تقارير البيان: ثلاثة تحديات أمام الارياني

ت + ت - الحجم الطبيعي

يباشر الدكتور عبدالكريم الارياني رئيس وزراء اليمن الجديد مهام منصبه وسط ثلاثة تحديات تتطلب المجابهة, اهمها عدم الانسحاب الذي يشوب الهيكل الحكومي الجديد وتنافيه مع حقائق القوة داخل حزب المؤتمر الحاكم , ثانيها تناقضات الخارطة السياسية بما تشهده من اشتباكات بين المؤتمر وباقي احزاب المعارضة. ثالثها تحمل المسؤولية كاملة عن اية انتقادات للاداء الحكومي في الفترة المقبلة مع تفضيل الرئيس علي عبدالله صالح رفع يده كلية عن دعم الحكومة والاكتفاء بدور المراقب والحكم بين المؤسسات الحزبية دون التدخل لصالح طرف بعينه حتى لو كان حزبه الحاكم. وكان الشارع السياسي باليمن تلقى انباء التعديل الوزاري الجديد (بنكتة) ما زالت تتردد حتى الان تؤكد ان تحقيقه انما شكل نجاحا للدكتور فرج بن غانم الذي حل الارياني (محله) في رئاسة الحكومة. تقول النكتة ان حزب المؤتمر بادر باعلان تشكيل حكومة جديدة هي الحكومة السابقة نفسها باستثناء الوزير (سبعة) الذي شغل وزارة المغتربين وتم اعفاؤه من التشكيل الجديد وفور خروج عبدالله صالح سبعة, انهالت الاتصالات الهاتفية الى منزل الدكتور فرج بن غانم عقب الاعلان عن الحكومة الجديدة من كل حدب وصوب تزف اليه التهنئة والتبريكات بالاستجابة لمطالبه باخراج (سبعة) من الحكومة, بغض النظر عن استمرارية بن غانم في رئاسة الوزارة, فالرجل يهمه الاصلاحات دون المنصب. هكذا يردد الشارع اليمني, الوسط الشعبي والسياسي, هذه النكتة السياسية كرد فعل على اعلان التشكيل الجديد للحكومة اليمنية, وتكاد هذه النكتة ان تكون هي رد الفعل الوحيد خلال الساعات الثلاثين التي اعقبت الاعلان عن الحكومة الجديدة, يتداول ذلك اهل اليمن وكأنهم لم يجدوا ما يقولون غيره, لكن الستار لم يسدل بعد على الازمة الحكومية, فمرحلة جديدة واكثر خطورة دخلتها الازمة اليمنية, لا يتردد المتابع الحصيف للشأن اليمني ان يصف الحال الذي وقع فيه حزب المؤتمر انه يتمدد في مسافة تفصل بين النكتة والنكبة, اتسعت فيها دائرة التحديات الاقتصادية السياسية الاجتماعية امام الحكومة, وضاقت فيها دائرة المسؤولية وانحصرت في المؤتمر الشعبي دون سواه. ولاول مرة منذ قيام الجمهورية اليمنية في العام 1990 ينفرد حزب المؤتمر بشكل كامل وغير منقوص في تحمل مهام السلطات الثلاث الرئاسة والحكومة والقضاء والبرلمان وكذلك المجلس الاستشاري ويدخل في اطار ذلك الجيش والاعلام ولجنة الانتخابات وقيادات الوحدات الادارية في عموم المحافظات. ووضع كهذا امتدت الاغلبية المريحة الى كافة مرافق وسلطات الدولة لا يحسد عليه حزب المؤتمر, وهو اول من يتضايق منه, ولا يستطيع ان يتحمل راحته وسكرته, وكأنها سكرة الموت. حزب المؤتمر بالتشكيل الجديد اعاد الامور للتجربة الديمقراطية, وانتخابات 97 الى نصابها, لكنه فقد نهائيا الشماعة التي يعلق عليها الاخطاء, والاختلالات, فالدكتور فرج بن غانم كان الشخصية الجامعة الذي استطاع حزب المؤتمر ان يحتمي به ويجعل منه شماعة لممارسة مراكز القوى التي تدير المؤتمر حياتها اليومية, وفي الفترة من مايو 1997 وحتى مارس 98م لحكومة د. بن غانم كانت اخصب الفترات بالنسبة لحزب المؤتمر وقد تكون