«كورونا» وخريطة القوى العالمية الجديدة

كارل بيلديت - رئيس وزراء سابق للسويد، ووزير الخارجية.

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن العالم يعيش أول أزمة عالمية في عصر تبدلت وتراجعت فيه سيطرة قوى عالمية مهمة، وستحدد تداعيات جائحة كوفيد 19 شكل العالم لسنوات عديدة مقبلة.

فعلى مدار القسم الأكبر من هذا القرن، دائماً ما كانت الولايات المتحدة تبادر في أوقات الأزمات، لتتولى القيادة في مهمة معينة. وكان هذا الدور يحظى أحياناً بالترحيب. ولم تكن نتائجه كما خطط لها دائماً. ولكن الغريزة الأمريكية الأساسية للقيادة كانت حاضرة. وأياً كانت العواقب، فقد اعتادت باقي دول العالم على ذلك.

ونظراً لوجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، انتهى عصر القيادة الأمريكية. وفي عهد باراك أوباما، كانت الولايات المتحدة تقلص التزاماتها العالمية، وذلك لأنها أدركت عدم توفرها على الموارد اللازمة لمعالجة كل مشكلة. ولكن، حتى وإن كانت الولايات المتحدة «تقود من الخلف»، في بعض الأحيان، فقد كانت تتولى القيادة.

وتحول ما قد يكون اعترافاً بالضرورة في عهد أوباما إلى مبدأ لا جدال فيه، تعلِن عنه أصوات بقوة. وفيما يتعلق بمسألة دور أمريكا في العالم، تمارس الادارة شعار ومنهج «أمريكا أولاً، وليتولى الآخرون، كل بمفرده، شؤونهم، هي الرسالة الواضحة من البيت الأبيض».

لقد تم الكشف، حالياً، عن تداعيات هذا التغير على العالم الحقيقي. وتقوم الصين بملء فراغ القيادة، من خلال مجاملة الحكم العالمي، والسعي، في المقام الأول، إلى تطوير علاقاتها الثنائية. إذ أرسلت شحنات من الكمامات الصينية وغيرها من الإمدادات، مرفوقة برسالة تطلب فيها الصين الترحيب بها رسميا - أي الأعلام الوطنية وكل شيء ذي صلة.

ويبدو واضحاً أيضاً أنه كان يمكن فعل المزيد للحد من انتشار كوفيد 19خلال الأسابيع الأولى من تفشي الوباء، في ووهان. لقد ألحق هذا الفشل بحكومة الصين ضرراً تستحقه، وتعاملت تايوان الديمقراطية معه بصورة أفضل، وهو الشيء الذي لم يمر مرور الكرام.

وحين يأتي الوقت المناسب، ستكون هناك مناقشة أكثر انفتاحاً - وربما أكثر احتداماً - بشأن كيفية تعامل مختلف البلدان، والقادة، والمنظمات الدولية مع تحدي كوفيد 19. ومن المؤكد أن الصين ليست المكان الوحيد الذي تركت فيه الاستجابة الرسمية شيئاً مستحباً. لكن الأحداث تناقش وتحلل بعد انتهائها. والأولوية العاجلة هي تعبئة جميع الموارد المتاحة لاحتواء الوباء.

وعلى أي حال، إن لم تكن هناك استجابة دولية قوية ومستدامة، ماذا سيحدث في إندونيسيا، وباكستان، ومصر، ونيجيريا، والبرازيل، أو أي دولة رئيسية أخرى ذات كثافة سكانية حضرية؟ مع غياب أمريكا وتراجع مصداقية الصين، هناك حاجة ملحة لشخص ما لتولي زمام القيادة، والبدء في تعبئة استجابة منسقة، سواء من خلال منظمة الصحة العالمية، أو بطريقة أخرى. فالوباء يشبه حريق الغابات: إذا لم تطفئه في كل مكان، فأنت لم تقم بإخماده على الإطلاق.

هل يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتقدم إلى الأمام، أم أنه مرهق للغاية بسبب مشاكله الخاصة؟ هل يمكن تشكيل ائتلاف جديد تماماً للدفع بعجلة العمل، أم أنه قُدر للنظام الدولي أن يتطور أكثر ليتحول إلى خليط غامض من سياسات التعددية القطبية، وسياسات القوة، التي ترى أن الظاهرة العالمية الحقيقية الوحيدة هي الفيروس القاتل؟ إن هذه الأسئلة هي التي يجب على المرء طرحُها في عالم ما بعد أمريكا.

 

 

Email