهادات لتهريب ملايين الأطنان من اللحوم المريضة إلى دول العالم بعد تبديل الاختام على اللحوم وشهادات المنشأ , وتغييرها بأختام وشهادات بلجيكية, فآلاف الأطنان من هذه اللحوم تم تصديرها إلى مصر وفرنسا وروسيا واسبانيا والبوسنة وبعض الدول الأفريقية الفقيرة خلال الأشهر الستة التي اعقبت تفجر الفضيحة في يوليو من العام الماضي, وبعد ان حدثت الكارثة وهربت كميات هائلة من اللحوم المصابة للخارج, تم ضبط 3 آلاف طن من اللحوم البريطانية المصابة أيضا بميناءي (روتردام) و (فليسن) قبل تهريبهما عبر هولندا إلى دول عربية وافريقية بمستندات تصدير وشهادات منشأ مزورة, أمرت (بورست) وزيرة الصحة باعدامها, كما ضبطت السلطات البلجيكية أربعة آلاف طن من ذات اللحوم الملوثة ببكتريا جنون الأبقار, وأدينت شركات بلجيكية كشركة (تراجيكس جيي) و (ليفيبفر) وفروعهما بمدينتي (وينجني) و (ليفبفير) بمقاطعة (مويسكرون) في هذه العمليات القذرة مقابل مكاسب ضخمة, وقد ساعدها في ذلك مستوردون من الدول السابق ذكرها حيث تم جلب الأبقار من بريطانيا عن طريق أيرلندا الشمالية حيث ذبحت هناك, وفي بلجيكا وهولندا تم تغيير الاختام والأوراق الخاصة بها, وقد أمر (كولا) وزير الصحة البلجيكي في حينه بايقاف نشاط الشركات, وأدانت اللجنة الأوروبية كلاً من هولندا وبلجيكا في التستر على الفضيحة وعلمها بها من عدة أشهر قبل اعلانها للرأي العام, إلا ان حكومتي البلدين اتفقتا على كتم الأمر وعدم اذاعته خوفا من ثورة الشعب الهولندي والبلجيكي الذي وقع ضحية هذه العملية واستهلك كميات كبيرة من اللحوم المصابة, وكذلك خوفهما من مطالبة مئات الاشخاص بتعويضات واقامة دعاوى قضائية بجانب الحرص على عدم توتر علاقات البلدين مع الدول التي هربت إليها اللحوم المصابة. وعلى الرغم من ان الدول العربية قد فرضت حظرا على استيراد اللحوم البريطانية, الا ان هذا لم يحميها بالطبع من تسرب اللحوم الملوثة اليها عن طريق بلدان اخرى, ولهذا اجتمع مجلس السفراء العرب في بروكسل في نهاية العام الماضي لبحث فضيحة تهريب اللحوم البريطانية, وتأمين عمليات الذبح على الطريقة الاسلامية لتزايد الشبهات حول معاهد الرقابة على الذبح في بلجيكا وذلك تحت اشراف المملكة العربية السعودية, وتعهدت الحكومة البلجيكية باعادة تقييم المؤسسات التي تشرف على عمليات الذبح والمختصة باعطاء شهادات الذبح على الطريقة الاسلامية, وسحب التراخيص من المؤسسات المشتبه فيها واغلاقها بعد ان كشف تورط بعض هذه المؤسسات في منح شهادات مخالفة لعمليات الذبح كما تأكد ان معهد الكشف عن اللحوم البلجيكية يمنح شهادات صحية بدون معاينة حقيقية للحوم البقر, وقد كشف فريق وحدة مكافحة الفساد U.C.L.E.F في بروكسل التابع للجنة الاوروبية تواطؤ بعض الجهات المعنية مع مصدري لحوم البقر البريطانية وكذلك شركات اللحوم المحلية وتلاعب شركات تصدير اللحوم البلجيكية وقيامها بعمليات تزوير في المستندات وشهادات المنشأ, اعترف وزير الصحة البلجيكي ان