الذكاء الاصطناعي والإبداع مستقبل العلاجات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أنه يتوجب علينا أن ندمج بين الإبداع والتقدم المستمر في الذكاء الصناعي، وذلك من أجل فك شيفرة نظام المناعة البشرية، ولتحقيق رؤية مستقبلية لعالم يقوم فيه العلماء بالتطوير السريع لطرق جديدة لمكافحة الأمراض؛ مثل اللقاحات التي تعطي حماية طيلة الحياة لكل شخص.

وذلك من خلال تطعيم واحد، وأن ينجح علاج المناعة مع جميع أنواع السرطان، وأن نتمكن من الوقاية من مرض الزهايمر، وحتى نجعل من هذا المستقبل حقيقة.

قد حضرت حفل عشاء أخيراً تخلله توزيع للجوائز في أكاديمية نيويورك للعلوم، حيث استمعت إلى جيمس ب اليسون وهو يقول للحضور المتابع بشغف لكلمته، إن اكتشافاته التي حققت اختراقاً في المعالجة المناعية للسرطان جاءت ليس من خلال التركيز على السرطان بل من الأبحاث الأساسية التي امتدت لعقود من أجل فهم كيف يعمل نظام المناعة.

وبعد تلك المحاضرة بأسابيع تم منح اليسون وزميله المتخصص في علم المناعة تاسكو هونجو جائزة نوبل للطب لسنة 2018.

لسنوات عديدة درس اليسون وزملاؤه أحد البروتينات الذي كان يكبح النظام المناعي، حيث أدركوا أن التخلص من هذه المكابح أو الفرامل يعني إطلاق العنان للنظام المناعي من أجل مهاجمة وتدمير الأورام وبشكل مستقل حدد هونجو وزملاؤه بروتيناً آخر يقوم بنفس المهمة. لقد أدت تلك الدراسات الأساسية الآن إلى تطوير علاجات مناعية جديدة وقوية تعتبر فعالة ضد السرطان.

لكن لا يزال لدينا الكثير لنتعلمه فبالنسبة لبعض المرضى الذين يعانون من سرطانات معينة فإن العلاج المناعي أحدث ثورة، وبفضله فإن الأشخاص الذين كانوا على وشك الموت تمكنوا من أن يعيشوا حياة صحية مع عدم وجود آثار ظاهرة للمرض، ولكن ثورة العلاج المناعي لا تزال في بدايتها ولأسباب لا تزال غير واضحة فإن العديد من السرطانات والمرضى لا يستجيبون للعلاج.

إن جزءاً من المشكلة كما يتفق العلماء بشكل متزايد هو عدم وجود فهم حالياً لكيفية قيام نظام المناعة البشرية بمحاربة المرض. لقد رأيت ذلك على الطبيعة، وذلك من خلال عقود من العمل لتطوير لقاح لفيروس نقص المناعة المكتسبة/‏الإيدز وهو هدف لا يزال صعب المنال.

ولهذا السبب أنا أعتقد أن الاختراق القادم في الأبحاث التأسيسية هو فك شيفرة كيف يقوم نظام المناعة البشرية بمنع المرض والتحكم فيه. إن الذكاء الصناعي والتعلم الآلي سيلعبان دوراً حيوياً في تحقيق هذا الإنجاز بحيث يحدثان تحولاً في مستقبل صحة البشر، كما ساهما في تغيير جوانب أخرى من حياتنا.

إن النظام المناعي - شبكة معقدة من الخلايا والأنسجة والأعضاء - هو الآلية الرئيسية للجسم البشري من أجل البقاء في صحة جيدة وفك شفرته يجب أن يكون على رأس جهودنا من أجل فهم المرض ومكافحته، سواء كان المرض غير معد مثل السرطان والسكري والزهايمر أو معدياً مثل السل والملاريا والإيبولا.

