تحليل نفطي: لماذا لا تنفذ(أوبك)خطة أغسطس 1986؟ باريس ـ ليلى المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيطرت أزمة النفط الحالية على جدول أعمال القمة الخليجية التي عقدت في أبوظبي أخيرا, وقال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ان فترة الطفرة النفطية ولت الى غير رجعة. الا ان بعض المحللين في شؤون النفط يرون ان أسوأ مراحل الازمة قد تم تجاوزها , وان ارتفاع الطلب على النفط سيعود في بداية العام ,2000 لكن بانتظار ذلك على الدول المنتجة الصمود. ويقول نيقولا سركيس الخبير النفطي ومدير مركز أبحاث النفط والغاز العربي في باريس (الصمود للبقاء يعني ان تدافع الدول المنتجة عن مصالحها وان تتوصل الى خفض انتاجها لبيع ثروتها بأفضل سعر ممكن بدلا من الاقدام على هذا التسابق الانتحاري. فمنذ فشل أوبك لم يتوقف سعر البرميل عن الهبوط ولا الكلام عن هذا الموضوع. والواقع ان بقاء أسعار النفط عند هذا المستوى لا يضر فقط بالدول المنتجة فحسب, بل انه يطال الشركات النفطية والدول المستوردة على حد سواء. فالاندماجات التي بدأت بها الشركات النفطية تندرج في هذا الاطار رغم ان انخفاض الاسعار هو واحد من الاسباب التي تدفعها لهذه الاستراتيجية لكنه ليس السبب الوحيد. ويقول سركيس ان انخفاض أسعار النفط بنسبة 40 في المئة من نهاية العام الماضي يعد (تدهورا كبيرا يؤدي الى خسائر فادحة بالنسبة لكل الدول المصدرة للبترول سواء كانت أعضاء أو غير أعضاء في أوبك, وهو يعود الى أسباب تقنية متعلقة بالسوق وأخرى سياسية, وفيما يتعلق بعوامل السوق أو المعطيات الموضوعية فالتدهور يعود لسبب بسيط وهو ان عرض البترول يتجاوز بكثير الطلب الذي تضاءل خلال الأشهر الماضية بسبب الأزمة الآسيوية بشكل خاص والحل الوحيد يكمن باتفاق الدول المنتجة على تخفيض صادراتها لأن التخفيضات التي أقرتها في شهر ابريل ومارس من العام الحالي لم تكن كافية) . ويضيف سركيس (الحل الثاني هو اقناع الدول من خارج أوبك بتخفيض صادراتها, فالمكسيك أو عمان تتأثران بنفس النسبة امام انهيار الاسعار وانخفاض رصيدهما النفطي. ولكن التعاون بين أوبك والدول من خارج أوبك ليس امرا سهلا لكنه ضروري) . ويقول سركيس ليس لتدهور الاسعار حل سوى تجنب اي فائض في السوق ويكفي اليوم ان تقرر أوبك ان تخفض انتاجها من 5 الى 10% كي تعود الاسعار فورا الى الارتفاع. لكن فشل اجتماع أوبك الاخير في 27 ــ 28 من شهر نوفمبر يدفع للتساؤل عما يعيق هذه الدول لانتهاج الحل الذي اتبعته في شهر اغسطس من العام 1986 عندما هبطت الاسعار من 25 دولارا الى نحو 9 دولارات خلال شهر واحد, فسارعت تلك الدول للاجتماع والاتفاق فيما بينها لوضع حد لزيادة الانتاج وعلى الفور عادت الاسعار وارتفت الى نحو 18 دولارا للبرميل. وقال سركيس (اليوم نفس الدواء هو لنفس الداء) , ولكنه أضاف (هناك عقبة سياسية امام ذلك وهي وجود ميزان قوي ليس من مصلحة الدول المصدرة للنفط بل من مصلحة الولايات المتحدة الامريكية) . تجدر الاشارة هنا الى ان الولايات المتحدة هي اكبر بلد مستورد للبترول حاليا ومن مصلحتها ان تظل الاسعار منخفضة. وقال سركيس (لم يعد يخفى اليوم ان الدولة العظمى الوحيدة هي التي تسيطر على سوق النفط العالمية) . والمتتبع لأسعار النفط يرى ان سعر البرميل عاد الى اقل مما كان عليه قبل ازمة 1973, وهذا يتماشى مع مصلحة الدول الصناعية التي يهمها ان تحصل على البترول بأقل سعر ممكن. ويلفت سركيس الى انه يجب الاخذ بعين الاعتبار التضخم وحساب القيمة الفعلية للدولار (هذه هي القيمة الاسمية ولكن اذا اخذنا القدرة الشرائية