هل تعمق الجائحة فجوة التفاوت بين الجنسين؟

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يواجه ما يقدر بنحو 1.5 مليار شخص حول العالم مشاكل قانونية لا يمكن حلها، في حين يُـستَـبـعَـد 4.5 مليارات شخص ــ وخاصة النساء، والفقراء، وغير ذلك من المستضعفين ــ من أشكال الحماية والفرص التي يوفرها القانون.

صحيح أن الأخبار ليست كلها سيئة. إذ يرمي الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة إلى «توفير القدرة على الوصول إلى العدالة للجميع»، في حين تنظر تدابير مكافحة الفقر المتعددة الأبعاد على نحو متزايد في المؤشرات المرتبطة بالعدالة. علاوة على ذلك، ساعدت طرق جمع البيانات المحسنة والإحصاءات العالمية والوطنية المتاحة بسهولة في تحسين سبل قياس فجوات العدالة وسد فجوات البيانات الحرجة.

لكن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) تخلق المزيد من العقبات أمام المساواة في القدرة على الوصول إلى العدالة، وخاصة بالنسبة إلى النساء.

فمن المرجح أن تكون الاستجابات للجائحة شديدة التمييز بين الجنسين (النوعين الاجتماعيين)، ما يعني أن النساء المهاجرات، والمعوقات، والمنتميات إلى الشعوب الأصلية يعانين من حرمان مضاعف. وعلى هذا فإن ضمان عدم تسبب الأزمة الحالية في زيادة اتساع فجوات التفاوت القائمة على أساس النوع الاجتماعي يشكل أهمية بالغة.

كانت هذه الفوارق ظاهرة بالفعل قبل الجائحة، حيث تواجه نساء عديدات معركة شاقة لاكتساب القدرة على الوصول إلى العدالة. على الرغم من الإصلاحات القانونية العديدة، لا تحظى المرأة في مختلف أنحاء العالم إلا بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجل، وترتبط أسوأ أوجه التفاوت بالعلاقات الأسرية، وتشغيل العمالة، والسيطرة على الأصول الاقتصادية، والعنف.

لا تواجه النساء بالضرورة مشاكل قانونية أكثر من تلك التي يواجهها الرجال. لكنهن يملن إلى مواجهة مشاكل بعينها في ما يتصل بقضايا مثل النفقة وإعالة الأطفال، والعنف، والافتقار إلى الهوية القانونية، والقدرة على الوصول إلى شبكات الأمان الاجتماعي. في الإجمال، يُـعَـد التأثير الاجتماعي الاقتصادي المترتب على مثل هذه المشكلات بالغ الضخامة.

علاوة على ذلك، تفتقر النساء في كثير من الأحيان إلى الموارد المالية والشبكات الاجتماعية التي تمكنهن من الإبحار عبر أنظمة العدالة القضائية.

وربما تمنعهن المعايير الاجتماعية، الأكثر تقييداً من القوانين غالباً، من اتخاذ إجراءات قانونية. وحتى عندما يتحركن على هذا المسار، فإن المسؤولين العموميين المنحازين على أساس النوع الاجتماعي ربما يقوضون تحركاتهم. وربما تفتقر المرأة، التي يتوجب عليها بالفعل أن تعمل على إيجاد التوازن بين رعاية الأسرة والوظيفة الرسمية أو غير الرسمية، إلى ما يكفي من الوقت للجوء إلى المحكمة.

صحيح أن المحاكم ليست السبيل الوحيد للبحث عن العدالة، لكنها تُـعَـد سبيلاً بالغ الأهمية، وقد كشفت جائحة «كوفيد 19» عن نقاط الضعف التي تعيبها. كانت المحاكم تقليدياً بطيئة في تبني التكنولوجيا، وهي تعتمد بشكل مفرط على حضور المتقاضين شخصياً، وكانت تكافح من أجل جعل خدماتها في متناول الأشخاص الذين لا يمكنهم توكيل محام أو الحصول على غير ذلك من المساعدة القانونية.

ومن الواضح أن فهم لغة المحاكم المتخصصة أمر صعب بدون الحصول على شهادة في القانون، في حين نجد أن ذلك النوع من الأساليب التي تركز على العميل في الخدمات العامة الأخرى نادر.

في الاستجابة للجائحة، تعكف المحاكم على تغيير ممارساتها على النحو الذي ربما يؤدي إلى تحسين القدرة على الوصول، بما في ذلك من خلال تبني التكنولوجيا لتبادل المعلومات وإجراء المعاملات مثل تقديم الالتماسات وطلب أوامر الحماية.

وقد أصبحت جلسات الاستماع عن بُـعـد باستخدام الهواتف والفيديو من الممارسات المعتادة الجديدة، كما صار من الممكن تقديم بعض خدمات المحاكم عن طريق البريد الإلكتروني والرسائل النصية. ولكن في حين يجب أن يكون احتضان التكنولوجيا على هذا النحو الجديد موضع ترحيب، فإن المستضعفين، بما في ذلك النساء، معرضون لخطر التخلف عن الركب.

