المساواة بين الجنسين والصحة العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشكل النساء 70٪ من العاملين الصحيين في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، يُظهر تقرير جديد صادر عن مجموعة المساندة والمساءلة الصحة العالمية 50/‏50 عشية اليوم العالمي لحقوق المرأة في 8 مارس 2019، أن الرجال يملكون نسبة غير متكافئة من السلطة في قطاع الصحة ويكسبون نسبة غير متكافئة من الأجور.

بعد أن قضينا جزءاً من حياتنا المهنية في جمع عدد كبير من العاملات الصحيات اللواتي خفّضن معدل الوفيات الناجمة عن الإيدز والملاريا والسل في إثيوبيا إلى النصف، أصبحنا ندرك أهمية مساهمات النساء في الصحة العامة. ولذلك تحظى منظمة الصحة العالمية، في ظل تولي غابريزوس منصب المدير العام، بمجلس متوازن بين الجنسين لأول مرة في تاريخها. ومع تحقيق المساواة بين الجنسين في المناصب العليا للمؤسسة في المكتب، سنعمل على حذو المكاتب الإقليمية والدولية حذوها.

تُعد قضية المساواة بين الجنسين قضية عملية ومعنوية على حد سواء. يؤدي وجود المزيد من النساء في المناصب القيادية إلى إحداث تغيير إيجابي في جميع أنحاء المؤسسة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء والابتكار والإبداع والمرونة والروح المعنوية. ويوفر ذلك نماذج وأنظمة دعم غير رسمية كانت تفتقر تاريخياً إلى النساء في مكان العمل. كما يؤكد عدم التسامح تجاه السلوك غير الأخلاقي في مكان العمل.

لكن النوع الاجتماعي هو أيضا أحد المحددات الاجتماعية الأساسية للصحة، مما يجعل المساواة بين الجنسين في القطاع الصحي عنصرا ضروريا للوصول إلى أهداف منظمة الصحة العالمية «المليارات الثلاثة». ويتمثل هدف المنظمة في ضمان أنه بحلول عام 2023، سيحصل أكثر من مليار شخص آخرين على الرعاية الصحية الشاملة، وحماية أكبر من حالات الطوارئ الصحية، وتحسين مستوى الصحة العامة والرفاهية.

من بين أمور أخرى، نحن نعلم أن النوع الاجتماعي - أي المعايير والأدوار والتوقعات المحددة اجتماعياً لكل من الجنسين - لها تأثير عميق على ما إذا كان المرء يعاني من المنتجات والأماكن غير الصحية، أو ما إذا كان المرء يشارك في سلوكيات تسعى إلى تحسين وحماية الصحة. كما نعلم أن التمييز القائم على نوع الجنس يمكن أن يكون له تأثير كبير على تقديم الخدمات الصحية.

ومع ذلك، في حين كان التركيز على الجنس كمحدد اجتماعي للصحة وإقامة المساواة بين الجنسين على مستوى قيادة منظمة الصحة العالمية أمراً واضحاً للغاية، فإن تقرير الصحة العالمية 50/‏50 يبين أننا نشكل الاستثناء من القاعدة. بعد الاطلاع على سياسات وممارسات ما يقرب من 200 منظمة صحية، حيث تبلغ الطبقة العاملة في هذا القطاع أكثر من أربعة ملايين شخص في 28 دولة، يجد التقرير فرقاً هائلاً وعدم تكافؤ الأجور بين الرجال والنساء.

على سبيل المثال، وجدت منظمة الصحة العالمية 50/‏50 أن أكثر من 70٪ من المنظمات الصحية يرأسها حاليًا رجال، وأن 40٪ من المنظمات التي تم تناولها، تشغل فيها النساء أقل من ثلث المناصب الإدارية العليا. سوف يصاب البعض بالصدمة عندما يعلم أن النساء العاملات في هذه المنظمات يكسبن أقل بنسبة 13.5٪، في المتوسط، من نظرائهن الرجال.

لسوء الحظ، هذه النتائج تتماشى مع ما يجده المرء في مجالس الإدارة عبر القطاعات المؤسسية وغير الربحية. لكن مثل هذه الفوارق تثير القلق أكثر عندما تظهر في قطاع الصحة العالمي، نظراً لدورها في حماية رفاهية وحقوق جميع الناس في جميع أنحاء العالم.

وفقاً لتجربة منظمة الصحة العالمية، نعلم أن تحقيق المساواة بين الجنسين أمر صعب للغاية. يتطلب ذلك تغييراً تنظيمياً مدروساً وموجهاً. ولذلك، تركز الإستراتيجية المشتركة الجديدة لمنظمة الصحة العالمية، الموجهة نحو مهمة جدول أعمال التنمية المستدامة المتمثلة في «عدم التخلي عن أي شخص»، على المساواة، والحقوق في جميع برامج المؤسسات. وهذا يعني أن كل قسم سيكون مسؤولاً عن تعزيز المساواة بين الجنسين.

ولكن في الوقت الذي يمثل فيه تحقيق المساواة بين الجنسين في مركز عمليات منظمة الصحة العالمية خطوة أولى مهمة، فإن الهدف الأكبر هو دعم الدول الأعضاء في خدمة الأشخاص الذين تعتمد حياتهم وصحتهم ورفاههم على جهود الصحة العامة الجماعية. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي أن تحدد ثلاث أولويات منهجنا في مجال الصحة العالمية على جميع المستويات، من العيادة المحلية التي تقدم الرعاية الأساسية إلى وزارات الصحة الوطنية والمؤسسات المتعددة الأطراف.

أولاً، نحتاج إلى التأكد من اعتماد مقاربة النوع لجميع الاستراتيجيات الصحية وبعثات البرنامج. بدون فهم كامل للعوامل الجندرية التي تحسن صحة الإنسان، لا يمكننا تحقيق نتائج عالمية ومنصفة.

ثانياً، نحن بحاجة ماسة إلى تحقيق تكافؤ في السلطات وسد الفجوة بين الرجال والنساء في قطاع الصحة، من خلال اتباع استراتيجيات فعالة للنهوض بوضعية المرأة.

ثالثاً، علينا إعادة الالتزام بالشفافية والمساءلة في المنظمات الصحية، بما في ذلك المساواة بين الجنسين. وبالتالي، يمكننا القضاء على ثقافة الإدارة السامة، وتحسين جودة الرعاية الصحية، وتعزيز الانفتاح والإدماج على جميع المستويات.

عندما يجتمع الناس من كلا الجنسين والخلفيات المختلفة، سيتشاركون تجاربهم وأفكارهم الخاصة، وستكون النتيجة أكثر من مجرد مجموع أجزائه. تصل المنظمات المتنوعة إلى قرارات أفضل، حيث يمكنها النظر إلى المشاكل من وجهات نظر مختلفة وإيجاد حلول محتملة من سياقات متعددة. عندما يتعلق الأمر بمنظمات الصحة العالمية والوزارات الحكومية والمؤسسات الصحية الوطنية، يجب تحقيق المساواة بين الجنسين ليس فقط من أجل المبدأ النظري، ولكن أيضًا لأن ذلك هو الحل الأمثل.

* المدير العام لمنظمة الصحة العالمية.

* أستاذة طب التوليد والنسائيات في جامعة ميتشيغان، ومستشارة مدير عام منظمة الصحة العالمية، وعضو في المجلس الاستشاري للصحة العالمية 50/‏50.

opinion@albayan.ae

Email