المعادن الحرجة والجغرافيا السياسية الجديدة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تضع أزمة المناخ والثورة الصناعية الرابعة ـ بتقنياتها المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس ـ العالم على مسار تصادم جيوسياسي. ويعتمد كل من الدافع لإزالة الكربون، والمعركة من أجل التفوق التكنولوجي العالمي على قطاع المعادن الحرجة مثل عناصر الأتربة النادرة، والليثيوم، والكوبالت، وكلها تتركز إلى حد كبير في بضعة أماكن، بما في ذلك الصين.

ويتزايد السعي نحو السيطرة على سلاسل التوريد الخاصة بهذه العناصر. وتقترب حقبة طويلة من المنافسة المستقرة على الموارد من النهاية بسرعة. ففي الماضي، كانت الإمبراطوريات محصورة في سلاسل التوريد الاقتصادية، والمنافسة المُدارة.

وخلال دورة إنهاء الاستعمار الطويلة بعد عام 1945، دعمت الولايات المتحدة، بصفتها القوة الاقتصادية العالمية المهيمنة، قواعد التجارة العالمية ومعاييرها. ولكن الظروف انقلبت اليوم.

فالمعادن الحرجة بالنسبة للاقتصاد الرقمي واقتصاد عصر ما بعد الكربون مركزة تركيزاً كبيراً من الناحية الجغرافية، بينما أدت نهاية القطبية الأحادية الأمريكية، وزيادة الشكوك التجارية العالمية إلى تحفيز حالة اندفاع لتأمينها.

إن صعود الصين العالمي يدعم التوتر بين المنافسة والتركيز الجغرافي. ولم يعد الابتكار والإنتاج الصناعيان من الاختصاصات الحصرية لاقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ولا سيما الولايات المتحدة، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، واليابان.

وغالباً ما تكون الحكومات في الجنوب العالمي، حيث توجد العديد من الموارد الحرجة، على استعداد لعقد صفقات حصرية. إذ رحبت بخطط التمويل الشاملة في الصين، وزيادة المشاركة، وسرد «شراكات رابح-رابح»، التي تقدم بديلاً موثوقاً به للتمويل الغربي، ووضع المعايير.

إن هيمنة الصين على الموارد تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية. إذ في عام 2010، خفضت الصين حصصها التصديرية من عناصر الأتربة النادرة إلى النصف، وأيقظت هذه الحلقة الاقتصادات الرائدة الأخرى على حقيقة أن منافساً وخصماً رئيسياً يسيطر على 97٪ من الإمداد العالمي لهذه المدخلات الحيوية للمغناطيس، والزجاج، والإلكترونيات، وأنظمة الدفاع، وتوربينات الرياح، والمركبات الهجينة والكهربائية.

وكان رد فعل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان مجزئاً في أحسن السيناريوهات، وبعد مرور 10 سنوات ما زالت لم تنتج استراتيجيات فعّالة لتحرر أنفسها من قبضة الموارد الصينية. وتصدرت العناصر الأرضية النادرة العناوين الرئيسية مرة أخرى في عام 2019.

كذلك، تولي إزالة الكربون أولوية للإنجازات الأخرى في مجال تكنولوجيا البطاريات والتخزين، وهذا هو السبب في ارتفاع إنتاج الليثيوم العالمي. ويشارك اثنان من بلدان «مثلث الليثيوم» الثلاثة المتقلبة سياسياً واقتصادياً -تشيلي وبوليفيا- في مبادرة الحزام والطريق، ويحصلان على استثمارات صينية كبيرة، ويفكر الثالث، الأرجنتين، في الانضمام إلى المبادرة. ونظراً لعدم امتلاك أي منها القدرة على التكامل الرأسي، تتحكم الصين في أكثر من 60 % من القدرة التصنيعية العالمية لبطاريات أيونات الليثيوم.

ويُستخرج الكوبالت، وهو مكون أساسي آخر في البطارية، بصورة مكثفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتمتلك هذه الأخيرة أكبر احتياطي الكوبالت في العالم وتنتج 60 % من الكوبالت المستخرج عالمياً. والصين هي المستثمر المهيمن هناك.

كيف يمكن لحكومات الدول الغنية أن تدير التوتر بين التركيز والمنافسة فيما يتعلق بالمعادن الحرجة على أفضل وجه، خاصة إذا كانت المؤسسات العالمية التقليدية في طريقها إلى الزوال؟ إن أحد الخيارات هو إحياء النموذج الاستعماري القديم لتقسيم المناطق لإدارة المنافسة.

ولكن على الرغم من أن الصين كانت قادرة على توسيع نفوذها الاقتصادي العالمي دون تحمل عبء كونها قوة استعمارية، فإن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، واليابان، لم يعد بإمكانها أن تلعب هذه اللعبة بنجاح.

لقد أظهرت الصين قوتها الاقتصادية المتزايدة من خلال إقامة شبكة عالمية من الشركاء بصورة منهجية. ويجب على القوى القديمة الآن أن تبني طرقاً جديدة لكسب ثقة البلدان النامية والتعاون معها، ليس فقط لتأمين المعادن الحيوية الضرورية لتزويد العالم بالطاقة في عصر الأنثروبوسين، ولكن أيضاً لأن الكوكب الذي تحوم حوله المخاطر يمثل تهديداً للجميع.

 

 

Email