أسعار الفائدة في الماضي وآفاق النمو المستقبلي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اكتملت صفحات فصل جديد في تاريخ أسعار الفائدة الخالية من المخاطر، ففي دراسة حديثة، يتعقب بول شميلزنج من بنك إنجلترا أسعار الفائدة العالمية الحقيقية (المعدلة تبعاً للتضخم) خلال الفترة من عام 1311 إلى عام 2018.

على الرغم من ثباتها المؤقت خلال الفترات من 1550 إلى 1640، ومن 1820 إلى 1850، ومن 1950 إلى 1980، يجد شميلزنج أن أسعار الفائدة الحقيقية الآمنة العالمية كانت تتجه على نحو مستمر نحو الانخفاض على مدار القرون الخمسة الماضية، وأن أسعار الفائدة الحقيقية الآمنة السلبية أصبحت متزايدة التواتر على نحو ثابت منذ القرن الرابع عشر.

في ضوء هذا السجل التاريخي، يشكك شميلزنج في الفرضية التي دَفَع بها لورنس هـ. سمرز من جامعة هارفارد، وآخرون، ومفادها أن الاقتصادات المتقدمة تشهد «ركوداً مزمناً». بقدر ما يفترض سرد الركود المزمن «انحرافاً عن الديناميكيات الطويلة الأجل على مدار العقود الأخيرة»، فإن شميلزنج يعتقد أنها «مضللة تماماً».

لكن ربما يكون بعض الحذر واجباً في تناول النتائج التجريبية التي توصل إليها شميلزنج، فقد تتضمن أسعار الفائدة الآمنة المفترضة التي يعرضها علاوات مخاطر افتراضية ربما تتباين على نحو منتظم بمرور الوقت في حقيقة الأمر. ومن المرجح أن تكون بيانات التضخم المبكرة غير جديرة بالثقة.

وحتى إذا كانت البيانات التي يقدمها شميلزنج توفر صورة غير متحيزة وجديرة بالثقة لتطورات أسعار الفائدة الحقيقية منذ القرن الرابع عشر، فإنها لا تخلف تأثيراً واضحاً على معقولية فرضية الركود المزمن في عام 2020 وما بعده.

تشير هذه الفرضية إلى أن سعر الفائدة الحقيقي الطبيعي ـ سعر الفائدة الحقيقي الآمن المتسق مع الاستفادة الكاملة من العمل ورأس المال، والتضخم المستقر، وتوازن الحساب الجاري المستدام ـ انخفض إلى الصِفر أو مستويات سلبية في أغلب الاقتصادات المتقدمة. أحد الأسباب وراء هذا هو انخفاض معدل نمو الناتج المحتمل.

ويُعزى ضعف النمو المحتمل اليوم إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك الشيخوخة المجتمعية، وانحسار العولمة (منذ الأزمة المالية في عام 2008)، وربما تباطؤ نمو إنتاجية العامل الكامل. وقد انخفض سعر الفائدة الطبيعي والسوقي بفِعل الزيادة في ميول الادخار الخاص (التي ربما تعكس التركيبة السكانية، واتساع فجوات التفاوت في الدخل والثروة، وتخفيض المديونية على دفاتر الميزانية العمومية بعد عام 2008).

علاوة على ذلك، ربما تكون أسعار الفائدة الآمنة اليوم أكثر انخفاضاً بسبب ارتفاع الطلب على الأصول الآمنة، والتي تأتي جزئياً من الأسواق الناشئة وجزئياً من التغيرات الطارئة على الضوابط التنظيمية المالية وقواعد القطاع المالي منذ أزمة 2008، فقد أصبح سعر الفائدة الحقيقي المحايد عند الصِفر أو أقل من الصِفر.

وأصبحت أسعار الفائدة الرسمية الاسمية عند مستويات منخفضة تاريخياً أو قريبة منها (وغالباً ما تكون مقيدة بالحد الأدنى الصِفري)، وأصبح التضخم منخفضاً ومنيعاً بوضوح على الجهود التي تبذلها البنوك المركزية لدفعه إلى الارتفاع بشكل حاسم. ونتيجة لهذا، يتجاوز سعر الفائدة الحقيقي في السوق الآن سعر الفائدة الحقيقي المحايد، أو قد يفعل ذلك في فترة الانخفاض الدوري التالية.

