دوامة الاتحاد الأوروبي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في أول خطاب لها عن حالة الاتحاد الأوروبي، قدمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عرضاً شاملاً للوضع الراهن. لقد سلطت الضوء على الإنجازات الأخيرة التي حققتها أوروبا وحددت الأهداف التي يتعين تحقيقها خلال السنوات المقبلة. لقد أولت اهتماماً كبيراً للصفقة الخضراء الأوروبية والأجندة الرقمية، ودعت إلى استكمال الاتحاد المصرفي وتكامل سوق رأس المال. في الأوقات العادية، كان من الممكن أن يكون هذا تفسيراً قوياً، إن لم يكن مُلهماً بشكل خاص. لكن هذه ليست أوقات عادية.

في الواقع، تُعد السياسات والإجراءات التي أشارت إليها فون دير لاين مُهمة للغاية. ولكن في هذه المرحلة، لن تعمل أي استراتيجية على تعزيز أسس الاتحاد الأوروبي بشكل كافٍ. لن يُساهم أي برنامج أو زيادة في الميزانية في تقدم الاتحاد. كما لن يضمن أي قدر من الديون العامة بقاءه. من أجل البقاء والازدهار، تحتاج أوروبا إلى رؤية شاملة تستوعب اتساع نطاق التحديات التي تواجهها، وتخلق إحساساً بالهدف المشترك بين جميع المواطنين، وتحفز الدعم الشعبي. لطالما روج قادة الاتحاد الأوروبي لمفهوم أجوف للمواطنة الأوروبية، وهو مفهوم يُركز على الحقوق بدلاً من المسؤوليات وتقاسم الأعباء. لقد أظهروا ما يفعله الاتحاد الأوروبي، ولكن ليس ما يهدف إليه. ويرفض الكثيرون حتى مناقشة هذا السؤال.

يعتقدون أن الإجابة واضحة: أوروبا أمر لا مفر منه، والأوروبيون مرتبطون ببعضهم البعض بشكل وثيق في مجتمع له المصير نفسه. لكن العديد من المواطنين يرون الأمور بشكل مختلف. إذا لم يتم منحهم إجابة مُقنعة، فإن الحتمية الوحيدة ستكون انهيار الاتحاد الأوروبي.

تمت الإشارة إلى مؤتمر مستقبل أوروبا في مقطع عابر في خطاب فون دير لاين، حيث ناقشت تنظيم الكفاءات الصحية في مرحلة ما بعد الوباء داخل الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، رفض المجلس الأوروبي بالفعل إمكانية إجراء أي تغيير للمعاهدة الناتجة عن المؤتمر. كلما زاد تفاعل المواطنين مع أوروبا، قلّت حاجتهم إلى حكوماتهم الوطنية للعمل كوسطاء.

وقد أدت المخاوف نفسها أيضاً إلى معارضة فرض ضريبة على المستوى الأوروبي، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الاتحاد الأوروبي مسؤولاً بشكل مباشر أمام المواطنين. ولكن إذا لم تكن للمبادرة أي رهانات حقيقية، فلن تجذب أي دعم من المواطنين. ينطبق الأمر نفسه على المشروع الأوروبي على نطاق أوسع: إذا لم يشعر المواطنون بأي إحساس بالملكية تجاه الاتحاد الأوروبي وأن مصيرهم مرتبط بمصير زملائهم الأوروبيين، فلن يُقدموا أبداً أي شيء سوى الدعم السلبي.

لقد حان الوقت للخروج من هذه الدوامة. باختصار، إذا أراد الاتحاد الأوروبي الاستمرار، فسيتعين عليه في النهاية تغيير المعاهدات. لن يكون ذلك ممكناً إلا بدعم فعلي من الأوروبيين، كما لا يمكن أن تنتهي الأمور بشكل جيد بالنسبة للبعض إلا إذا كان الجميع راضياً. إن الاستقطاب والانقسام اللذين يُميزان البيئة السياسية القائمة ليست أعذاراً لتأجيل العمل على تحقيق التقدم. يمكن أن يساعد وباء «كوفيد 19» في هذه المرحلة، ليس فقط من خلال تسليط الضوء على مدى تشابك مصائرنا، ولكن أيضاً عن طريق تغيير الطريقة التي نعيش ونفكر بها.

* وزيرة خارجية إسبانيا السابقة والمستشار العام لمجموعة البنك الدولي، ومحاضرة زائرة في جامعة جورج تاون.

Email