رأسمالية أصحاب المصلحة والمديرون التنفيذيون

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في شهر أغسطس الماضي، استحدثت طاولة رجال الأعمال المستديرة، التي تضم المديرين التنفيذيين لأكبر الشركات الأمريكية- بإيرادات سنوية مشتركة تتجاوز 7 تريليونات دولار- بيانها الطويل الأمد المتعلق بالأغراض التجارية.

ويقول المسؤولون التنفيذيون إن الأمر لا يتعلق فقط بالمساهمين، بل يجب أن تحقق شركاتهم التزاماتها تجاه أصحاب المصلحة، بما في ذلك العملاء، والموظفون والموردون، والمجتمعات، والبيئة.

وفي الواقع، احتل المساهمون المركز الأخير في القائمة الجديدة التي وضعها المديرون التنفيذيون. وقد قيل إن المؤلف الرئيسي للبيان، الذي كان السرور يبدو على محياه، شعر وكأنه توماس جيفرسون عندما كان يصوغ هذا الأخير إعلان الاستقلال.

ووَلَّد إعلان أغسطس ثلاثة ردود فعل رئيسية. أولاً، أشاد بعض المعلقين الليبراليين برجال الأعمال الأمريكيين لفهمهم للرسالة في النهاية. فهم لم ينتقدوا الأهداف، بل انتقدوا غياب اقتراح حول كيفية محاسبة أصحاب المصلحة للمديرين التنفيذيين مباشرة.

وقال مراقبون آخرون متشككون إن البيان يختلف قليلاً عن التصريحات السابقة لطاولة رجال الأعمال المستديرة حول الأغراض التجارية: يحتاج المديرون التنفيذيون والمجالس، أو يريدون، توخي الحذر لتحقيق التوازن بين مصالح أصحاب المصلحة الآخرين غير أصحاب الشركة.

وبالنسبة لهؤلاء النقاد، فإن هذا الإعلان الأخير لم يقدم شيئًا جديدًا، بل كان بيانًا رسميًا صيغ مجددًا للتعبير عن حذر المديرين التنفيذيين ومجالس الإدارة، وسلطتهم في إدارة شركاتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.

وجاء رد الفعل الثالث من خبراء الأعمال ذوي النظرة الواقعية، الذين أشاروا إلى أن الشركات الناجحة لا يمكنها أن تتجاهل عملاءها، وموظفيها، ومورديها، ومجتمعاتها.

وحتى الشركة التي تركز تركيزًا قويًا على قيمة المساهمين ملزمة بأن تكتسب ولاء أصحاب المصلحة الآخرين، وأن تتجنب تحويلهم إلى أعداء. ولن يندفع المورّدون إلى التسليم إذا كانوا يخشون عدم دفع مستحقاتهم، ولن ينتج الموظفون المتجهمون منتجًا عالي الجودة، وسيشتري العملاء الغاضبون من مكان آخر.

وهناك الكثير مما يمكن قوله بشأن هذه الآراء. ولكن هناك قوتين أعمق تساعدان في توضيح سبب شعور رجال الأعمال بأنه عليهم قول شيء الآن.

أولًا، يشكل المساهمون الناشطون مصدر إزعاج للمجالس وكبار المسؤولين التنفيذيين في أكبر الشركات الأمريكية. ويعد بيان طاولة رجال الأعمال المستديرة، إلى حد ما، دعوة من كبار المديرين التنفيذيين لمزيد من الاستقلالية تجاه المساهمين.

وفي الواقع، يشكل بيان الطاولة المستديرة «إعلان الاستقلال»- إعلانًا يسعى إلى تحرير الرؤساء التنفيذيين، ومجالس الإدارة من تأثير المستثمرين الناشطين.

وانطلاقًا من هذا التفسير، يبني قادة الشركات الأمريكية تحالفًا ضد المساهمين الناشطين، ويريدون من الموظفين، والعملاء، ومن يطالبون بالمزيد من المصادر الأخلاقية دعمهم. ويشير البيان إلى أن تحرير المجالس، والمديرين التنفيذيين من تأثير المساهمين، سيمكّن الشركات الأمريكية من التعامل مع الموظفين، والبيئة، والمجتمعات بشكل أفضل.