كلما يحدث ذلك، فمن الممكن أن يؤدي إلى حالة من التوازن الركودي الثابت، مع انخفاض النشاط الاقتصادي والمدخرات الخاصة المتحققة لتتناسب مع ضعف الاستثمار الخاص.

وربما يؤدي انخفاض الطلب الكلي، والنشاط، والعمالة إلى زيادة ضَعف الناتج المحتمل، ما يدفع أسعار الفائدة الحقيقية المحايدة إلى مستويات أكثر انخفاضاً. إذا عكسنا قانون الأسواق، فإن نقص الطلب الفعّال من الممكن أن يخلق نقص الطلب المحتمل. ومن الممكن أن تعمل طفرات الأصول على دعم الطلب الكلي بشكل مصطنع وغير مستدام.

ويكون هذا مدفوعاً بإنكار المخاطر والسعي اليائس إلى العائد، وهو في حد ذاته ناتج جزئياً عن اعتماد البنوك المركزية لفترة طويلة على أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية الشديدة الانخفاض، والتيسير الكمي والنوعي، والتوجيه المسبق البعيد المدى واستهداف منحنى العائد.

تتسم الوصفة السياسية لاستعادة التشغيل الكامل للعمالة والهروب من الركود الدوري والمزمن بالوضوح والمباشرة، فينبغي للحكومات أن تستخدم السياسة المالية التوسعية والإصلاحات البنيوية لجانب العرض لتعزيز الطلب الكلي ورفع سعر الفائدة الحقيقية المحايد إلى الحد الذي يصبح معه مساوياً لسعر الفائدة في السوق.

سوف تتباين تركيبة الحزمة المالية المثالية من بلد إلى آخر، فالولايات المتحدة، حيث تدهورت البنية الأساسية بدرجة مروعة، تحتاج إلى تعزيز الاستثمار العام وفقاً لذلك، (وينبغي للحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات أن تعد قائمة شاملة بالمشاريع المنتظرة «الجاهزة للبناء»).

كما يوصى بشدة بالإنفاق العام على الصحة، والتعليم، ومشاريع البحث والتطوير. وبالنسبة للعديد من البلدان الأخرى، قد يكون تعزيز الاستهلاك الخاص أو خفض الضرائب على الشركات مناسباً. ومن جانبها، ربما تحسن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي صنعاً بالوفاء بالتزاماتها برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من ناتجها المحلي الإجمالي.

بطبيعة الحال، لا ينبغي تجاهل التأثيرات المترتبة على التحفيز المالي على الدين العام، ولكن في أغلب الاقتصادات المتقدمة، يتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سعر الفائدة على الدين العام، ما يعني أن الحيز المالي من غير المرجح أن يكون قيداً ملزماً على تدابير التحفيز الجيدة التصميم.

ولا ينبغي لنا أيضاً أن نستخف بالفوائد الكامنة في إصلاح سوق العمل (وخاصة في فرنسا) وتدابير استعادة المنافسة في أسواق الإنتاج الرئيسية (لا سيما في الولايات المتحدة). وكل من الأمرين من الممكن أن يؤدي إلى زيادة صحية في الاستثمار الخاص.

بالنظر إلى جميع الخيارات التي لا تزال مطروحة لتعزيز الطلب الكلي وسعر الفائدة الطبيعي، من الواضح أن الركود المزمن ليس ضرورة تفرضها التكنولوجيا، بل هو اختيار جماعي مختل. الأمر الأكثر أهمية هو أن التحديات التي تواجه النمو اليوم ليست كتلك التي واجهت المدخرين والمستثمرين والعمال والمزارعين والرأسماليين في مرحلة ما قبل الحداثة، والذين تحدث عنهم شميلزنج.

سوف يكون من المثير للاهتمام بكل تأكيد أن نرى الأبحاث في المستقبل حول الأسباب التي دفعت الانحدار «المزمن» في أسعار الفائدة الحقيقية على مدار القرون الخمسة الماضية، وحول التفاعلات بين أسعار الفائدة الطبيعية والسوقية في مجتمعات ما قبل الصناعة.

من الصعب أن نتخيل صدمة ديموغرافية أشد تطرفاً من الموت الأسود الذي اجتاح أوروبا وآسيا في منتصف القرن الرابع عشر، ومع ذلك يبدو أن التأثير على سعر الفائدة الحقيقي كان ضئيلاً للغاية. على أية حال، لا شيء في أبحاث شميلزنج حتى الآن يُبطِل فرضية الركود المزمن اليوم.

 

 

 

Email