«كورونا» وأزمة إيطاليا الجديدة

باولا سوباتشي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعدّ شمال إيطاليا، حالياّ، مركز تفشي فيروس كوفيد ـ 19 في أوروبا. وحتى الآن، توفي العشرات من الإيطاليين بسبب فيروس كورونا الجديد، وأصيب به كثيرون. وقد أغلقت المدارس في المنطقة، وعَلَّقت الجامعات الدروس، وطلبت الشركات من موظفيها العمل من المنزل، وأغلقت العديد من المسارح، ودور السينما، والحانات.

وجرى وضع المنطقة تحت حجر شامل أخيراً، وتسبب الفيروس في إلغاء اليومين الأخيرين من كرنفال البندقية، الذي يستقطب آلاف الزوار كل عام. وتخضع المنطقة الواقعة جنوب ميلانو، حيث بُلِّغ عن أول حالة إصابة بـكوفيد-19 في إيطاليا، للحجر الصحي.

إنها ليست المرة الأولى التي تضرب فيها الأوبئة شمال إيطاليا، التي كانت في قلب طرق التجارة في العصور الوسطى، وعصر النهضة.

والسؤال الكبير الآن، هو ما إذا كانت تدابير الاحتواء الخاصة بـكوفيد-19، التي تتخذها السلطات الإيطالية تتناسب مع حجم المشكلة، أم أنها شديدة القسوة. وفضلاً عن ذلك، هل تُملى هذه الخطوات انطلاقاً من أهداف حقيقية للسياسة العامة، أم أن معظمها تمليه اعتبارات سياسية؟

وتعد إدارة المخاطر الأساسية، وتعزيز المرونة، من الأهداف الرئيسية للسياسة العامة. إذ يجب احتواء تفشي أنفلونزا شديدة العدوى في منطقة مكتظة بالسكان، حتى لو كان معدل الوفيات ضئيلًا، لأن الوباء سوف يتسبب في انهيار المستشفيات، وأنظمة الرعاية الصحية في العديد من المناطق. وكما هو الحال مع الأزمات المالية، من الأفضل دائمًا منع حدوث أزمة بدلاً من مواجهتها، لأن هذه الأخيرة تنطوي على تكاليف اقتصادية، واجتماعية، وسياسية ضخمة.

ولا يبدو أن التدابير السابقة التي تهدف إلى احتواء انتشاركوفيد-19، مثل الحجر الصحي وحظر السفر، ناجعة في عصر التنقل والتكامل الاقتصادي. إذ بعد أن أعلنت حكومة الولايات المتحدة، في نهاية شهر يناير، أنها سترفض مؤقتًا دخول الرعايا الأجانب، الذين سافروا مؤخرًا إلى الصين، منعت الحكومة الإيطالية الرحلات الجوية المباشرة من وإلى الصين.

ولكن هذا الإجراء- الذي اعتُمد استجابة لضغوط من حزب الرابطة اليمينية الشعبوية - سيخلق توترات مع الصين، الشريك التجاري الرئيسي، الذي يشتري حوالي 16 مليار دولار من الصادرات الإيطالية كل عام. كما أن حظر الرحلات الجوية، لا يحل مشكلة مراقبة الوصول غير المباشر إلى إيطاليا من الصين.

وقد ينتعش الحظر على إيطاليا بطرق أخرى أيضًا. وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومات تنسيق التدابير الرامية إلى حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية، والأفراد، والبلدان الضعيفة. والدرس المستفاد من إيطاليا حتى الآن، هو أن عدم التنسيق بين الحكومات المحلية، إلى جانب التفتت السياسي، يعرض جميع تدابير الاحتواء للخطر، عن طريق تشجيع المزيد من الناس على مغادرة المناطق الأكثر تضرراً.

ويتوقع حالياً أن فيروس كوفيد-19 سيستمر في الانتشار داخل إيطاليا، وفي جميع أنحاء أوروبا. وعلى الرغم من أن الأرقام لا تزال صغيرة.

إن شمال إيطاليا هو المحرك الاقتصادي للبلاد، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 35000 يورو (38000 دولار)- مقارنة مع الرقم الوطني البالغ 28000 يورو- ومعدل توظيف 67٪ (مقابل 59 ٪ على الصعيد الوطني). ولكن الأحداث التجارية الكبرى مثل معرض الأثاث في ميلانو قد ألغيت أو أجلت، كما ألغيت رحلات العمل، وانتشرت حالة عدم اليقين. وفضلاً عن ذلك، تضرب عمليات الإلغاء المرتبطة بالفيروسات صناعة السياحة في البلاد، والتي تمثل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وبعد فترة طويلة مثقلة بالاقتصاد البطيء - نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.2٪ فقط في عام 2019- وتواجه إيطاليا، الآن، الركود. وإلى جانب التباطؤ الاقتصادي في ألمانيا، وعدم اليقين فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن أزمة كوفيد-19 في البلاد، تعتبر أخبارًا أخرى قاتمة بالنسبة لأوروبا.

* أستاذة الاقتصاد الدولي بمعهد كوين ماري للسياسات العالمية في جامعة لندن

opinion@albayan.ae

Email