انعزال سوق الأسهم الأمريكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُـرى لماذا ترتفع تقييمات أسواق الأسهم إلى عنان السماء في حين يظل الاقتصاد الحقيقي هشاً للغاية؟ أصبح أحد العوامل وراء هذه الحال واضحاً على نحو متزايد:

لقد أثرت الأزمة بشكل غير متناسب في الشركات الصغيرة وعمال الخدمات من ذوي الدخل المنخفض. ربما تشكل هذه الفئة ضرورة أساسية للاقتصاد الحقيقي، ولكنها ليست ضرورية لأسواق الأسهم. ولا يخلو الأمر من تفسيرات أخرى للتقييمات المرتفعة اليوم، ولكن لكل منها حدود تقيده.

على سبيل المثال، لأن أسواق الأسهم تنظر إلى المستقبل، فقد تعكس أسعار الأسهم الحالية التفاؤل إزاء الأخبار حول الوصول الوشيك للقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) والتحسن الجذري الذي طرأ على خيارات الاختبار والعلاج، والذي من شأنه أن يسمح بنهج أكثر محدودية ودقة في إدارة عمليات الإغلاق.

يتمثل تفسير ثالث في أن البنوك المركزية، إضافة إلى تقديم أسعار الفائدة شديدة الانخفاض، دعمت أسواق السندات الخاصة بشكل مباشر. ومن هنا فإن هذا التدخل بعينه من المرجح أن يكون مؤقتاً، حتى برغم أن البنوك المركزية لم تنجح بعد في بث هذه الحقيقة إلى الأسواق.

عند مرحلة ما، سوف تتحرر الأسواق من وهم فكرة مفادها أن دافعي الضرائب سيغطون كل شيء إلى أجل غير مسمى.

في حين تقدم هذه التفسيرات الثلاثة بعض الأفكار حول سبب ارتفاع أسعار الأسهم في وقت حيث يتجه الاقتصاد الحقيقي إلى الانحدار، فإنها تميل إلى إغفال قطعة كبيرة من اللغز فالألم الاقتصادي الذي تحدثه جائحة كوفيد 19 لا تتحمله الشركات المتداولة في البورصة. بل يقع الأمر برمته على عاتق الشركات الصغيرة وأصحاب الخدمات الفردية، وكل هذا غير مدرج في أسواق البورصة.

ن الواضح أن هؤلاء اللاعبين الصغار لا يملكون ببساطة رأس المال اللازم للنجاة من صدمة طويلة الأمد وبهذا الحجم. والآن بدأت البرامج الحكومية التي ساعدت على الإبقاء على قدرتهم على الاستمرار بعض الوقت تنحسر، ما يزيد من خطر تأثير كرة الثلج في حالة حدوث موجة ثانية.

سوف يُـنـظَـر إلى بعض حالات فشل الشركات الصغيرة أنها جزء لا يتجزأ من إعادة الهيكلة الاقتصادية الأوسع التي أشعلت الجائحة شرارتها. ولكن وفرة من الشركات القابلة للحياة والاستمرار ستفشل أيضاً، ما يجعل الشركات الضخمة المتداولة في أسواق الأسهم في وضع أقوى في السوق مقارنة بما كانت عليه بالفعل.

وتزداد حدة التأكيد على التأثير غير المتكافئ الذي تخلفه الجائحة لأن عائدات الضرائب الحكومية لم تنخفض بالقدر الذي كان المرء ليتوقعه. والسبب بطبيعة الحال هو أن خسائر الوظائف كانت متركزة بين الأفراد من ذوي الدخل المنخفض الذين يدفعون ضرائب أقل.

ولكن المخاطر التي تواجه أسواق الأسهم المرتفعة اليوم ليست اقتصادية وحسب، بل تضم على سبيل المثال لا الحصر احتمالاً كبيراً يتمثل في حدوث أزمة سياسية غير مسبوقة في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر. بعد أزمة 2008 المالية، شهدنا ردة فعل عنيفة واسعة النطاق إزاء السياسات التي بدا كأنها تحابي الشركات الكبرى في «وال ستريت» على حساب الشركات الصغيرة في «مين ستريت».

هذه المرة، سوف يوجه الذم والتشهير مرة أخرى نحو «وال ستريت»، ولكن الغضب الشعبوي سيكون موجهاً أيضاً نحو وادي السيليكون.

وسوف تكون إحدى النتائج المحتملة، وخاصة إذا تسببت عملية تفكيك العولمة الجارية في زيادة حدة الصعوبات التي تواجهها الشركات في تحويل عملياتها إلى بلدان حيث الضرائب منخفضة، تحول اتجاه الانخفاض في معدلات الضرائب على الشركات إلى العكس. ولن يكون هذا مفيداً لأسعار الأسهم، ومن الخطأ أن نتصور أن الاستجابة الشعبوية قد تتوقف عند هذا الحد.

إلى أن تصبح تقييمات أسواق الأسهم المرتفعة مدعومة بالتعافي عريض القاعدة في كل من النتائج الصحية والاقتصادية، لا ينبغي للمستثمرين أن يستسلموا للشعور بالارتياح المبالغ فيه إزاء أرباحهم الضخمة التي تحققت أثناء الجائحة. فما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع.

* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.

 

Email