اخرها, لكنه لم يستغلها حتى اعلاميا, فلا هو استطاع الترويج لبرنامجه الانتخابي وما حققه د. بن غانم من منجزات اقلها اخماد واسكات صوت احزاب المعارضة للحكمة احتراما واجلالا لشخصية د. بن غانم, ومراهنة على الزمن, ولا هو (المؤتمر) استطاع ان يستغل فترة عشرة اشهر لتطبيع علاقاته سياسيا مع احزاب المعارضة الرئيسية الاشتراكي الاصلاح والوحدوي الناصري, ولا مع الوجاهات القبلية والشخصيات الاجتماعية والسياسية المستقلة, بما في ذلك التي دعمت المؤتمر في حملته الانتخابية, والاهم من كل ذلك ان المؤتمر لم يستطع على الاطلاق تطبيع علاقاته الداخلية كتنظيم, وشهدت الفترة القليلة الماضية منذ الانتخابات صراعا عنيفا داخل هيئات المؤتمر وقياداته, كانت المسألة المالية هي المحور الرئيسي لهذا الصراع والاختلاف, واعتكفت بعض القيادات المتفرغة للتنظيم في فترات متفاوتة, واقتيد مسؤول الدائرة المالية الى اروقة الامن السياسي بتهمة الاختلاس, وتجمدت بعض ارصدة ومصروفات المؤتمر في البنك المركزي اليمني, وامتدت الخلافات المالية الى تجميد ميزانيات بعض صحفه وتوقفت ثلاث منها,واشتدت الخلافات لتنشر خارج اطر حزب المؤتمر, وظهر تيار فيه اعلن عن نفسه تحت اسم جناح الشرفاء في المؤتمر, نشرت الصحف بعض بياناته كشف فيها اختلالات تنظيمية واختلاسات مالية كبيرة بلغت ملايين الريالات. وكان واضحا ان قيادات عليا وراء هذا التيار, واسدل الستار على هذه الخلافات داخل المؤتمر عقب اجتماع اعلى هيئة قيادية فيه (اللجنة العامة) واصدرت بيانها الشهير اعلنت فيه (انه لا وجود لاي جناح للشرفاء داخل حزب المؤتمر) حينها كتبت بعض صحف المعارضة, نصيحة تنبيه الى د. فرج بن غانم تذكره بما ورد في بيان (اللجنة العامة) ـ المكتب السياسي لحزب المؤتمر, وتنصحه بعدم الاستجابة لمحاولات اقناعه الانضمام الى عضوية حزب المؤتمر وهذه هي النصيحة الوحيدة والبادرة اليتيمة التي وجدها د. بن غانم في احزاب المعارضة وصحفها, ومن العلماء والمثقفين الذين دعاهم وطلب منهم التعاون معه في النصح والتوجيه والنقد في سبيل الاصلاحات, وكرر ذلك في اكثر من خطاب وتصريح صحافي منذ توليه رئاسة الحكومة, ولم يجد أي استجابة باستثناء تلك النصيحة التي لم يكن بحاجة اليها, فهو ادرى الناس بها واكثرهم علما بحقائقها وارقامها. ويبدو المأزق الحقيقي الذي تواجهه حكومة المؤتمر وقيادة حزبها اليوم يتمحور في ثلاثة اتجاهات, اضافة الى التحديات والمعضلات الاقتصادية جراء برنامج الاصلاحات الاقتصادية الشاملة: الاول: علاقة حزب المؤتمر وقياداته مع احزاب المعارضة الاشتراكي الاصلاح بالدرجة الاولى, غير الطبيعية, فمن الواضح ان حكومة المؤتمر ستواجه معارضة شديدة في البرلمان والشارع, ولن يكون بمقدور القيادات المؤتمرية تحقيق مبادرة حوار مع الاحزاب, لعدم انسجامها, وعدم امتلاكها ناصية القرار, اضافة الى انشغال وتفرغ د. الارياني لادارة الشؤون اليومية الداخلية للحكومة, الى ذلك اشير الى ان الهيئات القيادية لحزب الاصلاح اتخذت في اجتماعها قرارا عقب تسلم بن غانم لمهام الحكومة يقضي بالانتظار لمدة عام, واعطاء الحكومة فرصة عام للاصلاحات, اما عشية اعلان حكومة د. الارياني اجتمعت قيادات الاصلاح (الاسبوع الماضي) واتخذت