لسعر النفط وأخذنا بعين الاعتبار سعر الدولار والتضخم العالمي لوجدنا ان سعر الدولار هبط من 10 دولارات في العام 1974 الى نحو 5 دولارات حاليا. واذا نظرنا الى العام الحالي 1998 لوجدنا ان مجموع واردات الدول العربية المرتبطة بالبترول لم تتجاوز هذا العام 78 مليار دولار اي بانخفاض نسبته 30 في المئة عن العام الماضي) . الواردات النفطية بالقيمة الفعلية, اي لا تتجاوز ربع ما كانت عليه عام 1980 حيث كان دخل الدول العربية من البترول بالقيمة الفعلية بحدود 300 مليار دولار. وتساءل سركيس (هل تقضي المصلحة الوطنية لدولة ما تصدير اكبر كمية من هذه الثروة والاسراع في نضوبها لكي تزيد حصتها في السوق او المطلوب ان تبيع حصتها بافضل سعر ممكن لكي تحصل على الواردات المالية اللازمة لانعاش اقتصادها وتمويل مشاريعها الانمائية) ؟ ويرى ان (الضرورة الملحة هي خفض الانتاج للحصول على 18 دولارا للبرميل كأدنى سعر هذا ما يجنب الدول العربية وغير العربية الازمات المالية الحادة التي تتخبط بها) . وفيما يتعلق باندماجات الشركات النفطية التي اعلن عنها اخيرا مثل اكسون مع موبيل الذي قدر بـ 140 مليار دولار واندماج توتال مع بتروفينا يقول مسؤول كبير في احدى هذه الشركات رفض الافصاح عن هويته ان اسباب الاندماج ترجع الى ثلاثة: منها الاسباب البعيدة المدى والمتوسطة والقريبة المدى: وعن الاسباب المتوسطة المدى يقول انها (تعود الى تدهور الاسعار التي تسبب مشاكل في الارباح بالاضافة الى مشاكل سيولة تحد من القدرة على الاستثمار مما دفع الى استحداث شركات عملاقة. وتحاشي المنافسة في هذه الظروف) . والجدير بالذكر ان الدول الصناعية التي تعاني من انحسار اقتصاداتها تأمل ان يؤدي انهيار اسعار النفط الى اعادة النشاط لاقتصاداتها لكن لذلك حسب قول المسؤول آثارا سلبية ايضا ويقول (هبوط الاسعار له ايضا تأثير سلبي على الدول الصناعية ناتجة عن عائدات اقل من النفط تخفض من قدرة الدول الاستهلاكية لدى الدول المنتجة للنفط مما ينعكس سلبا على الدول الصناعية) . العامل على المدى الطويل متعلق بالحالة العامة التي نتجت عن العولمة . (السبب الثاني الذي يفسر الاندماج هو عامل على المدى القريب, حيث وصلنا الآن الى مرحلة البحث عن النفط الصعب في روسيا مثلا وهذا النفط العميق سواء في اليابسة او في البحر, بالاضافة الى تطوير مناطق اخرى والبدء باستثمار آبار الاسكا. لذا يتوجب مضاعفة الجهود) . وحول التخوف من سيطرة الشركات الكبرى يقول (هذا غير صحيح لان الدول المنتجة هي المالكة للثروة وليست الشركات) ويضيف هذا الخبير ان أسوأ ما في تدهور أسعار النفط اليوم هو ان كل علامات الأزمة المالية الآسيوية كانت واضحة ورغم ذلك أقدمت منظمة أوبك في جاكارتا (نوفمبر 1997) على زيادة الانتاج بنحو 10%. ولكن كل ذلك لايعني ان بوادر الانفراج مستحيلة (ويقول ان هناك عاملين هما لصالح الدول المصدرة في حال استطاعت تخفيض انتاجها وابقاء نسبة انتاج قريبة من الطلب يتلخص العامل الأول بقرار الشركات النفطية التخلي عن بعض مشاريع التنقيب التي أصبحت مكلفة وغير مربحة مما سيؤدي إلى انخفاض كميات الخام المتوفرة, ويمكن اعتبار ذلك عاملا تقنياً يساعد على عودة ارتفاع الأسعار) . (العامل الثاني يعود الى الاعتقاد بأن الطلب سيزداد مليون برميل في اليوم, بدءا من مطلع العام 2000 ويصاحب هذه الزيادة في الطلب عودة النشاط الى الاقتصادات الآسيوية بشكل بطيء وهذا سيسمح بعودة أسعار الخام الى ما يقارب الـ 16 دولاراً) , ولكن كل شيء يبقى متعلقاً بمدى التزام الدول المنتجة بخفض الانتاج. خدمة وورلد نيوز لينك*

Email