خطر الألغام ومستقبل التنمية الشاملة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من المحزن أن اليوم الدولي للتوعية من الألغام (الرابع من أبريل) لم يكن من قبل قَط أكثر أهمية من حاله اليوم، نظراً لاستمرار استخدام هذه الأجهزة المميتة في النزاعات في مختلف أنحاء العالم.

بالإضافة إلى مساعدة ضحايا الألغام، يحتاج المجتمع الدولي بشكل عاجل إلى تكثيف جهود التطهير. وتتطلب هذه العملية الاستعانة بنهج استراتيجي شامل ومنسق لضمان أن تؤدي جهود إزالة الألغام إلى التنمية الاقتصادية المستدامة والسلام الدائم.

تصادف هذا العام الذكرى السنوية العشرون لإبرام معاهدة الأمم المتحدة لحظر الألغام المضادة للأفراد. منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ، انحسرت النزاعات المسلحة في أفريقيا وأماكن أخرى على نحو مطرد، وأدى التحول إلى الديمقراطية، مقترناً بالمراقبة الدولية، إلى انخفاض معدلات استخدام الألغام الأرضية وغيرها من الأجهزة المتفجرة المرتجلة في مختلف أنحاء العالم.

من ناحية أخرى، يواصل الأفراد والمنظمات الملهمة الإبحار عبر بيئات صعبة لمساعدة الضحايا وتطهير حقول الألغام.

غير أن هذا التقدم بات في خطر الآن. فوفقاً لتقرير مرصد الألغام الأرضية لعام 2018، يرتفع استخدام الألغام الأرضية/‏‏ الأجهزة المتفجرة المرتجلة بوتيرة تنذر بالخطر الشديد، وكذا ترتفع الوفيات والإصابات الناجمة عن استخدام هذه الأجهزة.

وأغلب الخسائر في سوريا، وأفغانستان، ونيجيريا، وميانمار، حيث زرعت الميليشيات والجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش، حقول ألغام جديدة. وبسبب التلوث من الماضي والحاضر، لا تزال مخلفات الحرب المتفجرة تؤثر على حياة الملايين من البشر، وخاصة المدنيين والأطفال، في نحو 50 دولة.

بسبب تركيز المجتمع الدولي على الحد من استخدام الألغام الأرضية في المقام الأول، فإن قدراً أقل كثيراً من الاهتمام يذهب إلى الكيفية التي تهدد بها هذه الأجهزة جهود التعافي في مرحلة ما بعد الصراع. وتعمل الأجهزة المتفجرة المرتجلة التي يقدر عددها بالآلاف من الأجهزة في سوريا وغيرها على تضييق المسار إلى السلام وإعادة البناء في هذه الدول.

ما يزيد الأمور تعقيداً أن عمليات التطهير بطيئة. كما تعاني جهود إزالة الألغام من مشكلات مرتبطة بالتنسيق، حيث تتفتت العملية بين العديد من المنظمات غير الحكومية وهيئات الأمم المتحدة.

ويتسبب ضعف القدرة على ضبط الأمور في دول ما بعد الصراع في زيادة صعوبة عمليات التخطيط والتنسيق. كما يؤدي ارتفاع تكلفة إزالة الألغام غالباً إلى إجهاد الجهات المانحة. كيف إذاً ينبغي لجهود إزالة الألغام أن تستمر في ضوء هذه التحديات؟

خلال السنوات القليلة الفائتة، قمنا بدراسة تأثير إزالة الألغام الأرضية في موزمبيق، وهي الدولة الوحيدة التي تقدمت من كونها «شديدة التلوث» (في عام 1992) إلى دولة «خالية من الألغام» (اعتباراً من عام 2015).

في الفترة من عام 1977 إلى عام 1992، عانت موزمبيق من حرب أهلية خلفت مئات الآلاف من القتلى بسبب أعمال العنف وسوء التغذية والجوع. واضطر أكثر من أربعة ملايين مواطن في دولة يبلغ عدد سكانها نحو 14 مليون نسمة إلى النزوح والتشرد.

وفي حين أشارت التقييمات المبكرة في فترة ما بعد الحرب إلى وجود ما يصل إلى مليون لغم أرضي منتشرة في مختلف أنحاء موزمبيق في عام 1992، كشفت بياناتنا عن نحو ربع مليون جهاز في نحو 8000 منطقة خطرة. مع ذلك، وبصرف النظر عن العدد الدقيق، فإن الأمر لا يتطلب سوى عدد قليل من الألغام لإرهاب المواطنين والحد من النشاط الاقتصادي.

في دراستنا في هذا المجال، قمنا بتتبع كيفية استجابة عملية تطور النشاط الاقتصادي المحلي في مناطق موزمبيق المختلفة، والتي انعكست في صور الأقمار الصناعية لكثافة الأضواء الليلية، لعمليات إزالة الألغام في الفترة من 1992 إلى 2015.

وقد وجدنا أن النشاط الاقتصادي ارتفع بشكل متواضع بمجرد الإزالة الكاملة للألغام، مما يعني أن إزالة الألغام تعمل بالفعل على تيسير التنمية. الأمر الأكثر أهمية هو أننا توصلنا إلى أن عمليات إزالة الألغام تفضي إلى مكاسب نسبية أكبر عندما تستهدف على وجه التحديد الطرق والسكك الحديدية، فضلاً عن القرى التي تستضيف الأسواق الزراعية.

تفضي إزالة الألغام من مناطق رئيسية مرتبطة بشبكات النقل إلى زيادات ضخمة في النشاط الاقتصادي الكلي لأنها تخلّف تأثيرات إيجابية حتى في مناطق لم تتلوث بالألغام قط.

وتشير عمليات محاكاة سياسات الواقع المضاد إلى أن عملية إزالة الألغام المفتتة إلى حد كبير في موزمبيق ربما أسفرت عن خسائر كبيرة مقارنة بما كان ليتحقق من خلال جهود أكثر تنسيقاً تستهدف المحاور المركزية لشبكة النقل المحدودة في البلاد.

لاشك أنه ينبغي لجهود إزالة الألغام الرائدة هذه أن تتخذ منظوراً بانورامياً لتحديد الترابطات المكانية والمناطق التي تستضيف البنية الأساسية للنقل والأسواق المحلية والإقليمية.

ويجدر أن تحمل تجربة موزمبيق درساً مفيداً لأولئك في المجتمع الدولي المترددين في توسيع معاهدة حظر الألغام لتشمل الألغام الأرضية المضادة للدبابات (والمركبات) التي لا تزال تعتبر قانونية، بسبب «أهميتها الاستراتيجية» المفترضة.

وكما تُظهِر النتائج التي توصلنا إليها، فإن الألغام الأرضية المضادة للمركبات تهدد التنمية الاقتصادية والتعافي بعد الصراع، بسبب عرقلتها لتدفق البضائع والأفراد والأفكار بين المناطق والأقاليم.

Ⅶ زميل باحث في كلية لندن لإدارة الأعمال.

Ⅶ أستاذ علوم الاقتصاد المشارك في جامعة براون.

Ⅶ أستاذ علوم الاقتصاد والمدير الأكاديمي لمعهد ويلر لإدارة الأعمال والتنمية التابع لكلية لندن لإدارة الأعمال.

Ⅶ جورجيو تشيوفيلي *

Ⅶ ستيليوس ميكالوبولوس *

Ⅶ إلياس بابايوانو *

Email