قرارا بالبدء بالمعارضة (المواجهة) او الخروج من الصمت. الثاني: الرئيس اليمني علي عبدالله صالح يدرك تماما التحديات والمهام التي تواجه الحكومة, ويدرك متناقضات الخارطة السياسية والحزبية في البلاد, وعلاقة المؤتمر مع الاحزاب, وهو اذا اعاد الكرة الى مرمى المؤتمر وتركه يشكل الحكومة ويستحوذ على كامل قوامها, فليس من المتوقع ان يشارك في اي فشل للحكومة, ولا ان يتحمل مسؤولية اي اختلالات, وعلى العكس سيقف في موقع المراقب والمعارض لأي اختلالات, وما اكثرها وستنهال على الحكومة الرسائل الرئاسية التوجيهية, شديدة اللهجة, فالرئيس علي عبدالله صالح اكثر الزعماء اجادة للمعارضة من موقع الحكم, وسيحرص الرئيس صالح على تكثيف اللقاءات والحوارات مع قيادات احزاب المعارضة. وفي هذا الاتجاه ستتضاءل قدرة صحف حزب المؤتمر والصحف الرسمية في تبرير اختلالات وممارسة الحكومة, وفي مواجهة صحف المعارضة, يساعد في ذلك انه ليس بوسع حزب المؤتمر وحكومته الحد في حرية الصحافة وممارسة الشمولية الفجة. وستحرص على الحفاظ على الحد الادنى من حرية الصحافة وتجنب اي انتقادات من الهيئات والمنظمات والدول المعنية بالديمقراطية وحرية الصحافة وحقوق الانسان, فأي ممارسة للحد من ذلك ستكون ردود الفعل موجهة الى د. الارياني اكثر من غيره من الشخصيات الوزارية الاعلام او الداخلية. الثالث: تبدو تركيبة الحكومة باشخاصها غير منسجمة والانتماء الى مظلة المؤتمر الشعبي لا يحقق الانسجام بين الوزراء وتلك سمة يدركها المتابع لخفايا وحقائق مراكز القوى داخل حزب المؤتمر, وبدون ادنى شك فستظهر الى السطح المتناقضات والخلافات داخل حكومة المؤتمر نفسها, صحيح ان د. الارياني يمتلك قوة الشخصية والطباع, لكن الصحيح ايضا انه يدرك قوة مراكز القوى ويدرك السقف المعلوم للتعامل معها, ود. الارياني له نصيب مما اصاب د. بن غانم جراء عدم انصياع بعض الوزراء لتوجيهاته, والقاعدة المؤتمرية في ذلك ان لعضو المؤتمر مثل حظ المستقل والمعارض معا. ولا يستبعد ان يعلن بداية احمد الشامي استقالته وهو الوحيد من خارج المؤتمر في الحكومة (امين عام حزب الحق) ولا يستبعد ان يعتكف العديد من وزراء المؤتمر في فترات اشتداد الجرع الاقتصادية وفي الوزارات والمؤسسات الخدماتية الكهرباء, المياه, الصحة, التعليم, ولا يستبعد على الاطلاق ان يقدم بعض الوزراء كضحايا, وكبش فداء في فترات اكثر شدة. هذه الاتجاهات الثلاثة تبدو واضحة في الخارطة الحزبية اليمنية, وهي تحديات اساسية تقف امام حكومة المؤتمر لا تستطيع غض الطرف عنها, لكنها تواجه الرهان على التعامل معها. وفي كل ذلك يتقاسم حزب المؤتمر الشعبي الرهان مع د. عبدالكريم الارياني. فهو صاحب شعار الاغلبية المريحة, والرجل الاول الذي رفع شعار تحويل المؤتمر الشعبي الى حزب, واخرج منه تنظيم الاخوان المسلمين, ومن تبقى من حزب الاصلاح داخل هيئات المؤتمر القيادية ود. الارياني هو الذي راهن على البناء التنظيمي للمؤتمر, وهو ايضا الذي اقترح وبشدة ان يكون د. بن غانم رئيسا للحكومة عقب انتخابات 97. ولكل هذه الاسباب رمى الرئيس اليمني بالكرة في مرمى د. الارياني, الشخصية المقبولة دوليا, وهو اليوم في المحك من كل التحديات امام الحكومة. كتب - عبدالله سعد

Email