أمريكا والصين.. نحو صفقة تجارية متكاملة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كان غير متوقع ومؤسف أن انتهت الجولة الثالثة عشرة من المفاوضات التجارية الثنائية بين أمريكا والصين، في الحادي عشر من أكتوبر إلى لا شيء تقريباً، إذ لم تسفر إلا عن اتفاق جزئي: اتفاق «المرحلة الأولى».

لم يكن من المفترض أن يحدث هذا، فقد وَعَدَت «استراتيجية التفاوض الثلاثية»، التي انتهجتها أمريكا لفترة طويلة بتخفيض كبير في العجز التجاري الثنائي، وإطار لحل المنازعات لمعالجة مشكلات مثل: الملكية الفكرية المزعومة ونقل التكنولوجيا قسراً وإصلاح الخدمات وما يسمى الحواجز غير الجمركية، جنباً إلى جنب مع آلية إنفاذ صارمة، ووفقاً لأحد المفاوضين الأمريكيين البارزين، وزير الخزانة ستيفن منوشين، كانت الصفقة الكبرى اقتربت من الاكتمال بنسبة 90% في مايو، قبل أن تنهار بالكامل تحت وطأة تفاصيل جزئية غير جوهرية كتبادل اللوم والمزيد من التصعيد، لكن الأمل شيمته الأبدية، فعندما بدأ الاقتصاد في كل من البلدين يُظهِر علامات تأخر ما، تجدد الأمل في أن يسود العقل أخيراً، حتى في مواجهة التهديد بفرض ضوابط رأس المال، والشائعات حول حذف الشركات الصينية المتداولة في أسواق البورصة الأمريكية، والقيود الجديدة على التأشيرات، والتوسع الحاد في إدراج الشركات الصينية على القائمة السوداء المرعبة للكيانات، والحديث عن إقرار الكونجرس لقانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونج كونج لعام 2019، لكن الأسواق المالية لم تتأثر بكل هذا وسجلت ارتفاعاً كبيراً في الأيام السابقة لإعلان الحادي عشر من أكتوبر.

ومع ذلك، جاء اتفاق المرحلة الأولى الذي جرى الإعلان عنه وسط ضجة إعلامية كبيرة، مخيباً للآمال تماماً، فبادئ ذي بدء، لا يوجد اتفاق موثق أو أي قدر من الوضوح بشأن التطبيق، بل لا يوجد سوى وعد غامض بتقديم توضيحات في الأسابيع المقبلة بشأن اعتزام الصين شراء ما قيمته نحو 40 مليار إلى 50 مليار دولار من المنتجات الزراعية الأميركية، والإشارة في اتجاه اتفاق بلا معنى نسبياً بشأن التلاعب بالعملة، وبعض التلميحات حول مبادرات بشأن حماية الملكية الفكرية وتحرير القطاع المالي.

وفي المقابل، يحصل الصينيون على تنازل كبير: إرجاء ثان لجولة جديدة من التعريفات على الصادرات إلى الولايات المتحدة بقيمة 250 مليار دولار، والتي كان المفترض في البداية أن تصبح سارية في الأول من أكتوبر.

الواقع أن هذه الالتزامات، مثلها في ذلك كمثل الوعود السابقة، لم تكن بمثابة تقدم خارق، بل إنها لم تقدم إلا أقل القليل من حيث الجوهر. لسنوات عديدة، كانت الصين تتبنى نهج «المحفظة السمينة» عندما يتعلق الأمر بنزع فتيل التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.

في الماضي، كان هذا يعني تعزيز الواردات من الطائرات الأمريكية؛ واليوم يعني شراء المزيد من فول الصويا. والصين، بطبيعة الحال، لديها قائمة تسوق أطول من المنتجات المصنوعة في الولايات المتحدة، وخاصة تلك التي ترتبط بسلسلة توريد معدات الاتصالات التي تنتجها شركة التكنولوجيا «هواوي»،

لكن محفظة الصين المفتوحة لن تحل مسائل وتحديات أمريكا الاقتصادية برمتها، ولكنها ستمهد ودعم طرق الحل، خاصة أنه وإذا لم تُـحَل اختلالات الاقتصاد الكلي التي كانت السبب وراء عجز تجاري متعدد الأطراف ــ على وجه التحديد، النقص المزمن في الادخار المحلي ــ فإن كل ما قد يحققه إصلاح العلاقة التجارية في الصدد، لن يتجاوز تحويل التجارة إلى منتجين أجانب أعلى تكلفة في الصين، وهذا هو المكافئ الوظيفي لفرض زيادة ضريبة على المستهلكين الأمريكيين.

