لا تعتمدوا على النفط لإعادة إحياء أمريكا اللاتينية

موريسيو كارديناس

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام الماضي وطبقاً للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لشركة بريتش بتروليوم فإن أمريكا اللاتينية انتجت 8،6 ملايين برميل من النفط يومياً أي حوالي 9% من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط وعلى الرغم من أن المكسيك وفنزويلا هما تقليدياً أكبر دولتين منتجتين للنفط على المستوى الإقليمي فلقد تمكنت البرازيل من تجاوزهما حيث ستبقى أكبر منتج للنفط في أمريكا اللاتينية للمستقبل المنظور علماً أنه في يوليو ـ كل الإنتاج تقريباً يأتي من حقول أوفشور ـ وصل الإنتاج إلى مستوى قياسي وهو 2،78 مليون برميل من النفط يومياً.

في واقع الأمر، فإن البعض ينظر إلى أمريكا اللاتينية أنها المناطق الجديدة الواعدة في ما يتعلق بإنتاج النفط ويعتقد هؤلاء أن المنطقة يمكنها أن تضيف ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً خلال العقد القادم، ولكن على الرغم من أن البرازيل مهيأة لزيادة الإنتاج فإن تحقيق مثل هذه الزيادة في الإنتاج الإقليمي سيتطلب من المكسيك وفنزويلا وقف الانخفاض الحالي في الإنتاج ومحاولة زيادته وهذا لا يبدو أمراً واقعياً.

في البرازيل، فإنه من المحتمل أن يجذب القطاع النفطي استثمارات بقيمة 22 مليار دولار هذه السنة ومبلغ مماثل في كل سنة من السنوات الخمس القادمة، وكنتيجة لذلك فإن من المتوقع أن يزيد الإنتاج ليصل إلى حوالي 3،7 ملايين برميل نفط يومياً سنة 2025.

إن منطقة «ما قبل الملح» بالبرازيل ـ حيث توجد احتياطات نفط ضخمة أسفل طبقة سميكة من الملح تحت قاع المحيط ـ تنتج بالفعل أكثر من 1،5 مليون برميل من النفط يومياً ومن المتوقع أن تتمكن الحكومة البرازيلية بتاريخ 6 نوفمبر من جمع حوالي 26 مليار دولار أمريكي من خلال مزاد علني على 4 مناطق امتياز أخرى «ما قبل الملح». وذلك في مناطق تحتوي على 6-15 مليار برميل من الاحتياطات النفطية المؤكدة، وبحلول سنة 2024 فإن الإنتاج بموجب تلك العقود وحدها يمكن أن يضيف 500،000 برميل من النفط يومياً إلى الإنتاج النفطي البرازيلي.

على الرغم من أن المكسيك هي ثاني أكبر منتج للنفط في المنطقة، إلا أن إنتاجها بدأ بالانخفاض بشكل مطرد منذ أن وصل لذروته بإنتاج 3،6 ملايين برميل نفط يومياً سنة 2004. لقد كان الإنتاج في سنة 2018 1،8 مليون برميل يومياً فقط، وهو الأقل منذ سنة 1980 وهذا يعكس بشكل عام استمرار الانحدار في حقل نفط كانتاريل الذي كان في يوم من الأيام واحداً من أكبر حقول النفط بالعالم. إن كانتاريل الآن ينتج 45 ألف برميل من النفط يومياً فقط مقارنة بمليوني برميل من النفط يومياً سنة 2004.

لقد ذكر وزير الطاقة المكسيكي أنه بحلول سنة 2024 ـ عندما يكمل الرئيس اندريس مانويل لوبيز اوبرادور فترة رئاسته الحالية - ستنتج شركة النفط الحكومية بريمكس مليون برميل نفط إضافي يومياً مقارنة بالإنتاج الحالي وإضافة إلى ذلك تخطط بريمكس لبناء مصفاة دوس بوكاس بطاقة 340 ألف برميل نفط يومياً في ولاية تاباسكو حيث تقدر تكلفتها بمبلغ 8 مليارات دولار أمريكي.

إن هذا الكلام متفائل جداً فشركة بريمكس مدينة بمبلغ 107 مليارات دولار أمريكي ما يجعلها أكبر شركة نفط مدينة على مستوى العالم، ونظراً لأن الشركة قد خسرت مؤخراً تصنيف درجة الاستثمار المتعلق بها فإن الحكومة تحتاج لتوفير رأس المال الإضافي، ولكن من أجل أن تبقي الحكومة العجز المالي تحت السيطرة، سيتوجب على الحكومة التخلي عن الإنفاق العام على البنية التحتية والخدمات وهذا سيكون له تكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة.

تملك المكسيك طرقاً أفضل لتمويل زيادة الإنتاج النفطي، فعلى سبيل المثال فإن من الممكن أن تستثمر صناديق التقاعد الخاصة في المكسيك مبلغ 25 مليار دولار أمريكي على سبيل المثال في مشاريع مشتركة مع بريمكس التي ستختص في إنتاج المزيد من النفط من حقول النفط الحالية، وتلك الناضجة إنتاجياً ولكن من غير المرجح على الإطلاق أن ينظر الرئيس المكسيكي اندريس مانويل لوبيز اوبرادور في هذا الخيار.