معهد الكشف عن اللحوم البلجيكية لم يقم بواجباته. وبجانب هذه الحقائق وراء الاعترافات فان هناك حقيقة خطيرة, هي ان اللحوم المجمدة التي يتم تصديرها للخارج يكون من الصعب جدا في احوال كثيرة التحقق من مصادرها الحقيقية, حيث ان مستوردي اللحوم في بلجيكيا بعد استقدامهم اللحوم المذبوحة من بريطانيا وايرلندا وبلاد اخرى لهم الحق في اعادة تصديرها مرة اخرى, وان الفترة الزمنية التي تبقى فيها اللحوم في الثلاجات يكون تم خلالها انتاج آلاف الاطنان من اللحوم بلجيكية, ويقوم البعض باستبدال اللحوم البلجيكية المسموح بتصديرها بلحوم اخرى, وبعض الشركات تستخدم المستندات البلجيكية الاصل للحوم البريطانية, وللاسف فان المكاتب الخاصة والمؤسسات التي يملكها الافراد في البلدين تقوم باستخراج شهادات الذبح على الطريقة الاسلامية في مقابل نسبة مئوية على كميات التصدير, وهذه المكاتب اصحابها من اصل عربي وهي تحقق ارباحا طائلة من وراء هذا الموضوع حيث انها تحصل على متوسط من 3 ـ5 سنتات هولندية على كل كيلو جرام, وهذه السنتات تتحول لمبالغ كبيرة لان الذي يتم تصديره هو اطنان, كما انه لاتوجد رقابة على هذه المكاتب. جنون البقر عندما كشفت لأول مرة فضيحة جنون البقر في بريطانيا والناجمة عن تناول الابقار اعلافاً مخلوطة ببقايا اللحوم الميتة ومخلفات المجازر وفضلات الاسماك في يوليو من العام الماضي 98 حاولت جميع الدول الاوروبية تنقية ساحتها من وجود هذا المرض في ثروتها الحيوانية, وتحجيم كل الفضيحة والخسائر في بريطانيا بهدف تقليص حجم الخسائر من ناحية وبقاء الاسواق العالمية بما فيها الاسلامية والعربية مفتوحة امامها. ومن ناحية اخرى فان الاتحاد الاوروبي قام بتقديم وعود لبريطانيا لتعويضها عن تلك الخسائر, وقد وفى بوعوده في جانب كبير منها, غير ان فضيحة جنون البقر وخلط الاعلاف ببقايا ومخلفات المجازر قد فتح النيران ضد اللحوم الاوروبية ووضع المؤسسات الاسلامية في اوروبا في مواجهة هذه النيران. فقبل تفجر الفضيحة كانت المؤسسات الاسلامية تركز على جانب واحد في مراقبة نوعية اللحوم المصدره للدول العربية والاسلامية, وهو جانب الذبح وفقا للشريعة الاسلامية, وعدم استخدام الوسائل الاوروبية في ذبح الحيوانات كالصعق بالكهرباء أو الطرق على الرأس أو الشنق او التخدير لكن القضية لم تعد لدى هذه المؤسسات الاسلامية هي مراقبة طريقة الذبح فقط, بل ظهرت قضية المنشأ واسلوب تربية وتسمين الحيوانات, فقد تأكد ان منشأ معظم هذه الحيوانات حرام لأنها اصبحت من الحيوانات (الجلالة) اي التي تتناول الحيوانات الميتة ومخلفاتها وهي الاشياء التي تخلطها المصانع الأوروبية في الأعلاف, وبهذا اصبحت تلك الحيوانات من الجلاله التي حرم الله اكلها, اذ اصبحت تلك الحيوانات محرم على المسلمين شرعاً تناولها, وهي القضية التي تنبهت لها المؤسسات الاسلامية مؤخراً, وحاولت وضع حل لها في مؤتمر لاهاى للمنظمات الاسلامية, غير ان المؤتمر في اغسطس من العام الماضي اجتمع وجمع