التكاتف الدولي ضمانة التصدي لتغير المناخ

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الوقت الحالي، ليس المناسب لأن يكون المرء منكراً لتغير المناخ، وذلك في ضوء كل الأدلة الحديثة التي تشير إلى ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي بشكل أسرع من المتوقع.

وتؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن التكاليف الإضافية الناجمة عن الفيضانات الساحلية، وموجات الجفاف، والعواصف، والحرارة الشديدة، وحرائق الغابات، قد تصل إلى ما يقدر بنحو 54 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2040، إذا استمرت الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على معدلها الحالي.

من المذهل أن العالَم لم يعد لديه سوى عشر سنوات تقريباً للإبقاء على درجات الحرارة العالمية في حدود 1.5 درجة مئوية فقط، فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو الهدف الذي خلص إليه اتفاق باريس للمناخ في عام 2015. وإذا تجاوزنا هذا الحد، فإنه حتى أقل الزيادات في درجة الحرارة كفيلة بزيادة خطر وقوع أحداث كارثية، وتهديد الملايين من البشر بالفقر والنزوح من الديار.

إن الولايات المتحدة الأميركية، والعلام أجمع، أمام حقائق ووقائع مهمة، علينا أخذها بعين الاعتبار لحفظ البيئة فتغير المناخ من صنع الإنسان ويشكل تهديداً وجودياً.. وجميع الإجراءات الحكومية العالمية يجب أن تبنى على مراعاة هذا الأساس.

واللافت في أميركا على سبيل المثال، أنه تستجيب الآن المدن والولايات بنشاط لدعوات التعاطي الفاعل والخلاق مع هذا الواقع، فقد تعهد حكام الولايات، التي تمثل 40% من سكان الولايات المتحدة ونحو 46% من الناتج المحلي الإجمالي، بتنفيذ اتفاق باريس.

ومن خلال مشروع التعهد الأميركي، تتبنى المدن والولايات والشركات التي تمثل ما يزيد عن 35% من الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة، التدابير الكفيلة بخفض الانبعاثات.

وتقدم الهيئات الحكومية والمحلية حوافز وسياسات جديدة لتشجيع استخدام الطاقة المتجددة. كما تعهدت فرقة عمل تابعة لولايات متعددة بوضع ما لا يقل عن 3.3 ملايين مركبة لا تطلق أي انبعاثات غازية على الطريق بحلول عام 2025.

وتقوم عِدة ولايات بالتحضير لإقامة الدعاوى القضائية التي تطعن في خطط إدارة ترامب لإلغاء الضوابط التنظيمية الخاصة بالانبعاثات الغازية الصادرة عن محطات الطاقة والمركبات. والواقع أن كلاً من القوانين والحقائق تحابي الولايات الأميركية.

تقوم حكومات الولايات أيضاً بتطوير خطط التكيف مع المناخ، فتستكشف ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال السبل لتحسين صحة غاباتها لكي تصبح أكثر قدرة على مقاومة حرائق الغابات -في الوقت المناسب- لأن العلماء تنبأوا بأن حرائق الغابات في الولاية قد تصبح أكثر شدة بنحو خمسة أضعاف بحلول منتصف القرن، بموجب نماذج المحاكاة.

حتى إن اللجنة الساحلية في كاليفورنيا تدرس خطة «التقهقر المنظم» لنقل السكان بعيداً عن الخط الساحلي. وتعمل كل من منطقة خليج سان فرانسيسكو ومنطقة بوسطن على تعزيز الحواجز الطبيعية لامتصاص وتشتيت العواصف.

وتعمل ولاية فلوريدا على إعداد المجتمعات لتحمل الأعاصير وارتفاع مستويات سطح البحر من خلال إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص عبر حدود المقاطعات. وفي ظل أحداث الطقس المتطرفة التي تهدد المحاصيل والماشية، يمارس اتحاد مزارعي ولاية أيوا الضغوط لفرض تدابير وطنية لمساعدة المزارعين على التحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة.

في القطاع الخاص، أكد قادة الأعمال، الذين يمثلون عشرين قطاعاً اقتصادياً وإيرادات تزيد على 1.3 ترليون دولار أميركي، في تصريح علني، التزامهم مكافحة تغير المناخ. كما انضمت مجموعة عريضة من الشركات إلى مجلس قيادة المناخ وأقرت خطة لضريبة وأرباح الكربون.