إضافة إلى ذلك، يمكن لحكومة الرئيس اندريس مانويل لوبيز اوبرادور أن تسعى للمزيد من الاستثمار الخاص في قطاع النفط ـ الهدف الرئيس لإصلاحات الطاقة لسنة 2013 والتي تبنتها الإدارة السابقة. إن المزادات العلنية إبان فترة عمل تلك الحكومة نتج عنها 107 عقود جدد يمكنها أن تنتج حوالي 500 ألف برميل يومياً من النفط الإضافي خلال السنوات 10-15 القادمة وعلى سبيل المثال وفي سنة 2017 أعلن مشغل من القطاع الخاص اكتشاف حقل زاما الذي يمتلك على الأقل 600 مليون برميل من الاحتياطات النفطية التي يمكن استردادها ولكن بريمكس التي تملك منطقة مجاورة تريد الآن أن تشغل زاما وكنتيجة لذلك فإن آفاق زيادة إنتاج القطاع الخاص للنفط في المكسيك تبدو غير مؤكدة بشكل كبير وخاصة بعد قرار الرئيس اندريس مانويل لوبيز اوبرادور تعليق المزادات الجديدة.

في الوقت نفسه، اعتمدت الأرجنتين على ارتفاع الإنتاج النفطي من حقول فاكا مويرتا للصخر الزيتي وذلك من أجل التعويض عن الهبوط الحاد في الإنتاج التقليدي. إن إجمالي الإنتاج الحالي للبلاد والذي يصل إلى 500 ألف برميل من النفط يومياً يمكن أن يصل إلى 650 ألف برميل من النفط يومياً في منتصف العقد القادم و800 ألف برميل من النفط يومياً في أوائل العقد الذي يليه. إن تحقيق ذلك يظهر أن بإمكان البلدان الأخرى أن تتبع الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام التكسير الهيدروليكي أو التكسير النفطي بطريقة مستدامة، ولكن على الرغم من أن التكسير النفطي لا يبدو أنه يثير الانقسامات في الأرجنتين فإن انتصار البيروني البرتو فرناندز في الانتخابات الرئاسية بتاريخ 27 أكتوبر سيكون له تأثير حيوي في المناخ الاستثماري بشكل عام في البلاد.

وفي المقابل، عانت كولومبيا من التحديات القانونية للإنتاج النفطي غير التقليدي. إن الإنتاج النفطي الحالي والذي يصل إلى 886 ألف برميل من النفط يومياً من المتوقع أن ينخفض في السنوات القليلة القادمة بسبب الاحتياطات المنخفضة جداً (تعادل 6،2 أعوام من الإنتاج). إن التكسير النفطي يمكن أن يزيد من احتياطات النفط الكولومبية لتصبح عشر سنوات من الإنتاج ويرفع الإنتاج بنسبة 50% ولكن ربما مثل تلك المشاريع لن ترى النور لسنوات.

أخيراً، فإن معظم المحللين يتفقون على هبوط إنتاج النفط الفنزويلي إلى 700 -800 ألف برميل من النفط يومياً، علماً أنه لا توجد أرقام مؤكدة في هذا الخصوص. تمتلك فنزويلا احتياطات كبيرة - أضخم احتياطات العالم طبقاً لبعض التقديرات - ولكن زيادة الإنتاج ستتطلب الوقت ورأس المال وهذا سيحصل فقط بعد استعادة الاستقرار السياسي ووضع إطار تنظيمي جديد وهذا الاحتمال يبدو أقل ترجيحاً مقارنة ببداية سنة 2019.

في الحصيلة النهائية وعوضاً عن إنتاج ثلاثة ملايين برميل نفط إضافي يومياً بحلول سنة 2025، ربما ستستطيع أمريكا اللاتينية إنتاج مليون برميل نفط إضافي يومياً تقريباً حيث ستمثل البرازيل كامل تلك الزيادة. إن من غير المرجح تماماً أن تقوم حكومة الرئيس المكسيكي اندريس مانويل لوبيز اوبرادور بعمل التغيرات الشجاعة في السياسات والتي تحتاجها المكسيك لإنتاج مليون برميل نفط إضافي يومياً وفي الوقت نفسه فإن مليون برميل نفط إضافي يومياً من فنزويلا سيتطلب تغيير الحكومة ودستوراً معدلاً وتشريعات جديدة تنظم القطاع النفطي. إن من أهم أبعاد زيادة الإنتاج في الأرجنتين هو إظهار أن التكسير النفطي يمكنه النجاح خارج أمريكا الشمالية ولو حذت كولومبيا حذو الأرجنتين فإن بإمكانها اجتذاب المليارات من الاستثمارات الأجنبية وتجنب خفض الإنتاج والذي يبدو حتمياً الآن.

لكن ما يزال الواقع هو أن ـ باستثناء المليون برميل الإضافي من النفط والتي ستأتي من البرازيل - العالم لا يجب أن يعتمد على الكثير من إمدادات النفط الإضافية من أمريكا اللاتينية لتلبية الطلب العالمي، والأهم من ذلك فإن النفط من غير المرجح أن يعيد إحياء النمو الاقتصادي في أمريكا اللاتينية ما لم تحصل تغيرات مهمة في السياسات الحالية للمنطقة.

 

ـــ وزير مالية سابق في كولومبيا. ويعمل أستاذاً زائراً في جامعة كولومبيا

opinion@albayan.ae

Email