حان الوقت لكي يلعب الديمقراطيون بشراسة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في جميع أنحاء العالم، يستمر اليمين الشعبوي في تقليص دور الديمقراطية وسيادة القانون. ولكن على عكس العديد من دكتاتوريي القرن العشرين، يحاول المستبدون الطامحون اليوم أن يحافظوا على واجهة زائفة للمؤسسات التي يدمرونها، ما يخلق معضلة بالنسبة إلى أحزاب المعارضة.

فهل يجب أن يلعبوا وفقاً لقواعد لعبة مصممة ضدهم، أو يبدأوا وضع قواعدهم الخاصة ويخاطروا بالتعرض لاتهامهم بقتل الديمقراطية الليبرالية؟

جرى العرف على أن انتهاك القواعد يسرع ببساطة من عملية تدمير الديمقراطية. ولكن في ظل ظروف محددة، يصبح اللعب الشرس، في إطار الدستور، رد فعل مناسباً. فعندما يستخدم الاستبداديون الشرعيون نص القانون لانتهاك روح المؤسسات الديمقراطية، ينبغي لخصومهم أن يفعلوا العكس.

في العديد من البلدان الخاضعة لحكم يميني شعبوي لا توجد معارضة موحدة، وقد تقترح الأحزاب مجموعة متنوعة من السياسات كبدائل لما تقدمه الحكومة (وليس كل ما يفعله النظام الشعبوي اليميني سلطوياً في حد ذاته). ولكن عندما تصبح المبادئ السياسية الأساسية على المحك، فلا بد من أن تتحد المعارضة وأن ترسل إلى المواطنين إشارة واضحة مفادها أن الوضع قد تجاوز الخلاف السياسي العادي.

في الولايات المتحدة، تعد جهود الحزب الجمهوري لإلغاء قانون حماية المريض والرعاية الميسرة («أوباما كير») قاسية وغير متسقة مع ذاتها، ولكنها سبقت رئاسة دونالد ترمب، ولن يمثل نجاحها نهاية الديمقراطية الأميركية. على النقيض من ذلك، لا يشكل تحدي إدارة ترامب الصارخ لرقابة الكونغرس «سياسة معتادة»، بل هو هجوم على ما أسماه الفيلسوف السياسي جون رولز «الأساسيات الدستورية».

لا شك في أن التمييز بين نزاعات السياسة المعتادة وما يُشكل تهديداً للنظام هو فن أكثر من كونه علماً. وإذا نُفذ بطريقة مقنعة، فمن شأنه أن يحد من انتشار النزعة التشاؤمية بين الناخبين. ولكن مثل هذه الاستراتيجية تفترض أنه من الممكن إقناع المواطنين بحجج حول الالتزامات الدستورية التي يجب أن يتشاركها جميع الديمقراطيين. في الواقع، هذا افتراض محفوف بالمخاطر، نظراً إلى انخفاض التعددية الإعلامية بشكل جذري في العديد من البلدان.

ولكن حتى لو تلقى جميع الناخبين معلومات دقيقة، سيظل بعضهم يميل إلى وضع الانتماء الحزبي فوق حماية المؤسسات الديمقراطية الليبرالية.

الحق أن هذه النزعة التشاؤمية ليست سبباً يدفع أحزاب المعارضة إلى التخلي عن مناشدة ضمائر الناخبين. ولكنها تتطلب من المعارضة أن تدرك أن جمهورها لا يشمل فقط الناخبين المحتمل إقناعهم فحسب، بل يشمل أيضاً اليمينيين الشعبويين وحلفاءهم الانتهازيين.

وعند مواجهة المجموعة الأخيرة، لا يتمثل الهدف في وصمهم بوقاحتهم، بل في محاربة النار بالنار. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، استفاد الجمهوريون من حالة عدم تكافؤ واضحة بين الحزبين.

