تقرير اقتصادي:(القرار المفاجأة)هل يصدر عن اوبك غدا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتطلع الكثيرون على امتداد العالم إلى اجتماع وزراء نفط أوبك غدا في فيينا, على أمل ان يسفر عن قرارات تترك اثرا ملموسا على اسعار النفط في الاسواق العالمية , التي وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عشرين عاما, وذلك على الرغم من تعدد التصريحات والمؤشرات, التي تؤكد ان اقصى ما يمكن ان يسفر عنه الاجتماع هو قرار بمد العمل بالسقف الحالي للانتاج البالغ 26.28 مليون برميل يوميا حتى نهاية 1999. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا, على الفور تقريبا, هو: هل هناك هامش حقيقي للحركة امام وزراء اوبك يسمح بتوقع امكانية صدور ما اسماه البعض بـ (القرار المفاجأة) في ختام مداولات الاجتماع؟ قبل ان نحلل الاسباب التي قد تسمح ــ أو لا تسمح ــ بصدور مثل هذا القرار المفاجأة عن اجتماع الغد, لنتذكر مجموعة مهمة من الحقائق. ان الارتفاع الطفيف الذي سجله سعر خام برنت لتعاقدات يناير, والذي بلغ 12 سنتا امس ووصل به السعر إلى 11.80 دولارا للبرميل, لا علاقة له, من قريب أو بعيد, بالاجتماع وإنما هو متعلق بمتغيرات اخرى, منها التوتر في اطار الموقف العراقي, مما يعني مؤشرا خطيرا قوامه ان السوق لا ينتظر الكثير من اجتماع الغد. من المنظور الخليجي وصلت الامور إلى حد لم يتردد معه جاري سيك الخبير في قضايا الخليج إلى القول: أتوقع ازمة ثقيلة الوطأة مقبلة على هذا الجزء من العالم ولن تنتهي قبل اجراء اصلاحات اقتصادية حقيقية, ولكن ذلك لا يعني تجاهل وجود اتجاه خليجي قوي إلى التمسك بنصيب محدد من الاسواق مهما كان حجم المعاناة في مواجهة منافسين يسعون إلى تضخيم انصبتهم حتى ولو أدى ذلك إلى كارثة عالمية. لم يعد خافيا ان هناك مشكلات اساسية في اوبك نظرا لان بعض الدول لم تلتزم بالتخفيضات التي تعهدت بها, حسبما اكد مسؤول خليجي نقلت رويترز تصريحاته, فيما اكد روجر ديوان من شركة بتروليوم فاينانس انه لا ينتظر ان تلتزم ابرز هذه الدول بتعهداتها. يرى بعض المحللين انه ليس امام اوبك الا الانتظار إلى أن ينتعش الطلب العالمي, وبعد ذلك تبدأ محاولة الحد من المخزون العالمي الكبير من النفط. هناك بالمقابل, من يتحمسون لفكرة القرار (المفاجأة) فروبرت مابرو من معهد اكسفورد للطاقة يؤكد ان فكرة عدم اجراء مزيد من الخفض ليست مطلقة, وتور كارتفولد المحلل بشركة شتات اوبك النرويجية يتحدث عن الاحتياج لخفض اضافي بحدود مليون برميل اضافي يوميا في سقف الانتاج يراكم فوق الـ 2.6 مليون برميل تم تخفيضها بالفعل هذا العام, ونشرة (ميس) المتخصصة لا تتردد في القول ان امكان حصول مفاجأة ليس مستبعدا بسبب الوضع المتردي جدا لاسعار النفط. الان لنأخذ هذا كله زادا لنا في رحلة نأمل ما يمكن ان يسفر عنه اجتماع الغد, ولنسأل انفسنا مجموعة محددة من الاسئلة: ما هي بالضبط حدود الحركة المتاحة امام وزراء اوبك في اجتماع الغد اذا كان هناك هامش لهذه الحركة اصلا؟ وهل يمكن ان يشكل سيناريو القرار ــ المفاجأة شيئا واقعيا وقابلا للتطبيق, وحتى اذا مضينا الى الحدود القصوى وتصورنا امكانية الحديث عن تخفيض اضافي في سقف الانتاج فإلى اى حد سيتم الالتزام بهذا الخفض الاضافي بينما الالتزام بالخفض الراهن لايتجاوز حدود 80% وما مدى استجابة الاسواق لمثل هذا القرار؟ الواقع ان مثل هذه الاسئلة لا سبيل الى الاجابة عليها بدخول غابة التكهنات, وانما الامساك بأطراف خيوط الاجابات تبدأ من الحقائق الباردة والارقام التي لا تعرف انصاف الحلول. ونطرح في هذا المجال مايلي, تاركين للقارىء مهمة الاستنتاج في ضوء هذه العناصر الضاغطة على هامش حركة اوبك في اجتماع الغد. اولا: ان منظمة الطاقة الدولية قد اجرت مراجعة لتوقعاتها للطلب العالمي للنفط في 1999 وقامت بخفضه الى 75.6 مليون برميل يوميا, اي بانخفاض يصل الى 400 ألف برميل يوميا عن توقعها السابق. ثانيا: ان معظم الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط العام المقبل والمقررة بـ 1.3 مليون برميل يوميا سيتصدى لامتصاصها وتلبيتها المنتجون من خارج اوبك فوفقا لتقرير منظمة الطاقة الدولية الصادر في 9 نوفمبر الحالي سيزيد عرض النفط من جانب غير الاعضاء في اوبك بمقدار 900 الف برميل يوميا ليصل الى 45.6 مليون برميل يوميا في 1999 وهكذا فإن ما سيترك لاوبك سيكون 27 مليون برميل يوميا وهو ما يعادل معدل انتاجها الفعلي في اكتوبر الماضي. ثالثا: ان المستوى العالمي للمخزونات النفطية وما يعرف باسم (البراميل المفقودة) في عالم النفط سيظل عاملا مهما في التأثير على اسعار النفط, ففي نهاية سبتمبر الماضي كانت المخزونات النفطية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد ارتفعت الى رقم قياسي هو 2.81 مليار برميل اي مايزيد بمقدار 172 مليون برميل عما كانت عليه منذ عام. الآن هل لايزال هناك من يتطلع الى القرار المفاجأة والى سيناريو وردي لمسيرة اسواق النفط في العام المقبل؟ دعنا ننتظر الى الغد, لنتابع, لنتأمل, ولنر, وليس الغد ببعيد. كتب - كامل يوسف

Email