تحدّيات الشيخوخة السكانية والتقاعد

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما أدت أسعار الفائدة المنخفضة في أغلب الاقتصادات المتقدمة إلى الإبقاء على تكاليف الاقتراض الحكومي منخفضة، فإنها تفرض تحديات كبرى على إدارة أصول معاشات التقاعد.

بالأرقام الحقيقية (المعدلة تبعاً للتضخم)، كانت العوائد على السندات السيادية اليابانية، والألمانية، وغيرها من السندات الأوروبية سلبية بعض الوقت.

وربما تحركت أسعار الفائدة القصيرة الأجل على سندات الخزانة الأمريكية نحو الارتفاع مع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في التخلص من سياسات التحفيز التي انتهجها في أعقاب الأزمة (وربما تزداد ارتفاعاً بعد التوقف المؤقت الحالي من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي)، لكن أسعار الفائدة الأمريكية الأطول أجلاً تظل منخفضة وفقاً للمعايير التاريخية.

إن التحديات التي تفرضها الشيخوخة السكانية متعددة، وهي ليست جديدة ولا فريدة من نوعها. في إيطاليا واليابان كان عدد السكان في انحدار بعض الوقت، وفي الولايات المتحدة، تمثل التزامات معاشات التقاعد الضخمة غير الممولة والمستحقة على حكومات عِدة ولايات مشكلة مزمنة.

لقد اتسم العقدان التاليان للحرب العالمية الثانية أيضاً، كما وثق أحدنا، بانخفاض العوائد الحقيقية على السندات الحكومية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. ولكن، خلافاً للوضع الآن، كانت تلك الحقبة تتباهى بكتلة سكانية أصغر سناً وأسرع نمواً إلى حد كبير. فضلاً عن ذلك، كانت مستويات ديون الأسر تافهة بمقاييس العصر الحاضر. ولم تكن قدرة خطط التقاعد على سداد التزاماتها موضع قلق كما هي الحال الآن.

بغض النظر عما إذا كانت العوائد في الاقتصادات المتقدمة في ارتفاع أو انخفاض أو ثبات، فإن الاتجاهات الديموغرافية (السكانية) الأساسية من غير المرجح أن تتغير في السنوات المقبلة، وهذا يعني ضمناً أن تكاليف معاشات التقاعد ستستمر في التضخم.

منذ إنشاء نظام الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة في عام 1935، ارتفع متوسط العمر المتوقع للأمريكيين بما يقرب من 17 عاماً، في حين ارتفعت سن التقاعد بأقل من عامين. في عام 1946، بلغت أصول معاشات التقاعد نحو 29% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وقد تضاعفت أربع مرات تقريباً منذ ذلك الحين.

من المفهوم أن يتحول البحث عن عوائد أعلى إلى أولوية أعلى، حتى بالنسبة إلى خطط معاشات التقاعد الممولة بشكل كامل. وعندما ينطوي الأمر على التزامات غير ممولة (التي تمثل الأصول التي يتعين على صناديق التقاعد أن تشتريها في المستقبل للوفاء بالتزاماتها) ترتفع المخاطر إلى عنان السماء.

لقد دفع البحث عن عائدات أعلى خطط معاشات التقاعد في الولايات المتحدة (باستثناء خطط الحكومة الفيدرالية) إلى الميل باتجاه أسواق الأسهم في السنوات الأخيرة. وكان هذا الاتجاه واضحاً بين مستثمرين آخرين أيضاً، بما في ذلك بعض صناديق الثروة السيادية الأكبر في العالَم. لكن دراستنا الأخيرة مع جوزفين ماير تشير إلى أن فئة أخرى من فئات الأصول من الممكن أن تقدم عائدات حقيقية طويلة الأجل أعلى من تلك الأوراق المالية الحكومية الأمريكية «الخالية من المخاطر».

