حسابات الأخطار الاقتصادية لتغيّر المناخ

جيرنوت فاغنر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك في أن الاقتصاد بعالمنا ربما يتعلق بمقايضة الكربون، ولكن فيزياء الكواكب تشكل أحد القيود الصعبة على الميزانية والتي لا يستطيع أحد تجنبها وخاصة الاقتصاديين، وفي هذا السياق فإن الراديكالي الحقيقي يتجاهل الفيزياء ويستمر في الاختباء خلف تحليلات منافع وتكاليف غير كافية، والتي تتجاهل المخاطر الواضحة لكوكب يسخن بسرعة.

إن النماذج الاقتصادية التقليدية بشكل عام تتجاهل كيف يمكن لخطر المناخ أن يتفاعل مع حالة الاقتصاد ولكن ماذا سيحصل لو اتبعت الاستثمارات في مجال تخفيض الانبعاثات المنطق المستخدم نفسه من قبل مديري الأصول المحترفين؟ إن هناك سبباً جيداً لماذا يضع المستثمرون أموالهم في السندات على الرغم من هبوط عوائدها بالمعدل إلى مستوى أقل من الأسهم: السندات هي أقل مخاطرة وهكذا حتى عندما يكون الاقتصاد في وضع غير جيد فإن بعض الاستثمارات سوف تؤتي ثمارها.

وعند مناقشة علم مقايضة الكربون فإن من الممكن أن يساعد الاقتصاد في اتخاذ قرارات تحت ظل ظروف تحددها قيود ملزمة وانتشار الشكوك وانعدام اليقين، وعلى اقل تقدير من الناحية النظرية فإن الاقتصاديين لديهم الأدوات لتحديد تكاليف ومنافع خفض انبعاثات الكربون ولكن عمل تلك الحسابات بشكل دقيق شكّل تحدياً حاول الاقتصاديون التغلب عليه لعقود عديدة.

لقد تم منح ويليام د نوردهاوس من جامعة يال في سنة 2018 جائزة نوبل للاقتصاد على جهوده الرائدة في الصدد. إن منطق مقاربته والنموذج القياسي لتسعير الكربون بشكل عام يبدو صحيح تماماً: تحديد كمية الأضرار المتوقعة من التغير المناخي، وبعد ذلك مقارنتها بتكاليف خفض الانبعاثات اليوم، ولكن هذه المقاربة تبدو أكثر صعوبة عند التطبيق. في الحقيقة، يوجد تباين متأصل في كيفية حساب المنافع والتكاليف ومع انعدام اليقين لدى الطرفين فإن المشكلة تستدعي استقراء بطولياً والتخمين الصريح ولكن عند حساب المنافع نجده تقليدياً فإن «الأشياء المؤكدة» فقط هي التي تجد طريقها للأرقام المذكورة في العناوين الرئيسية بينما يذهب التحيز في الاتجاه الآخر في حالة التكاليف: يتم بشكل عام تجاهل التقدم في تقنيات الطاقة النظيفة على الرغم من تأثيراتها المحتملة في التخفيف من التكاليف.

إن التحيزات في هذا المجال الدراسي لم تمنع الاقتصاديين في أن يقدموا تحليلات واثقة تتعلق بالمنافع والتكاليف. إن الفجوة الكبيرة بين التقديرات في الصدد تعكس مقاربتين مختلفتين للخصم: كيف يقدّر مجتمع ما المستقبل (أو يتوجب عليه أن يقيم ذلك المستقبل ). يبدأ نوردهاوس بمعدل خصم سنوي يصل لنحو 4.25 % والذي يخفضه بعد ذلك بشكل بسيط مع مرور الوقت، بينما مراجعة ستيرن تحدد سعر الخصم بنسبة 1.4% ما يعني التركيز بشكل أكبر على الأضرار المستقبلية مقارنة بتكاليف تخفيف الأضرار اليوم. وعموماً، إن التحليلات حول هذه القضية تعتبر تعهدات كبيرة وذلك نظراً للنطاق العالمي والأفق الزمني البعيد ومستوى انعدام اليقين ولكن المقاربات المطروحة لا تضع بعين الاعتبار إمكانية حصول نقاط تحول لا رجعة فيها على مستوى الكوكب مثل الذوبان الدائم للصفائح الجليدية في جرينلاند أو تبييض الشعاب المرجانية.

في دراساتنا التي أجريناها حول الأمر، وبفعل تعاملنا مع الكربون بالجو كأحد الأصول (وإن كان بعوائد سلبية)، استطعنا أن نتوصل إلى سعر للكربون بعد أن وازنا بين الأساليب المستخدمة من القطاع المالي لتسعير الأصول وفي نهاية المطاف وبغض النظر عن المحاولات الحثيثة التي قمنا بها، لم نستطع أن نخفض سعر الكربون إلى سعر أقل من 100 دولار بالطن. في الوقت نفسه فإن التحليلات الأخرى قد توصلت لأسعار كربون تمتد من 200 إلى 400 دولار أو أكثر بالطن ولكن حتى لو اشترط المرء أن السعر يجب أن يكون 100 دولار بالطن فإن هذا سيترجم إلى نحو 0.90 دولار لكل غالون من البنزين (3.8 لترات) وهو سعر في محطة البنزين سيشكل ثورة عوضاً عن أن يكون إحدى السياسات المتواضعة.

على الرغم من ذلك فإن ردة الفعل المحتملة من العامة لن تجعل الرقم «خطأ» أو حتى جذرياً.

* أستاذ اقتصاد المناخ في جامعة نيويورك

opinion@albayan.ae

Email