كما تبنت المحاكم نهج الفرز أثناء الأزمة، على سبيل المثال بتأجيل القضايا غير المستعجلة وتمديد الأوامر القضائية القائمة. واستفادت النساء من التمديد الشامل لأوامر الحماية وقرارات حضانة الأطفال. في عموم الأمر، يشير الفرز القضائي إلى الكيفية التي يمكن بها حل القضايا بقدر أكبر من الكفاءة في الأمد الأبعد.

أطلقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمملكة المتحدة بالفعل مبادرات لرصد أساليب خدمة المحاكم الجديدة والحصول على المكاسب. يُـنـظَر إلى مثل هذه البيانات على نحو متزايد على أنها ضرورية لدعم الإصلاحات القضائية.

وربما تكون هناك حاجة إلى إصلاحات كبيرة ودائمة، نظراً للتهديديات الإضافية التي تفرضها الجائحة وتداعياتها الاقتصادية. بادئ ذي بدء، من المرجح أن تؤدي المشاكل المالية والأسرية والصحية المتفاقمة إلى طفرة في معدلات العنف ضد النساء.

وبالفعل، تسجل ألمانيا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكندا مستويات متزايدة الارتفاع من العنف المنزلي وطلبات للحصول على مأوى للطوارئ. لكن عمليات الإغلاق وغير ذلك من تدابير الأزمة تسببت في قطع الطرق المعتادة لمعالجة العنف.

على نحو مماثل، من شأن الركود والبطالة التقليل من قدرة الرجال على سداد النفقة وإعالة الأطفال، مما يلزم المحاكم بإنفاذ أو تعديل قرارات سابقة. وربما تواجه النساء صعوبة في الحصول على إعانات الحماية الاجتماعية وغير ذلك من المزايا المرتبطة بالأزمة إذا كن يفتقرن إلى الأشكال القانونية لتحديد الهوية، أو ربما يستبعدن من المبادرات الإعلامية العامة، أو يفتقرن إلى الموارد المالية اللازمة لطلب المساعدة القانونية.

وسوف تصبح القيود المالية المفروضة على النساء متزايدة الشدة، لأن الجائحة من المرجح أن تؤدي أيضاً إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية القائمة بين النوعين الاجتماعيين، مما يزيد من ضعف قدرة النساء على الوصول إلى العدالة. على سبيل المثال، ربما تفقد النساء اللاتي يتوفى أزواجهن بسبب «كوفيد 19» القدرة على الوصول إلى مصادر الثروة مثل الأرض والمدخرات.

وفي غياب سبل الحماية القانونية الخاصة القادرة على منع الفجوات الاقتصادية من الاتساع، فإن خسارة الأصول من شأنها أن تزيد من صعوبة تعامل النساء مع أنظمة العدالة أو تحمل تكاليف المساعدة اللازمة. في العديد من البلدان، يعتمد الفقراء بشكل غير متناسب على خدمات المساعدة القانونية، والتي ثبت أنها لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية إيجابية على النساء وأسرهن. لكن الانكماش الاقتصادي الحاد من المرجح أن يهدد هذه الموارد أيضاً.

أخيراً، ربما تُـفـضـي الأزمة إلى ردة فعل عكسية ضد المعايير الاجتماعية، مما يقوض قدرة النساء على تحدي القوانين والممارسات غير العادلة. كما قد تؤدي الأزمة إلى إضعاف عملية تطبيق إصلاحات قوانين الأسرة والعمل التي أفادت النساء.

هناك طريقتان لتخفيف هذه المخاطر. أولاً، لا يجب أن يُـسـمَـح للجائحة بتوسيع فجوة العدالة بين النوعين الاجتماعيين. ويتطلب هذا تقييم ما إذا كانت الاستجابة القضائية للجائحة لتخلف عواقب سلبية مخطط لها أو غير مقصودة على النساء. يتعين علينا أن ننظر إلى النوع الاجتماعي في سياق أبعاد أخرى متداخلة للحرمان مثل الفقر، والعِـرق، والإعاقة، واللغة، والموقع.

ثانياً، تتيح لنا الأزمة الفرصة للإضافة إلى معرفتنا المتنامية للأساليب الناجحة في تحسين قدرة النساء على الوصول إلى العدالة. ويستلزم هذا رصد وتقييم المبادرات الجديدة وجمع البيانات. وفي المقام الأول من الأهمية، ينبغي لنا أن نجعل التدابير التي تساعد على سد فجوة العدالة بين الجنسين دائمة وقابلة للتوسع حسبما تقتضي الضرورة، بدلاً من اعتبارها مؤقتة وقابلة للإلغاء.

كبيرة نواب مجموعة البنك الدولي ومستشارته العامة، ونائبة رئيس الامتثال في البنك الدولي.

كبير متخصصين في البنك الدولي.

Email