البنوك المركزية ولحظة الحقيقة

هاورد ديفيز - رئيس مجلس إدارة البنك الملكي الاسكتلندي (RBS).

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال الخطاب الذي ألقاه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول في مؤتمر جاكسون هول لمحافظي البنوك المركزية الشهر الماضي، حيث قام بتقديم نتائج المراجعة السنوية لإطار عمل السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، كانت نظراته تلمعان بنجمين (نجم سعر الفائدة الحقيقي المتوازن، ونجم المعدل الطبيعي للبطالة) فقط بشكل رمزي، ولكنها كانت علامة تُلخص آراء بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة والبطالة.

يبدو أن كلا النجمين عرفا تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وعلى عكس الأغنية القديمة، واجه الاحتياطي الفيدرالي صعوبة في اللحاق بهما. منذ عام 2012، عندما أعاد الاحتياطي الفيدرالي تحديد أهداف سياسته، يعتقد أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، في المتوسط، أن سعر الفائدة الحقيقي المتوازن قد انخفض من 4.25 % إلى 2.5 %، بينما انخفض متوسط تقدير المعدل الطبيعي للبطالة من 5.5 % إلى 4.1 %.

ارتبطت هذه الانخفاضات بما أسماه باول نفسه بـ «استمرار انخفاض معدل التضخم مقارنة بهدفنا على المدى الطويل البالغ 2 %». لقد وجدوا أن انخفاض توقعات التضخم وتراجع أسعار الفائدة يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي وجد نفسه عند الحد الأدنى الفعال لأسعار الفائدة لفترات طويلة، مما يُشير إلى مرونة أقل لتحفيز الطلب عند الضرورة. تتمثل إحدى النتائج في أن معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة قد بلغ 1.75 % فقط خلال العقد الماضي، وكان هذا الهدف بعيدًا عن هدف 63 % الذي تم تحديده في ذلك الوقت.

والنتيجة هي ما تُطلق عليه سلف باول، جانيت يلين «تحولاً دقيقًا للغاية» في السياسة، لكن يمكن أن يكون لهذا التحول تأثير حاسم مع مرور الوقت. اخترع باول اختصارًا جديدًا - «FAIT»: وهي كلمة فرنسية عادةً ما تكون مصحوبة بكلمة «مُنجز»، مما يعني أن المهمة أُنجزت. لكن هذا الاختصار يُشير إلى متوسط مرن (2 %) لهدف التضخم، والذي سيستغرق بعض الوقت حتى يؤتي ثماره.

تتلخص الفكرة في أنه إذا انخفض التضخم المُحَقق إلى أقل من 2 %، يجب أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي على استعداد للسماح له بتجاوز هذا المعدل للتعويض عن الخسارة. وعند تقييم معدل البطالة، على صناع السياسة الأخذ بعين الاعتبار «نقص العمالة»، بدلاً من «الانحرافات» المرتبطة بأعلى مستوياتها.

هذا تمييز دقيق، لكنه يعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد يسمح للعمالة بالارتفاع فوق الحد الأقصى لبعض الوقت، طالما أن معدل التضخم لا يتسارع. في الماضي، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل استباقي. ولكن الشكوك لا تزال قائمة.

فكيف سيقوم الاحتياطي الفيدرالي بقياس المعدل الطبيعي للبطالة في المستقبل؟ وما هي الفترة التي سيقوم فيها بتحديد عجز التضخم؟ إذا كان مستوى الأسعار الآن أقل بكثير من 3 % حيث كان يمكن تحقيق الهدف؟.. يمكننا معرفة الإجابات فقط مع مرور الوقت.

لا يزال البنك المركزي الأوروبي في خضم مراجعة سياسته الخاصة، والتي أطلقتها رئيسته الجديدة كريستين لاجارد في يناير الماضي. لدى البنك المركزي الأوروبي أسبابًا أكثر من بنك الاحتياطي الفيدرالي لفحص تقدمه.

تتمثل إحدى التحديات في أن البنك المركزي الأوروبي ليس لديه تفويض مزدوج مثل تفويض بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقد تشمل المراجعة الأساسية الحكومات، وربما تغيير الاتفاقية، مما يُشكل منطقة خطرة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي.

يبدو أن البنوك المركزية قد وصلت إلى لحظة «نهاية التاريخ» في منتصف التسعينيات، عندما انتشر استهداف التضخم في جميع أنحاء العالم بعد نجاحه في نيوزيلندا. بعد جيل، بدأ التاريخ من جديد، مع عواقب غير متوقعة.

 

 

Email