ففي حين يُـقـدِم الحزب الجمهوري على فعل أي شيء من أجل المطالبة بالسلطة والاحتفاظ بها، يظل الديمقراطيون ملتزمين بالقواعد، بل يحدوهم الأمل بتحقيق التعاون بين الحزبين. ولكن إذا اعتقد الجمهوريون أن الديموقراطيين أيضاً سيبدأون تجاوز الحدود، ربما يدفعهم ذلك إلى إعادة النظر في حساباتهم السياسية.

لنتأمل المعضلة التي تواجه الديمقراطيين الآن بعد وفاة قاضية المحكمة العليا روث بادر غينسبيرج، ففي إطار اندفاعهم لملء المقعد الشاغر بأحد المحافظين المتشددين، لا يتظاهر الجمهوريون في مجلس الشيوخ حتى بالحفاظ على أي تناسق مع المواقف التي اتخذوها في عام 2016، عندما رفضوا رفضاً قاطعاً النظر في مرشح الرئيس باراك أوباما للمحكمة العليا، ميريك جارلاند، محتجين بالانتخابات الرئاسية لذلك العام.

ومن خلال الدفع بسياسات اقتصادية بلوتوقراطية لا تحظى بشعبية كبيرة، والاعتماد على استياء ذوي البشرة البيضاء، يلتزم الحزب الجمهوري تماماً كونه حزب أقلية، وهذا هو السبب في سعيه إلى ترسيخ نفسه في المؤسسات غير ذات الأغلبية مثل مجلس الشيوخ (حيث يتمتع الناخبون في المناطق الريفية بسلطة غير متكافئة إلى حد كبير) والمحاكم.

كما أنه لا يتورع عن عمليات قمع الناخبين الصارخة لمنع غير ذوي البشرة البيضاء من الإدلاء بأصواتهم. إذا أراد الديموقراطيون أن يجبروا الجمهوريين على التصرف بشكل مختلف، فيجب عليهم فرض جزاءات صارمة على كل واحد من هذه الانتهاكات للقواعد. وإذا حاول الجمهوريون أن يدفعوا بمرشح للمحكمة العليا في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، يجب على الديموقراطيين أن يعلقوا أعمال مجلس الشيوخ، من خلال الاعتراض على جميع طلبات الموافقة بالإجماع؛ كما ينبغي لهم أن يشرعوا في إعداد خطط موثوق بها لتوسيع حجم المحكمة العليا في حال عودتهم إلى السلطة.

هل تؤدي هذه التكتيكات القاسية إلى تعميق الاستقطاب السياسي في البلاد وخلق دوامة من انتهاكات القواعد والمعايير؟ في الواقع، لا يمكن أن يزيد عمق الاستقطاب عما هو عليه بالفعل.

ولكن باختصار، ليست كل القواعد متساوية، أو حتى معيارية بشكل سليم. وهناك ثمة اقتراحات ديمقراطية تهدف إلى جعل مجلس الشيوخ أكثر تمثيلاً من خلال القضاء على المماطلات السياسية ومنح صفة الولاية لبورتوريكو وواشنطن العاصمة. والحق أن هذه الإجراءات، إلى جانب توفير أشكال حماية أقوى لحقوق التصويت، سوف تعكس بالتأكيد المبادئ الديمقراطية، وستجد ما يبررها بالكامل تحت اسم المساواة والحرية.

وبطبيعة الحال، يرى مشجع ترامب الرئيس، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، أي اقتراح مماثل مؤيد للديمقراطية بمقام محاولة لانتزاع السلطة. ذلك لأنه لا يستطيع التفكير في أي مصطلحات أخرى.

فهو ملتزم تماماً استبداد الأقلية - النتيجة التي سعى مؤسسو الولايات المتحدة بالأساس إلى منعها. صحيح أنه لا يجب الاستخفاف أبداً بقرار اللعب بشراسة في إطار الدستور. ولكن من الضروري أن يُتخذ ذلك القرار عندما يُساهم الالتزام الدقيق بالمعايير من أجل الديمقراطية في فوز أعداء الديمقراطية.

* أستاذ السياسة في جامعة برنستون وزميل في معهد الدراسات المتقدمة في برلين. وهو مؤلف كتاب «قواعد الديمقراطية».

Email