تحت جناحه مئات المؤسسات الاسلامية في أوروبا, وانفض بعد ان وضع عدة توصيات باهته تقضى بمراقبة عمليات الذبح ايضاً. لكن هذه التوصيات لم تضع أية حلول جذرية للقضاء على الشبهات التي تحيط عملية المنشأ, فلم يوص المؤتمرون مثلاً بان تشرف تلك المؤسسات وتراقب المزارع التي تقدم الحيوانات المصدرة للدول العربية, للتأكد من نوعية الأعلاف, وان كان قد أكد المؤتمر فيما أكد وجود عشرات المخالفات في اللحوم المصدرة للدول العربية وكذلك منتجاتها, حيث ثبت ان بعض الشركات والمصانع الاوروبية تخلط منتجات اللحوم بدهون الخنازير أو بالجيلاتين المستخرج من عظام الخنازير, وتلصق على المنتجات كلمة (حلال) . ذبح اللحوم على الطريقة الإسلامية, كيف تتم مراقبتها؟ حتى عام 1984 كانت المسالخ في معظم الدول الأوروبية تقوم بتحرير شهادات الذبح على الطريقة الاسلامية بنفسها وتقوم السفارات العربية باعتماد هذه الشهادات دون مراجعة أو تدقيق إضافة الى ان الماشية كانت تصعق بالكهرباء, والمنظمات الإسلامية غافلة عما يحدث, وكانت هولندا كنموذج واحدة من الدول الأوروبية التي شهدت هذا التغاضي من المؤسسات الاسلامية وصراعها وراء قضايا اخرى ـ توجد أكثر من 50 مؤسسة اسلامية في هولندا تركية ومغربية وباكستانية ـ حتى تنبهت سفارة السعودية في بلجيكا وهولندا في عام 84 لما يحدث, بمحض المصادفة عندما قدم مندوب من مركز الدعوة الاسلامية من مكة لزيارة لهولندا, وأثناء وجوده بالسفارة السعودية اطلع على مستندات لصفقة لحوم مصدرة للسعودية, وتتضمن هذه المستندات شهادة ذبح حلال صادرة من مسجد المبارك, ولقد كان الشيخ الزائر واسمه (سفيان ثوري سيرجار) يعلم تماماً ان المسجد تابع للمذهب الاحمدي, فلفت نظر السفير للأمر, وبحث القضية مع السفارة السعودية التي اتخذت قراراً فورياً بعدم التصديق على المستندات, وأوقفت تصدير صفقة اللحوم للسعودية, وأخطرت سفارة السعودية السفارات العربية والاسلامية الاخرى الموجودة في لاهاي, وتم التشاور مع حكومتي البلدين حيث تم الزام شركات التصدير في كل من بلجيكا وهولندا بتقديم شهادات تثبت الذبح إسلامياً صادرة من مؤسسة اسلامية, وبالفعل بدأت بعض المساجد تقوم بهذا الدور, إلا انه سرعان ما حدث اختراق لهذا المجال عن طريق كثير من المكاتب التي تدعي الخبرة بشؤون المسلمين, وكان لايهمها إلا تحقيق المكاسب المالية فقط, واختلطت الأمور مما أدى لحدوث مخالفات جديدة منها: ـ عمليات فساد تمثلت في الغش والتزوير والاحتيال نذكر نموذجا منها في لاهاي بهولندا حينما كان شخص يدعى (علي بهجت شهيب) من أصل عربي يقوم بتزوير المستندات الرسمية والشهادات الصحية, وكانت لديه أختام مزورة لسفارات عربية وإسلامية مختلفة, وقتل في هولندا مؤخراً في جريمة مريبة لم تكتشف أبعادها الحقيقية بعد, وكان قد قبض عليه أكثر من مرة وأودع السجن بهولندا. ـ الخلافات المذهبية بين أصحاب مكاتب مراقبة الذبح على الطريقة الاسلامية والقائمين على ادارتها, حيث ان كل مكتب يدعي