ثانيًا، نظرًا لأن السياسة، والرأي العام يؤثران على أمريكا تجاريًا، يحاول المديرون التنفيذيون الحفاظ على توازنهم. ودعا السيناتوران الأمريكيان، بيرني ساندرز، وإليزابيث وارين، وهما من أبرز المتنافسين في ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 2020، إلى إجراء تغييرات كبرى في طريقة إدارة الشركات الكبرى.

ويريد وارن، على سبيل المثال، أن يُمثل الموظفون في المجالس (كما هو شائع في ألمانيا وبعض البلدان الأخرى) ويفضل تقسيم أكبر الشركات الأمريكية.

ومن المعقول، إذا، التساؤل عما إذا كانت «الطاولة المستديرة لرجال لأعمال» تعيد ضبط بيانها المتعلق بأغراض الشركات، للمساعدة في تقليص المشاريع التجارية الكبرى في قوائم الأهداف الشعبوية.

وصحيح أن وارين وساندرز لن يغيرا وجهات نظرهما لمجرد أن الرؤساء التنفيذيين الأقوياء قد عبروا عن وجهة نظر أعيدت صياغتها بشأن أهداف الشركات الأمريكية. وسيظل من المستبعد التنبؤ باتجاه وخيارات الإدارة السياسية للبلاد.

ومع ذلك، فإن التحول الأساسي في الرأي العام هو الذي ينبغي، والذي فيما يبدو، يشغل الطاولة المستديرة لرجال الأعمال. كما أن الأفكار المعادية للشركات تلوح في الأفق، ولا يصنعها الزعماء السياسيون الذين يعبرون عنها. وسوف تستمر بغض النظر عن الطريقة التي يعامل بها أي قائد.

ولكن سيحتاج أي سياسي يتابع تلك الأجندة إلى حلفاء لتطبيق سياسات تستهدف الشركات الكبرى. وإذا كان حلفاؤهم المحتملون راضين إلى حد ما عن البيان الجديد لأهداف أمريكا التجارية- خصوصًا إذا كان المديرون التنفيذيون يتصرفون بطريقة واضحة لوسائل الإعلام - فإن الإجراءات الشعبوية ضد الأعمال ستفقد جاذبيتها.

إن أهمية هذه الاعتبارات السياسية تتضح أكثر في المملكة المتحدة، التي بدأت في إعادة النظر في الغرض من الشركات الكبرى قبل عدة سنوات من قيام أمريكا بذلك. وبشكل خاص، تمول الأكاديمية البريطانية إعادة التفكير العميق، والجدي في الأغراض التجارية، بقيادة الأكاديميين الشعبيين وقادة الأعمال.

وقد لا يكون من المفاجئ أن يزداد الحديث عن جعل الشركات البريطانية أقل تركيزًا على حملة الأسهم، وتوجهها نحو الربح في وقت يحتمل أن يصبح جيرمي كوربين، الزعيم اليساري لحزب العمال المعارض، رئيس وزراء. ويمكن للتيارات السياسية أن تحفز قادة الأعمال على التكيف، والتأقلم.

ومع ذلك، ربما لا ينبغي لنا أن نفرط في التشكك. وبالتأكيد ليس كل الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة الذين أيدوا بيان طاولة رجال الأعمال المستديرة يعتبرونها مسألة حسابية بحتة، أو فرصة للحصول على امتيازات.

لقد استوعب البعض، وربما الكثير منهم، بعض القيم المنعكسة في النقد الجديد. ويتعين على المديرين التنفيذيين في الشركات أن يتكيفوا دائمًا مع البيئات المتغيرة- سواء تعلق الأمر بتفضيلات المستهلك، أو المتطلبات التكنولوجية، أو التيارات السياسية.

 

Email