أخطار مشتريات «الاحتياطي الفدرالي» من الديون

ديفيد آن - نائب رئيس الاستثمارات في «دايسون كابيتال للاستشارات الاستثمارية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خطاب ألقاه عام 2017، حذر جون وليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي في سان فرانسيسكو حينذاك، من توابع الأزمة المالية قائلاً: «بعد انتهاء الأزمة المالية، ها هي الأشياء تعود إلى وضعها الطبيعي، لكن هذا الوضع الطبيعي (الجديد) قد يبدو شكلاً وموضوعاً مختلفاً تماماً عما أنت معتاد عليه».

ومؤخراً حدد وليامز، المسؤول الآن عن رئاسة الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، أسباباً ثلاثة للهبوط المطرد في معدل النمو في الولايات المتحدة وهي: تقاعد أبناء الجيل المولود بعد الحرب العالمية الثانية بين عامي 1946 و1964، وانخفاض معدلات الخصوبة، وتدهور نمو الإنتاجية.

يمثل ضعف القوة العاملة وتردي نمو الإنتاجية سببين نظريين لحالات التباطؤ الاقتصادي، لكن في حالة الولايات المتحدة، يجب أن نضع في اعتبارنا أيضاً الآثار السلبية المعروفة للديون. هنا يشير وليام جيل، أحد مؤسسي مركز إيربان بروكينجز للسياسات الضريبية، في كتابه الأخير النظرية المالية إلى دراسات عديدة توضح أن «ارتفاع مستويات الدين يقلل النمو الاقتصادي بدرجات معتبرة اقتصادياً».

وتظهر خطورة مشكلة الدين الأمريكية جلية في تزايد وتيرة اضطرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي للتدخل في أسواق الديون الحكومية بعمليات التيسير الكمي، وإعادة الشراء (الريبو)، وشراء السندات لمنع أوجه العجز الضخمة، التي يقرها الكونجرس من رفع أسعار الفائدة وشل الاقتصاد.

بالمثل، نجد راي داليو، مدير صناديق التحوط البارز، في كتابه مبادئ لإدارة أزمات الدين الكبرى، يصف ويسجل ما فعلته البنوك المركزية تاريخياً عندما يفوق مستوى إصدار الدين الحكومي شهية السوق.

يرى «داليو» أن الاحتياطي الفدرالي يمر اليوم بموقف مشابه لما حدث في أوائل الأربعينيات، عندما اضطر لتمويل أوجه العجز الحكومي، بما يساعد على الفوز بالحرب العالمية الثانية. كان هذا العجز الناجم عن الحرب قراراً سياسياً، تماماً كشأن السياسة المالية العامة الحالية لأمريكا.

في مايو من عام 2019، استخدم أحدنا (داجر تحديداً) إطار داليو لإثبات أن الاحتياطي الفدرالي جازف مرة أخرى بالانزلاق إلى النوع الثالث من السياسات النقدية وفقدان استقلاليته. وبعد أشهر قليلة، تفاعل الاحتياطي الفدرالي مع أزمة أسواق إعادة الشراء (الريبو) ونقص الدولار بعمليات واسعة من إعادة الشراء وشراء سندات الخزانة لإبقاء أسعار الفائدة تحت السيطرة.

لو أضفنا إلى ذلك استمرار ضعف النمو وارتفاع مستويات الدين الحكومي، لوجدنا تلك التحركات تؤكد أن الاحتياطي الفدرالي أضحى بنكاً مركزياً يتبنى النوع الثالث من السياسات النقدية، لكن هذا «الوضع الطبيعي الجديد» ليس قابلاً للاستدامة.

ولن يفضي التمادي في «الوضع الطبيعي الجديد» إلا إلى تواصل الدائرة المفرغة للدين المستنزف للنمو، غير أن الخروج من هذه الورطة يتطلب تحولاً في التفكير يعكس تعاقب الأجيال. خلال الحرب العالمية الثانية، كان التهديد الوجودي يتمثل في الإمبريالية الفاشية، وكان النوع الثالث من السياسات النقدية جزءاً من التفاعل الأمريكي مع ذلك الواقع.

وها هي الولايات المتحدة اليوم قد ارتدت إلى ذلك النوع من السياسات بمواجهة تهديد أقل وضوحاً لكنه وجودي، وهو تحديداً النزوع إلى المكاسب القصيرة الأجل والتجاهل واسع النطاق لأزمات تمتد لأجيال كتغير المناخ والإفراط في الدين الحكومي.

لا بد أن تكون مصالح الأجيال القادمة بوصلة التحول. ولن يختلف غالبية الشعب على أن للشباب والأجيال الأمريكية الحق في بيئة صالحة للعيش، والحق في ألا يُثقل كاهلهم بالديون الباهظة، والحق في تعليم متميز. بالتركيز على مثل تلك الأولويات، ستنجو الولايات المتحدة من مخاطر النوع الثالث من السياسات النقدية وتتغلب على محنة النزوع للمكاسب القصيرة الأجل.

 

 

Email