تعاون أمريكا والصين ضرورة ملحة

ريتشارد هاس - رئيس مجلس العلاقات الخارجية في أمريكا، وصدر له مؤخراً كتاب بعنوان «العالم: مقدمة موجزة».

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدث مراقبو العلاقات الأمريكية الصينية، بصورة متزايدة، عن حرب باردة جديدة. فإلى جانب خوض البلدين لحرب تجارية طويلة الأمد، دخلا الآن في دائرة من العقوبات المتبادلة، وإجراءات إغلاق القنصليات، والخطابات الرسمية التي تتزايد عدائية. وهناك جهود تُبذل لفصل الاقتصاد الأمريكي عن الاقتصاد الصيني، في وقت تتصاعد فيه التوترات في كل من بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.

إن اندلاع حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين من شأنها أن تجعل كلا البلدين والعالم أسوأ حالاً. وستكون خطيرة ومكلفة، لأسباب ليس أقلها أنها ستحول دون التعاون المطلوب فيما يتعلق بمجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية.

إن الخبر السار هو أن هذه النتيجة ليست حتمية؛ أما النبأ السيئ فهو أن احتمال نشوب حرب باردة ثانية في الوقت الحاضر، أكبر بكثير مما كان عليه قبل شهور فقط. والأسوأ من ذلك هو أن احتمال نشوب حرب فعلية نتيجة حادثة تورطت فيها جيوش الدول هو أكبر أيضاً.

لماذا يحدث هذا؟ يقول البعض إن المواجهة بين الصين وأمريكا لا مفر منها، وهذا ناتج عن الاحتكاك بين القوى الراسخة والقوى الصاعدة في يومنا هذا. ولكن وجهة النظر هذه تغفل عن مراحل عدة من التاريخ لم تؤدِّ فيها هذه التحولات في السلطة إلى نشوب حرب؛ بل تقلل أيضاً من أهمية القرارات التي اتُّخذت بالفعل، والتي لم تُتخذ بعد. ومهما كانت الظروف، بالكاد هناك ما لا مفر منه في التاريخ.

لقد أدت عوامل وقضايا كثيرة إلى احتدام الحساسيات والصراعات بين الصين والولايات المتحدة، ما زاد من التوترات الأساسية الناجمة عن مسائل حيوية. ولم تتحقق الآمال في أن يؤدي الاندماج في الاقتصاد العالمي إلى تجاوز هذه القضايا.

وعموماً، سيكون من الخطأ أن نعَزْو وجهات النظر الأمريكية المتغيرة بشأن الصين إلى السياسة الداخلية الأمريكية في المقام الأول. فأكثر سياسات الصين صرامة ستستمر بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وفي الواقع، يمكن أن تصبح سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين أكثر أهمية بقيادة رئيس مثل جو بايدن، الذي ستكون إدارته أقل انشغالاً بالتفاوض بشأن اتفاقيات التجارة الضيقة، وأكثر تركيزاً على معالجة الجوانب الأخرى المزعجة للسلوك الصيني.

وعلى المدى القصير، يجب على كلا الجانبين أن يكفلا أن الاتصالات في حالة الأزمات جيدة، حتى يتمكنا من الرد بسرعة على حادثة عسكرية وإبقائها محدودة. وبإيجابية أكثر، يمكن للحكومتين إيجاد أرضية مشتركة من خلال إتاحة لقاح لفيروس كوفيد- 19 للآخرين، أو مساعدة البلدان الفقيرة على إدارة التداعيات الاقتصادية للوباء، أو كلا الأمرين.

وبعد الانتخابات الأمريكية، يتعين على الحكومتين بدء حوار استراتيجي هادئ لتطوير قواعد تُفضي بهما نحو العلاقات الثنائية. وستحتاج الولايات المتحدة إلى التخلي عن الآمال غير الواقعية في أن تتمكن من تعزيز تغيير النظام في الصين، والتركيز بدلاً من ذلك على تشكيل سلوك الصين الخارجي.

وسيتعين على الصين أن تقبل أن هناك حدوداً لما ستتحمله الولايات المتحدة وحلفاؤها، عندما يتعلق الأمر بالسلوكيات الأحادية التي تسعى إلى تغيير الوضع الراهن في بحر الصين الجنوبي، أو تايوان، أو مع جزر سينكاكو.

وعلى المدى الطويل، فإن أفضل أمل هو إنشاء علاقة مُدارة تنبني على المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، تلك التي من شأنها تجنب الصراع، والسماح بتعاون محدود عندما يكون ذلك في مصلحة كلا البلدين. وقد لا يبدو هذا بالشيء الكثير، لكنه طموح جداً بالنظر إلى الوضع الراهن وإلى ما سيؤول إليه.

 

 

Email