لقد تعلمنا خلال القرن الماضي أن نصمم بعض جوانب مناعتنا، وذلك من خلال اللقاحات، ولكننا وصلنا إلى مأزق حرج. إن التهديدات التي نواجهها هي أكثر خبثاً وتعقيداً وفي كل عام يموت ملايين البشر - وخاصة الصغار وكبار السن وأولئك الذين يعيشون في مجتمعات ذات دخل محدود ومتوسط - ويعانون من أمراض كان من المفترض القضاء عليها.

لا يجب أن تكون الأمور بهذه الطريقة فمن خلال استغلال قوة أنظمتنا المناعية فإن بإمكاننا أن نكتشف أساليب جديدة لمحاربة المرض في كل مكان. نحن بحاجة إلى أساليب جديدة وخلاقة من أجل التعامل مع التحدي ضمن تخصصات متعددة أي نحتاج إلى جهود منسقة على نطاق كبير جداً مثل مشروع الجينوم البشري.

إن الأخبار الطيبة أن هذا قد أصبح ممكناً فالتطورات التقنية في الطب الحيوي والهندسة، والأهم من ذلك كله في الذكاء الصناعي والتعلم الآلي قد أعطتنا الأدوات التي نحتاجها للقيام بهذه المحاولة الطموحة.

إن مثل هذه الأدوات ضرورية بسبب الحجم الكبير للنظام المناعي البشري وطبيعته المعقدة، فهو أكبر بمليارات المرات من الجينوم البشري ومعالجة مثل هذه الكمية الكبيرة من المعلومات يتطلب إمكانيات كبيرة تتعلق بالبيانات العلمية والحوسبة الفائقة التي تغطي مجموعة كبيرة من أنواع الحوسبة، كما تتطلب تحولاً كبيراً في كيفية التعامل مع الدراسات البحثية السريرية.

لقد ركزت الدراسات السريرية التقليدية على عمل الاختبارات على أكبر عدد ممكن من الأفراد وجمع كمية محددة من البيانات عن كل موضوع والآن مع وجود الأدوات المتعلقة بالجوانب المتميزة الجديدة لعلم الجينوم والبيولوجيا الجزيئية فإن بإمكان الباحثين جمع ملايين نقاط البيانات عن فرد واحد مما سيؤدي إلى نموذج جديد: ناس أقل وبيانات أكثر بكثير.

نحن باستطاعتنا أن نفهم بشكل أفضل دينامية النظام المناعي البشري على مستوى الجزئيات والبدء برسم قواعده المنظمة من خلال دمج الذكاء الصناعي والتعلم الآلي لتحليل مجموعات البيانات الفردية تلك.

علماً أنه من خلال الجهود الأولية لمشروع اللقاحات البشري قام العلماء في معهد ج كريغ فينتر ومركز سان دييغو للحاسوب العملاق وجامعة بريتش كولومبيا باستخدام هذا النهج في تحديد المؤشرات الحيوية الأساسية في الأفراد والتي تتوقع الاستجابة المناعية للقاحات. إن مثل هذا العمل قد يمهد الطريق لتسريع تطوير لقاحات جديدة وعلاجات للأمراض التي تتسبب فيها المناعة.

إن مثل هذه الدراسات قد بدأت تحصد كميات غير مسبوقة من البيانات، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إنشاء أول أطلس لنظام المناعة البشرية، مما يعني إمكانية تطبيق تلك التطورات في الحوسبة الفائقة التي تغطي مجموعة كبيرة من أنواع الحوسبة على قاعدة البيانات.

وذلك من أجل إنشاء أول نماذج لنظام المناعة قائمة على أساس الذكاء الصناعي. إن هذه النماذج سوف تسد الثغرات الحالية في معرفتنا، وذلك من أجل عمل علاجات مناعية أكثر فعالية للسرطان، بالإضافة إلى التشخيص واللقاحات والعلاجات لمجموعة من الأمراض الأخرى.

 رئيس مشروع اللقاحات البشرية غير الربحي.

 

Email