في دراستنا نركز على السندات السيادية الخارجية، ونقوم بتجميع قاعدة بيانات جديدة لنحو 220 ألف سِعر شهري لسندات حكومية مقومة بعملات أجنبية، تغطي 91 دولة، جرى تداولها في لندن ونيويورك في الفترة بين عام 1815 وعام 2016. تتلخص فكرتنا الرئيسة في أن العائدات على السندات السيادية الأجنبية (سندات تصدرها دول الأسواق الناشئة والآن الاقتصادات المتقدمة أيضاً) كانت مرتفعة بالقدر الكافي لتعويض المستثمرين عن المخاطر، كما هي الحال في أسواق الأسهم.

بلغ متوسط العائدات الحقيقية على السندات السيادية الأجنبية 7% سنوياً عبر قرنين من الزمن، بما في ذلك فترات العجز عن السداد، والحروب الكبرى، والأزمات العالمية. وكان المستثمر الذي يدخل هذه السوق في أي سنة يحصل على عائد سنوي فائض أعلى بنحو 4% في المتوسط من سندات الحومة الأمريكية أو البريطانية، وهو ما يقرب من مستوى الأسهم، ولكنه أعلى من سندات الشركات.

يصعب التوفيق بين العائدات التي خضعت للدراسة ودرجة مخاطر الائتمان في هذه السوق، وفقاً لمعدلات العجز عن السداد والتعافي التاريخية.

واستناداً إلى أرشيفنا الذي ضم أكثر من 300 عملية إعادة هيكلة لديون سيادية منذ عام 1815، نبين أن حالات الرفض التام للديون السيادية نادرة نسبياً وترتبط في الأغلب الأعم بثورات كبرى (روسيا في أوائل القرن العشرين، ونظام ماو في الصين، وكوبا، والدول الأوروبية التي وقعت تحت السيطرة السوفييتية في أعقاب الحرب العالمية الثانية).

أما في ما يتصل بفئات الأصول الكاملة على مدى قرنين من الزمن، فإن التقليم من أصل الديون الذي عانى منه المستثمرون عادة كان أقل من 50% ــ تقليم أصغر من تقديرات مؤسسة مودي للشركات الأمريكية خلال القرن الماضي.

المحرك الرئيس للعوائد الحقيقية الأعلى هو الكوبون المرتفع نسبياً الذي تقدمه هذه السندات السيادية.

وبعيداً عن تاريخ العائدات ذاته، هناك حقيقة مفادها أن الاقتصادات الناشئة والنامية تمثل الآن نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بنحو الثلث فقط قبل خمسين عاماً، عندما كان تنويع المحافظ المالية شأناً داخلياً بالكامل تقريباً.

وما يضيف إلى جاذبية أي حافظة للأوراق المالية السيادية في الأسواق الناشئة أن عائداتها لا ترتبط تماماً بالعائدات على الأسهم. فضلاً عن ذلك، هناك من الأدلة ما يشير إلى أن حقوق الدائنين وسلطات الإنفاذ في أسواق الديون السيادية الأجنبية ازدادت في أعقاب قرارات محاكم أمريكية حديثة.

لا شك أن هذه النتائج ليست دعوة لاحتضان المخاطر بلا تمييز. وربما تنتظرنا موجة أخرى من العجز عن سداد الديون السيادية، ومن الممكن أن تصبح السندات السيادية غير سائلة إلى حد كبير في أوقات الشِدة والضيق. ومع ذلك فإن نتائجنا تسلط الضوء على مكاسب الأمد البعيد من التنويع إلى فئة نامية من الأصول لكنها لم تخضع نسبياً للقدر الكافي من الدراسة.

وعندما يتعلق الأمر بمعاشات التقاعد، فإن مخاطر الاعتماد على أصول تقدم عائدات حقيقية سلبية أو منخفضة للغاية في الأمد البعيد ليست أقل جسامة، خاصة أنها تتضاعف بمرور الوقت.

* أستاذة النظام المالي الدولي في كلية كينيدي في جامعة هارفارد.

* أستاذ الاقتصاد الكلي في معهد كايل للاقتصاد العالمي.

Email