تصرفات عنان وتزويد صدام بالأوكسجين: بقلم- جيم هوجلاند

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد مسألة تحقيق الفوز في الشرق الأوسط مجرد تمرين قصير المدى ومضلل, فلا يوجد نصر ثابت في منطقة (تميزت بالتمزق الاجتماعي والاقتصادي العميق والخيانة السياسية الدائمة) , فمجرد البقاء المثير للاشمئزاز من أجل القتال وربما الخسارة في يوم آخر هو أكبر جائزة . وهذا هو السبب الذي يجب ألا يجعل الأمريكيين يشعرون بالإحباط أو الضيق لكون صدام حسين يكسب في معظم الأهداف قصيرة المدى للمواجهة العراقية - الأمريكية الأخيرة, والرئيس العراقي سيفبرك هذه المكاسب والتي تكمن أكثر في المجال النفسي عن كونها تظهر في الدبلوماسية الحقيقية أو المزايا العسكرية, وإذا لم يفعل ذلك, فإن الولايات المتحدة ما زالت لديها القدرة على ان تسلبه تلك المكاسب. والسؤال هو ما إذا كان الرئيس بيل كلينتون لديه العزم والإصرار على استخدام تلك القدرة في العراق, ولسوء الحظ, فإن ادارة المرحلة الأولى من الأزمة التي لم تنته لاتعطي إجابة حاسمة. ويبالغ زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ترينت لوت وجمهوريون آخرون عندما يتهمون كلينتون بعمل صفقة مع (الشيطان) عن طريق كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وذلك من أجل توقيع عقد من الباطن يدخل فيه طرف آخر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وفضلا عن ذلك في استراتيجية (العمل العسكري المتعدد الأطراف). ويعد ذلك مبالغة في حجم الاستراتيجية المدروسة وتقليل من شأن اليأس الذي ميز استخدام ادارة كلينتون لعنان ودفعه إلى بغداد. فهذه المهمة كانت موجهة لإخراج كلينتون من مواجهة لم يستعد لها بعد فضلا عن تجنب الدمار الذي ستحدثه أي ضربة أمريكية للمدنيين العراقيين. فنص الاتفاق الذي أحضره معه عنان من بغداد لايحوي أي انتهاك جاد للشروط التي وضعتها الولايات المتحدة وبريطانيا من أجل وقف العمل العسكري في الوقت الراهن, إلا أن الاتفاق به فجوات جادة ومثيرة للدهشة خاصة فيما يتعلق بالاجراءات المتبعة في عمليات التفتيش المقبلة. وهذه الفجوات يجب أن تحل ليس بواسطة عنان ولكن عن طريق ريتشارد باتلر رئيس فرق تفتيش اللجنة الخاصة للأمم المتحدة (يونيسكوم) التي أراد صدام وقف أعمالها, فبدعم أمريكي يستطيع باتلر ونوابه الأمريكيون تشكيل الاتفاق ليكون في صورة ترتيبات إما أن تحمي سلامة مفتشي الأسلحة أو يتحمل صدام حسين بمقتضاها مسؤولية فشل الاتفاق. فمثل هذا الخرق للاتفاق سيؤدي بالتالي إلى (عواقب وخيمة) وهي العبارة التي وافقت روسيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين على تضمينها في مذكرة التفاوض التي حملها عنان معه إلى بغداد, ولقد منحت تصرفات وأداء عنان منذ عودته من بغداد صدام حسين مكاسب مهمة, فهذه التصرفات من الدبلوماسي الغاني ذي الكفاءة العالية والقوة الفولاذية والذي عرفته على مدى عقدين توحي بقبول صدام حسين كخبير في الذوق واللباقة. والأمر الأكثر إزعاجاً هو الطريقة الدافئة التي تحدث بها عنان للصحفيين في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي والتي امتدح فيها صدام باعتباره زعيما حاسماً يستحق احتراما أكبر من مفتشي باتلر. فأكبر موظف مدني في الأمم المتحدة تحول فجأة لمعاملة الرئيس العراقي الذي تعهد من قبل بنبذه وترويضه لكي يعتبره اليوم شريكا حساسا ويستحق الاهتمام في المفاوضات. وسيسوق صدام في الداخل مدح عنان له كرجل دولة باعتباره دليلا على أن العالم يخفف معارضته للإرهاب والمآسي التي ألحقها صدام بشعبه, فهذا المدح بمثابة الأوكسجين له. ولدى شكوك في أن عنان يعتقد بأن صدام أصبح فجأة ذا شخصية شفافة, فالدبلوماسي الغاني واقعي بما فيه الكفاية حتى لا يعتقد بمثل تلك الأوهام, ويبدو أنه يتوقع بأن منح صدام بعض الكرامة والشرعية الجديدة سيشجعه على التصرف بمسؤولية والوفاء بكلمته, وكان هذا التوجه قد جربه جورج بوش وجيمس باتلر مع صدام قبل أن يبدأوا في وصفه بلقب هتلر, ونفس هذا النوع من التوجه (الخيري الانساني) قد عبر عنه بيل كلينتون بقوله ان صدام ربما يغير من تصرفاته, وعندئذ تتقلص لأدنى حد ممكن فرص قيامه بعمليات سلب ونهب لمدة ست سنوات, فالمديح والتعاطف لايشجعان صدام على التصرف المسؤول بل على ارتكاب اعتداءات جديدة. ولنسأل الكويتيين الذين ساعدوه بالأموال في حربه ضد إيران ثم تعرضوا للغزو منه, ولنسأل زملاءه السياسيين الذين انتهى بهم المطاف للقتل لاقترابهم اللصيق منه. وعلى عنان أن يتذكر أن الأمر لن يكون مهلكا إذا ما أصبح عدوا لصدام, ولكن عندما يكون صديقه. فمكاسب صدام من المحتمل أن تكون سريعة الزوال, وربما يحصل كلينتون على فرصة أخرى للقيام بعمل عسكري يبدو أنه يستعد بشكل جيد له هذه المرة. وفي النهاية فإن صدام وكلينتون يسيران على طريقين غير متصالحين, فالرئيس العراقي لن يسمح للمفتشين الدوليين بأن يعرضوا للخطر ما يملكه من ترسانة للأسلحة الكيماوية والبيولوجية مهما كان الاتفاق الذي وقعه مع عنان. كما أن كلينتون ومساعديه قد أدلوا ببيانات دراماتيكية عن هذه الأسلحة وعن العراق في الأزمة التي استنفرت الرأي العام الأمريكي لمخاطر عدم فعل شيء. إن العد التنازلي ما زال قائما حتى الآن. كبير كتاب الواشنطن بوست*

Email