النمو الاقتصادي وانتخابات الرئاسة الأمريكية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 2018، بلغ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة 2.5٪ فقط، ووفقاً للتقديرات «المسبقة» الأخيرة، فمن المحتمل أن يكون تباطأ إلى 2.1٪ في الربع الثاني من عام 2019.

في الواقع، ينمو الاقتصاد تقريباً بالوتيرة نفسها التي كان ينمو بها خلال فترة رئاسة باراك أوباما الثانية (كان نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.5٪ في عام 2014، و2.9٪ في 2015، قبل أن يتباطأ إلى 1.6٪ في عام 2016 - ربما بسبب حالة عدم اليقين الناجمة عن الانتخابات).

تمثل معدلات النمو هذه مشكلة للرئيس دونالد ترامب، الذي وعد مراراً وتكراراً بأن النمو الاقتصادي سوف يتسارع في ظل إدارته وسيبقى دائماً فوق 3٪ سنوياً. وبالتالي، فهذه فرصة سانحة أمام المتنافسين الرئاسيين الديمقراطيين. لكن هل سيثبت الديمقراطيون أنهم قادرون على الاتفاق بشأن نوع السياسات التي يمكن أن تحدث فرقاً حقيقياً؟

المشكلة التي يجب حلها، بطبيعة الحال، ليست فقط - أو بشكل خاص - أرقام النمو الرئيسية. فقد ظهرت اختلالات عميقة عدة في بنية الاقتصاد الأمريكي.

تعاني المدن الصغيرة والمناطق الريفية من تدفق الأشخاص في سن العمل إلى خارجها. حيث ينتقل خريجو الجامعات إلى الأماكن التي تتاح فيها الفرص، في حين يظل أولئك الذين لم يحصلوا سوى على تعليم ثانوي فقط، على سبيل المثال، عالقين على نحو متزايد في المناطق ذات التوقعات الاقتصادية الضعيفة. وبينما تجذب المدن اللامعة الواقعة على السواحل (سياتل، ومنطقة خليج سان فرانسيسكو، ولوس أنجلس، وبوسطن، ومدينة نيويورك، ومنطقة واشنطن العاصمة) نسبة غير متكافئة من المواهب التقنية ورؤوس الأموال المغامِرة في البلاد، فإنها مثقلة بارتفاع أسعار العقارات والازدحام الشديد.

إذاً، كيف يمكن للولايات المتحدة تعزيز نمو الإنتاجية، بطريقة مستدامة، مع توزيع فوائد هذا النمو على نطاق أوسع كثيراً عبر نطاق الدخل وجميع المناطق الجغرافية؟

هناك مساران مهمان من الأفكار التي يجري تطويرها حالياً ومن شأنها أن تساعد في تحقيق ذلك. وقد تظهر بعض أشكال هاتين الفكرتين خلال الجولة التالية من مناظرات المرشحين الديمقراطيين وبعدها.

تتمحور الفكرة الأولى حول إمكانية أن تعزز الولايات المتحدة قدراتها الصناعية الوطنية من خلال الاستثمارات العامة في «الابتكار التطبيقي translational innovation» - بمعنى القدرة على تحويل الأفكار العلمية إلى تطبيقات هندسية عملية، والأهم من ذلك، توسيع نطاقها وإطلاق الإنتاج التجاري المحلي لها.

والواقع أن هذه الفكرة العامة لاقت تأييداً من جانب كلا الحزبين، سواء فيما يتعلق بمعاهد التصنيع المتقدمة البالغ عددها 14 معهداً التي جرى تطويرها خلال العقد الماضي، أو بنسخة الجيل القادم - المحتملة - (الأكبر والأفضل) التي طرحها سريدار كوتا، الأستاذ في جامعة ميتشغان، وزملاؤه في منظمة MForesight: التحالف من أجل الاستبصار في مجال الصناعة.