انه الوحيد صاحب الحق في منح الشهادات لكونه يتبع المذهب السني أو الحنفي أو الاحمدي, وأدت هذه الخلافات لأن تستغلها شركات تصدير اللحوم والأغذية وتمارس أعمالها الشرعية وغير الشرعية. ـ الافتقار للخبرة بمراقبة الذبح حيث ان معظم مكاتب المراقبة تكتفي بزيارة المسلخ لمنحه الشهادة, في الوقت الذي تتم فيه عمليات الذبح على يد غير المسلمين, ويتم ادارة شريط مسجل عليه الآذان. ليس فقط بريطانيا التي ظهر فيها المرض لأول مرة هي المصدر المباشر والوحيد للحوم جنون البقر, كما ان عمليات التلاعب والتزوير ايضا ليست مصدرها الشركات في هولندا وبلجيكا فقط, بل توجد بعض الدول الاوروبية الاخرى خارج دائرة الضوء في هذا المجال, وقد تكون في الوقت الحالي هي مصدر الخطر الأساسي بالنسبة للحوم المواشي المصابة بجنون البقر, ومن هذه الدول ايرلندا التي تقع على الحدود البريطانية بريا ويتم تهريب الابقار من بريطانيا لايرلندا عبر طرق يصعب مراقبتها, ثم تدخل لايرلندا وتذبح في مذابحها ويتم تصديرها دون معرفة انها بريطانية الأصل, وهناك مافيا تحكم هذه العملية وتسيطر على عمليات التصدير للدول العربية, وما حدث في العام الماضي 98 بخصوص قضايا فساد اللحوم في هولندا وبلجيكا لا يمثل أكثر من 5% من المخالفات الحقيقية في أوروبا. ثم ان بلدا مثل اليونان تستورد لحوماً من كافة الدول الاوروبية ويتم تصنيعها على انها يونانية ثم يتم تصديرها, وهذا يثير تساؤلات كثيرة! حيث ان كمية اللحوم المصنعة التي تصدرها اليونان وايطاليا وايرلندا للدول العربية أكثر مما تنتجه هذه الدول بكثير, مما يفتح مجالا للتلاعب, حيث تقوم جهات مجهولة بالتصدير للحوم ومنتجاتها بشهادات مزورة وكأنها معتمدة اسلاميا ومن الجهات الرسمية لتلك الدول. واذا كانت القوانين في معظم الدول الاوروبية تفرض الآن على المسالخ ان يتم تعليق الذبيحة فور الانتهاء من ذبحها مباشرة في ثلاجة بدرجة حرارة 1 مئوية لمدة 24 ساعة, وحيث تظهر عليها أعراض المرض خلال هذه المدة في حالة وجوده طبعا, ثم يتم بعد ذلك تقطيع اللحمة, حيث تتم عملية التجميد السريع, ثم من الممكن ان تظل اللحمة من شهر الى شهرين مجمدة, بل قد تمتد فترة التخزين في أوروبا الى خمس سنوات في درجة حرارة 16 تحت الصفر, وأوروبا لديها خطط استراتيجية تقضي بوجود مخزون كبير لحين بيع أو تصدير هذه اللحوم, وبجانب امكانية تصدير لحوم مر على ذبحها خمسة أعوام ـ وما تحمله هذه اللحوم من مخاطر لتراكمها هذه الفترة بجانب اضمحلال فوائدها الغذائية ـ فإن ما يحدث بعيدا عن أعين القانون يحمل كثيرا من الخطر والمرض والموت في طيات اللحوم, حيث لا يتم الالتزام بمسألة تعليق اللحوم بعد ذبحها لمعرفة ما بها من أمراض, ولا يتم تخزينها في درجات الحرارة المطلوبة, ناهيك عن عمليات الذبح نفسها المخالفة, وتجد هذه اللحوم كثيراً من المنتفعين والمتورطين الذين يسارعون بمنحها الشهادات المطلوبة لتصديرها الى دولنا العربية والاسلامية. بروكسل ـ سعيد السبكي

Email