علاجات الوباء باستخدام الأجسام المضادة..فاعلية وفوائد

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في وقت حيث بدأت بلدان العالم تخفيف تدابير احتواء جائحة مرض فيروس «كورونا» 2019 «كوفيد19» تدريجياً، فإن منع انتشار فيروس «كورونا» من جديد من تجمعات العدوى الناشئة سيكون المفتاح إلى السيطرة على الجائحة. وسوف يتطلب هذا أن يسارع العالم إلى تطوير علاجات جديدة إبداعية مبتكرة.

حتى الآن، كان صناع السياسات يعتمدون على التدخلات غير الصيدلانية أو الدوائية، مثل الاختبار، وتتبع المخالطين، والحجر الصحي لمنع موجة ثانية من العدوى. من ناحية أخرى، ركز البحث عن علاجات وأدوية وقائية لـ«كوفيد19» على المنتجات التي ربما تتاح على الفور، وهذا يعني الأدوية الموجودة التي طورت في الأساس لعلاج حالات أخرى.

كان هذا النهج غير ناجح إلى حد كبير، رغم أن تجربة سريرية عشوائية أجريت مؤخراً في المملكة المتحدة كشفت أن كورتيكوستيرويد الديكساميثازون نجح في التقليل من الوفيات المرتبطة بـ«كوفيد19» في أكثر الحالات شدة.

من المؤكد أن اللقاحات تشكل ضرورة أساسية للتغلب على «كوفيد19». ولكن حتى حين تتوفر اللقاحات، إذا توفرت، سيستغرق الأمر عدة أشهر لتطعيم العدد الكافي من الناس حتى تصل المجتمعات إلى مستوى المناعة الجماعية اللازمة لوقف تقدم الفيروس.

ومن المرجح أن تتفاوت كفاءة أي لقاح اعتماداً على الخلفية الجينية للأشخاص، والأمراض المرتبطة بخلفياتهم، وأعمارهم. علاوة على ذلك، قد يكون الوصول إلى اللقاح أو مدى تغطيته محدوداً تبعاً لقدرات الإنتاج، والاعتبارات الاقتصادية، والمشاعر المناهضة للقاحات بين السكان.

هذا يعني أننا يجب أن نركز أيضا على تطوير أسلحة جديدة يمكنها أن تستهدف بشكل مباشر فيروس SARS-CoV-2، وهو الفيروس المسؤول عن إحداث «كوفيد19». وإلى جانب الأدوية الكيميائية المضادة للفيروسات، ربما تكون الأجسام المضادة المعدلة وراثياً مثالية لهذا الغرض.

مثل هذه الأجسام المضادة مصممة بدقة لتحييد البروتينات التي تسمح لفيروس SARS-CoV-2 باختراق الخلايا البشرية. وهي فضلا عن ذلك توفر مناعة فورية، وهو أمر بالغ الأهمية ليس فقط للحد من تلف أعضاء الجسم بل وأيضا لحماية العاملين القائمين على تقديم الرعاية الصحية والمخالطين للشخص المصاب.

ظهر المفهوم الذي استند إليه هذا النمط من العلاج المناعي لأول مرة في فرنسا وألمانيا قبل أكثر من قرن من الزمن، عندما أنقذت الأجسام المضادة التي احتوى عليها مصل الحيوانات المحصنة أرواح الآلاف من الأطفال أثناء انتشار أوبئة الدفتيريا (الخناق).

ويكمن ذات المبدأ وراء التجارب السريرية الحالية التي تستخدم البلازما من مرضى «كوفيد19» الذين تم شفاؤهم. ولكن لأن ليس جميع الأجسام المضادة قادرة على الوقاية ــ الواقع أن بعض الأجسام المضادة قد تفضي حتى إلى تفاقم المرض ــ يركز الباحثون على تلك المعروفة بنشاطها المضاد للفيروسات.

إن الهندسة الوراثية المعاصرة قادرة على إنتاج أجسام مضادة محددة للغاية. ورغم أن هذه العوامل البيولوجية معروفة بقدرتها على إحداث ثورة في علاج السرطان وأمراض المناعة الذاتية، فإن هناك بالفعل من الأدلة ما يشير إلى فعاليتها كعوامل مضادة للعدوى.

على سبيل المثال، يُـسـتَـخـدَم الجسم المضاد المعروف باسم palivizumab للوقاية من عدوى الفيروس المخلوى التنفسي عند الرضع، في حين تبين أن أجساماً مضادة أخرى قادرة على الوقاية من مرض الجمرة الخبيثة أو علاجه.