وكانت الوعود بالتوصل إلى اتفاق بشأن العملة، محيرة أيضا بنفس القدر. فهي إضافة سهلة ولكنها غير ضرورية لأي صفقة.

ففي حين انخفض سعر صرف الرنمينبي في مقابل الدولار الأميركية بنحو 11% منذ نشبت الحرب التجارية في مارس 2018، فإنه ارتفع بنسبة 46% بعد التعديل تبعا للتضخم في مقابل مجموعة واسعة من شركاء الصين التجاريين منذ نهاية 2004.

وكمثل التجارة، يجب تقييم العملات من منظور متعدد الجوانب لتقرير ما إذا كانت دولة ما تتلاعب بسعر صرف عملتها لاكتساب ميزة تنافسية غير عادلة.

الواقع أن هذا التقييم يبين لنا أنه اختفى فائض الحساب الجاري الصيني الذي كان ضخماً للغاية ذات يوم، وليس هناك دليل على أي تدخل رسمي علني في أسواق صرف النقد الأجنبي. في شهر أغسطس، أكد صندوق النقد الدولي من جديد هذا الاستنتاج في تقريره المسمى مراجعة المادة الرابعة للصين.

بعيداً عن كونه أساسياً، فإن التوصل إلى اتفاق جديد بشأن العملة بين الطرفين، لا أجده مسألة محورية في هذا الخصوص.

تتلخص المشكلة الحقيقية التي تعيب اتفاق المرحلة الأولى في البنية الأساسية للصفقة التي يفترض أن تحتويه. ومن التجارة إلى العملة، لا يتغير النهج ــ وصف علاجات ثنائية لمشاكل متعددة الجوانب، ولن ينجح هذا، إذ تتطلب المشاكل المتعددة الجوانب حلولاً تستهدف اختلالات الاقتصاد الكلي التي كانت السبب في إحداثها.

وقد يعني هذا الاستعانة بإطار متبادل لفتح الأسواق مثل معاهدة الاستثمار الثنائية أو إعادة التوازن إلى الفوارق في الادخار بين البلدين اللذين يحتلان طرفي النقيض على طيف الادخار.

تشكل قضية الادخار أهمية بالغة للولايات المتحدة. جاء صافي معدل الادخار المحلي بنحو 2.2% فقط من الدخل الوطني في الربع الثاني من عام 2019 أقل كثيراً من المتوسط الذي بلغ 6.3% في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.

الواقع أن تعزيز الادخار ــ أي على وجه التحديد عكس ما تفعله الولايات المتحدة في ضوء المسار المشؤوم لعجز ميزانيتها ــ هو السبيل الأكثر فعالية للحد من اختلال التوازن التجاري المتعدد الأطراف مع الصين، فضلاً عن 101 دولة أخرى، والقيام بذلك من شأنه أن يؤدي أيضا إلى إزالة التركيز المضلل للتقييم الثنائي للدولار في عالم متعدد الأطراف.

من الصعب على الساسة دوماً التعامل مع المنظور الكلي. ويصدق هذا بشكل خاص اليوم في الولايات المتحدة، لأنه لا يتلاءم بسلاسة مع أشكال التثبيت الثنائي على الموقف من بعض الأجانب، مثل الموقف من الصين.

ومع ظهور علامات جديدة على الموقف الصيني الآن، فإن اتفاق المرحلة الأولى قد لا يرى النور أبداً، ولكن إذا حدث وظهر إلى النور، فإن ضرره سيكون أعظم من أي مساعدة قد يقدمها في معالجة واحدة من أصعب المشكلات الاقتصادية الحالية في العالم.

Ⅶ عضو هيئة التدريس في جامعة يال، ورئيس مورجان ستانلي آسيا سابقاً، وهو مؤلف كتاب «علاقة غير متوازنة: أميركا والصين والاعتماد المتبادل».

Email