دستور ألمانيا والسيادة الأوروبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالإضافة إلى أزمة اليورو، والخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وجائحة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19)، تواجه أوروبا الآن أزمة دستورية، حيث تتصارع محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي والمحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية حول سياسات البنك المركزي الأوروبي.

ورغم أن هذه الأزمة الأخيرة اندلعت في لحظة غير مناسبة، فإن نُـذُرها كانت قائمة بالفعل، والتي تمثلت في سلسلة من الأحكام والآراء السابقة بشأن سياسات البنك المركزي الأوروبي، وبالتالي ما كان ينبغي لهذه الأزمة أن تفاجئ أي شخص.

في حكمها الأخير، اتهمت المحكمة الدستورية الألمانية محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بتجاوز تفويضها الرسمي، وتوظيف استدلال تعسفي في حكمها الصادر في ديسمبر/‏‏كانون الأول 2018 لصالح البنك المركزي الأوروبي. لكن الغضب الواسع الانتشار إزاء قرار المحكمة الدستورية الألمانية يشير إلى انفصال واضح بين ما قد يتمناه العديد من المعلقين والواقع القانوني.

على الرغم من وجود تسلسل هرمي للسلطة بين المحكمتين بشكل واضح في ما يتصل بمسائل السياسة النقدية، فإنه يغيب في مجالات السياسة الأخرى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بسياسات الإنقاذ المالي الشاملة غير التقليدية التي لاحقها البنك المركزي الأوروبي في السنوات الأخيرة باستخدام أموال من مطبعة النقود.

كان من الواجب تفويض البنك المركزي الأوروبي على وجه التحديد بتنفيذ مثل هذه التدابير بموجب المادة الخامسة من معاهدة الاتحاد الأوروبي. لكنه لم يُـمـنَح هذا التفويض.

علاوة على هذا، لا يتمتع الاتحاد الأوروبي ومؤسساته بوضع السيادة المطلقة، كما يتصور بعض المراقبين. بموجب معاهداتها الحالية، فإن أوروبا بعيدة كل البعد عن وضع الدولة الذي ربما يكون مرغوباً والذي يمنح البنك المركزي الأوروبي ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي صلاحيات مشابهة لتلك التي تتمتع بها مؤسسات مماثلة في الدول القومية أو الاتحادات الكونفدرالية.

في الوقت الحالي، تعتبر الدول القومية في أوروبا حاكمة لمعاهدات الاتحاد الأوروبي، وبموجب هذه المعاهدات تمكنت أعلى المحاكم في الدنمارك وجمهورية التشيك، في قضايا أخرى، من النطق بأحكام خارج الاختصاص وتنفيذها ضد قرارات محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.

لا يتمتع الاتحاد الأوروبي ولا محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بالوسائل القانونية اللازمة لفرض سياسة خاصة على الدول. وكان قرار المحكمة الدستورية الألمانية تذكرة ضرورية بأن الاتحاد الأوروبي مجتمع قائم على سيادة القانون، وأن البلدان الأعضاء ذات السيادة فقط هي القادرة على تطويره.

ولا يمكن تطويره بشكل تعسفي من خلال توسيع نطاق اختصاص محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، أو عن طريق قرارات صادرة عن هيئة تكنوقراطية مثل مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي.

من المؤكد أن الدول ذات السيادة في الاتحاد الأوروبي ينبغي لها أن تقف صفاً واحداً، وأن تساعد أولئك الذين تضرروا بشدة من جراء الأزمة ــ في المقام الأول من الأهمية إيطاليا التي كانت أول دولة أوروبية تتأثر بالجائحة، والتي عانت من 31 ألف وفاة بسبب (كوفيد 19)، وهو أعلى رقم في الاتحاد الأوروبي.

ينبغي لدول الاتحاد الأوروبي أن تتكاتف لتشكيل اتحاد سياسي من شأنه في واقع الأمر أن يمكن الكتلة من تحقيق سيادتها المنشودة.

لا ينبغي لمثل هذا الاتحاد أن يتضمن في المقام الأول «شيوع المحفظة». تعتمد مطالبة الاتحاد السياسي بالسيادة في المقام الأول والأخير على إنشاء جيش أوروبي، بكل ما ينطوي عليه هذا من تفاصيل. أما مجرد إنشاء اتحاد مالي فإن هذا من شأنه في واقع الأمر أن يسد الطريق إلى إقامة اتحاد سياسي، لأن بعض البلدان الأعضاء ستقدم المال في حين تحتفظ أخرى بالبطاقات العسكرية الفائزة.

* أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة ميونيخ، وعضو المجلس الاستشاري لوزارة الاقتصاد الألمانية حالياً.

Email