كما ذكرتُ أنا وجوناثان جروبر في كتابنا، دفع عجلة أمريكا، هناك مبررات قوية للاستثمار العام في البحث والتطوير عندما تكون هناك آثار غير مباشرة قوية بدرجة كافية -على سبيل المثال، من خلال خلق معرفة وتقنيات جديدة. يمكن أن تكون الآثار غير المباشرة المحتملة ذات قيمة كبيرة، لكنها تميل إلى تثبيط استثمارات القطاع الخاص .

- حيث ينصب تركيز الأشخاص الذين يجمعون رؤوس الأموال في نهاية المطاف على العائد الذي سيحصل عليه مستثمروهم، وهم محقون في ذلك. وهذا يعني أن القطاع الخاص، إذا تُرك ليتدبر أموره بنفسه، فلن يستثمر بشكل كافٍ في تطوير المواهب الهندسية، وبناء القدرة على رفع مستوى التصنيع، وتعزيز قدرة أمريكا على التنافس مع الصين وكوريا الجنوبية وقوى التصنيع الأخرى.

ماذا يجب أن تكون أولوياتنا تحديداً؟ يتضمن تقرير عام 2018 بعنوان «ازدهار التصنيع» الصادر عن كوتا وتوم ماهوني من منظمة MForesight بعض الاقتراحات الرائعة، بما في ذلك تكنولوجيا النانو والإلكترونيات المرنة، والتصنيع الذكي («الرقمي»).

أما وجهة نظرنا في «دفع عجلة أمريكا» فهي بسيطة: افعل كل شيء، لأن إنشاء قطاعات جديدة هو تحديداً ما سيخلق فرص عمل جيدة للمستقبل - وفي جميع أنحاء البلاد. وبحسب تقديرنا، فإن جميع الولايات لديها القدرة على المشاركة بشكل بناء في هذا النوع من المبادرات.

لكن تسريع نمو الإنتاجية وحتى توفير فرص عمل جيدة ليسا سوى جزء واحد من اللغز. ما الذي يضمن أن يحظى كل شخص بفرصة الاستفادة من الرفاه والإمكانات المتاحة نتيجة لذلك؟

بالنسبة لهذا البعد الثاني، لدينا الآن إطار شامل وجذاب قدمه جانيش سيتارامان وآن إل. آلستوت في كتابهما الجديد البديل العام: كيفية توسيع نطاق الحرية، وزيادة الفرص، وتعزيز المساواة. لا ينص اقتراحهم على أن القطاع العام يجب أن يحل محل القطاع الخاص، بل إن تقديم بديل يديره القطاع العام من شأنه توسيع نطاق الخيارات المتاحة للجميع وضمان ألا يتخلف أحد عن الركب.

تشمل الأمثلة التاريخية البارزة على ذلك مكاتب البريد، والمكتبات، وحمامات السباحة، والحدائق الوطنية. في كل من هذه الحالات، يضمن توفر بديل عام على الأقل الوصول إلى خدمة أساسية بتكلفة معقولة. كما أن البدائل العامة التي تُدار بشكل جيد تفرض ضغوطاً على القطاع الخاص لحمله على تقديم أداء أفضل.

فقط فكر في الأشياء التي يحتاجها الناس ولا يوفرها القطاع الخاص، على الأقل في الوقت الحالي، بتكلفة معقولة وبصورة فعّالة ومتوفرة على نطاق واسع: التأمين الصحي، وصناديق التقاعد، والخدمات المالية الأساسية، ورعاية الأطفال.

في جميع هذه الحالات، يقدم سيتارامان وآلستوت مقترحات بسيطة من شأنها، على الأقل، أن تدفع مناقشات السياسة الأمريكية في الاتجاه الصحيح - نحو ضمان مشاركة أوسع في رفاه المستقبل. لذلك، فلنأمل أن يناصر المرشحون الديمقراطيون للرئاسة هذه الأفكار وغيرها لتحقيق هذا الهدف.

* كبير خبراء الاقتصاد السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

 

Email