كما أثبتت أجسام مضادة أخرى فعاليتها في مساعدة الأشخاص المصابين بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية الذين تقاوم أجسامهم العلاجات السارية. ومؤخراً، تبين أن مزيجاً من الأجسام المضادة التي تنتظر الموافقة قريباً من قِـبَـل إدارة الأغذية والأدوية قادر على الحد من الوفيات بمرض إيبولا.

الآن، تستخدم شركة Regeneron Pharmaceuticals، الشركة الأمريكية التي تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، والتي أنتجت الأجسام المضادة لفيروس إيبولا، تكنولوجياتها الخاصة لتطوير مزيج من اثنين من الأجسام المضادة لـ«كوفيد19» والتي تُـخـتَـبَـر حاليا ضمن التجارب التي تجرى على البشر.

في السابع من يوليو، أعلنت Regeneron Pharmaceuticals، أنها أبرمت عقدا بقيمة 450 مليون دولار أمريكي لتصنيع وتوريد مزيج الأجسام المضادة كجزء من عملية هيئة مشاريع البحث والتطوير المتقدمة في مجال الطب الحيوي المعروفة باسم «Warp Speed». وتعكف شركات أخرى كثيرة على تطوير أجسام مضادة بمساعدة من تمويل من حكومة الولايات المتحدة عن طريق شراكة تسريع التدخلات العلاجية ولقاحات «كوفيد19».

تشمل هذه المبادرة هيئة مشاريع البحث والتطوير المتقدمة في مجال الطب الحيوي، والمعاهد الوطنية للصحة، وإدارة الأغذية والأدوية، ووزارة الدفاع الأمريكية، جنباً إلى جنب مع شركات الأدوية الكبرى والمنظمات الخيرية مثل مؤسسة بل وميليندا جيتس.

من المؤسف أن علاجات الأجسام المضادة تحظى حالياً بقدر أقل من الاهتمام في إطار الاستجابة العالمية لفيروس «كورونا» التابعة للمفوضية الأوروبية. يهدف هذا الجهد، الذي طورته المفوضية بالتعاون مع منظمات أخرى حكومية، وشركات، ومنظمات خيرية، إلى دعم القدرة على الوصول إلى مبادرة معجل أدوات «كوفيد19»، الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية وشركاء عالميين آخرين في أبريل.

لكن تقارير وحدة الاستخبارات الاقتصادية تفيد أن معجل علاجات لـ«كوفيد19»، المشارك في مبادرة معجل أدوات «كوفيد19»، استثمر 59 مليون دولار فقط، أغلبها في التجارب السريرية التي تستكشف الفوائد المحتملة للأدوية التي أعيد تحديد أغراضها.

لا يزال هناك العديد من التحديات التي يجب التصدي لها قبل أن يصبح في الإمكان انضمام الأجسام المضادة المعدلة وراثياً إلى المعركة ضد «كوفيد19». وتشمل هذه التحديات زيادة استقرار الأجسام المضادة في الكائنات الحية للتوصل إلى العدد المثالي من الجرعات المطلوبة، وخفض تكاليف التصنيع لجعل العلاج مجديا من الناحية الاقتصادية.

الآن، يتعين على مؤسسات التمويل أن تستثمر المزيد من الموارد للتغلب على العقبات المتبقية. والمكافآت المحتملة ستكون هائلة: علاجات الأجسام المضادة التي لا تسيطر بسرعة على تكاثر الفيروس في مرضى «كوفيد19» وحسب، بل وربما تنجح أيضاً في منع إصابة الأفراد المعرضين للخطر بعدوى المرض.

* المؤسس والمدير المشارك لمعهد الابتكار المتعدد التخصصات في مجال الرعاية الصحية (I3h) وأستاذ علم المناعة في جامعة بروكسل الحرة، كما شغل سابقاً منصب المدير التنفيذي لمبادرة الأدوية المبتكرة في الفترة من 2009 إلى 2014.

** كبير زملاء المعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية في جنيف وعضو اللجنة العالمية المعنية بوضع سياسات التعامل مع العقاقير، وشغل سابقاً منصب المدير التنفيذي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا في الفترة من 2007 إلى 2012.

ميشيل جولدمان *

ميشيل كازاتشكين **

Email