المجتمع الأمريكي وعقبات الازدهار

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكشف موجة الغضب والسخط التي تجتاح الولايات المتحدة رداً على مقتل جورج فلويد على يد شرطي في مينيابوليس، عن الكثير من المسائل والتفاصيل الخفية في المجتمع الأمريكي. إذ مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى بعد أقل من ستة أشهر، تعاني الولايات المتحدة من هذه الأحداث. ومع ذلك، إذا نظر المرء إلى الأزمة الثلاثية وهي «كوفيد 19»، والاكتئاب الاقتصادي، والاحتجاجات الجماهيرية وأعمال الشغب، يمكنه أن يلْمح فرصاً محتملة هائلة.

وكما أبين في كتابي الجديد، «أمريكا بعيون أجنبية»، منذ أن توقفت الولايات المتحدة عن كونها مجتمعاً للطبقة المتوسطة، بدءاً من أوائل ثمانينيات القرن الماضي، أصبحت تتعرض لعقبات كثيرة في مشروع الازدهار. هناك مسائل عديدة تحتاج إلى معالجة، بينها إعادة تأهيل شبكة الأمان، ناهيك عن عقده الاجتماعي ذي النطاق الأوسع. وسأستشهد على ذلك بأحدث مثال، وهو محاولات الرئيس باراك أوباما إصلاح نظام الرعاية الصحية الأمريكي، الذي تشوبه عيوب واختلالات وظيفية كبيرة. فعلى الرغم من توقيع قانون الرعاية بأسعار معقولة في عام 2010، إلا أنه يحتوي على العديد من الثغرات والتدابير الناقصة.

إن العِرق قضية رئيسية حساسة في التطور السياسي الأمريكي. إذ دائماً ما شددت الفوارق العرقية على ضرورة توسيع العقد الاجتماعي كي لا يقتصر على الذكور البيض الذين عملوا بدوام كامل في وقت ما في الماضي. ولكن استمرار هذه الفوارق يشير إلى أن هناك عقبات هائلة تقف في طريق التغيير. إن جهود ترامب الساخرة لإثارة الاستياء العنصري رداً على الاحتجاجات الحالية ترمز إلى مشكلة أعوص. إذ بنفس الأسلوب جرت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي سرعان ما أقصى جميع المرشحين ذوي البشرة السوداء.

إن تدفق الإحباط والغضب عقب وفاة فلويد، أعاد التركيز مرة أخرى على الأسئلة في خصوص هذه القضية. إذ خلال العام الماضي، أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن الأمريكيين يؤيدون المقترحات لتوسيع شبكة الأمان، وتشديد السيطرة على الأسلحة، وتوفير جامعة دون رسوم دراسية. وعلى نحو متزايد، يتقبل عامة الناس فكرة أن الأمريكيين من أصول أفريقية لا يزالون يتحملون تكاليف العنصرية النظامية، بما في ذلك التضييق على الأحياء، والتمييز في مكان العمل، والحبس الجماعي، وإساءة المعاملة على أيدي الشرطة.

إن الانفجار الحالي للغضب سيعزز هذه التحولات في المشاعر، مهما كانت العواقب الانتخابية. وينطبق الشيء نفسه على جائحة «كوفيد 19» والعقبات الاقتصادية الأوسع نطاقاً. إذ دفعت الفوارق العرقية والاجتماعية الاقتصادية التي كشفتها الأزمتان بالقادة السياسيين، والخبراء، والمعلِقين من اليسار إلى اليمين المعتدل إلى الاتفاق على أن شبكة الأمان الأمريكية في حالة يرثى لها. وقد كشف الوباء عن نقاط ضعف وأوجه القصور في التأمين ضد البطالة في والبرامج الاجتماعية الأخرى.

وبسبب الأزمة الثلاثية المتمثلة في الوباء، والاكتئاب، والاضطرابات المدنية، هناك وعي متزايد بين الديمقراطيين بأن هزيمة الخصم في نوفمبر لن تكون كافية. إذ تشير مجموعات التركيز التي أنشأها جو بايدن، المرشح المفترض للحزب، والمناقشات المستمرة لحملته مع زملائه المحتملين، إلى إدراك أن الأزمة أخطر مما كان متوقعاً في الأصل، وستتطلب تغييراً جذرياً.

* وزير خارجية المكسيك سابقاً، ويشغل حالياً منصب أستاذ في جامعة نيويورك.

opinion@albayan.ae

Email