ومنذ عام 2014، ارتفع عدد الشركات التي تعد تسعير الكربون عنصراً أساسياً في تقييمها للمخاطر الداخلية إلى ثمانية أضعاف. والآن، حددت أكثر من تسعين شركة أميركية كبرى، أو التزمت تحديد، أهداف خفض الانبعاثات بما يتماشى مع اتفاق باريس، وأفادت أكثر من نصف هذه الشركات بتحقيق مكاسب في الإنتاجية نتيجة لهذا.

والمستثمرون أيضاً يمارسون الضغوط لمواصلة العمل على مكافحة تغير المناخ. على مستوى العالَم، جرى توجيه أكثر من 22.8 تريليون دولار، ما يعادل ربع الأموال الخاضعة لإدارة مهنية محترفة، إلى استثمارات مستدامة.

ولأن تغير المناخ يشكل بالفعل تهديداً لما قيمته نحو 4 تريليونات دولار من الأصول المالية، أنشأ مجلس الاستقرار المالي فريق عمل لتشجيع المزيد من الشركات على الإفصاح عن المخاطر المرتبطة بالمناخ.

في السنوات الأخيرة، تفوقت الولايات المتحدة بالفعل على أغلب الدول الصناعية الأخرى في خفض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون. لكن هذا يرجع بشكل كبير إلى طفرة الغاز الطبيعي هناك، ولا تزال الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر للانبعاثات على مستوى العالَم على أساس نصيب الفرد.

وعلى المستوى العالمي، ازداد حجم الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون في عام 2017 بعد ثلاث سنوات من الاستقرار، ويتجه إلى تحقيق ارتفاع غير مسبوق في عام 2018. وفي أغلب الدول والمناطق، لم تُلَب بعد تعهدات اتفاق باريس، التي هي بالفعل غير كافية لمنع الزيادة في درجات الحرارة العالمية من تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية.

من حسن الحظ أن الإبداع، والضغوط من جانب المستثمرين، ونمو التمويل الأخضر، وانخفاض أسعار الطاقة المتجددة، كل هذه عوامل تبعث على التفاؤل الحذر لحفظ المناخ. تُعَد الطاقة الشمسية بالفعل الشكل الأرخص من أشكال القدرة الكهربائية الجديدة في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالَم، إذ تعادل أسعارها نصف أسعار الوقود الأحفوري في بعض اقتصادات الأسواق الناشئة.

وبحلول عام 2020، من المتوقع أن تنخفض تكلفة الطاقة المتجددة في الاستخدام التجاري إلى ما دون نطاق تكلفة الوقود الأحفوري.

وستعمل الإبداعات المتواصلة في تكنولوجيات المركبات الكهربائية والمحركات النفاثة على زيادة خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن وسائل النقل - في ظل التكنولوجيا الحالية، تطلق المركبة الكهربائية نصف الانبعاثات الكربونية التي تنتجها مركبة تعمل بحرق الوقود الأحفوري على مدار عمرها الافتراضي. وتعمل إبداعات أخرى، مثل الزراعة العضوية المتجددة على عكس مسار الضرر البيئي من خلال العمليات الطبيعية.

وبالإضافة إلى إعادة زراعة الغابات وتكنولوجيات احتجاز الكربون الجديدة، من الممكن أن يلعب تسعير الكربون دوراً أساسياً في التوصل إلى تحقيق الهدف الذي حددته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ولكن على الرغم من الإجماع واسع النطاق بين خبراء الاقتصاد على أن تسعير الكربون هو الطريقة الأكثر كفاءة وفعالية للحد من الانبعاثات، فإن هذا النهج يواجه عقبات سياسية ضخمة.

في الولايات المتحدة، تظل طريقة تحديد السقف والمقايضة وغير ذلك من تكتيكات تسعير الكربون محصورة في كاليفورنيا وقِلة من الولايات الساحلية الأخرى. وعلى مستوى العالَم، تمثل 71 دولة ومنطقة فرضت سعراً للكربون نحو 20% فقط من إجمالي الانبعاثات.

في قمة المناخ الأخيرة في كاليفورنيا، قال نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور إننا قادرون على مكافحة تغير المناخ بالاستعانة بالتكنولوجيات القديمة والجديدة، وإننا لا بد من أن نفعل هذا، لأن تغير المناخ يشكل تهديداً وجودياً لنا جميعاً. ولكن القيام بذلك يتوقف على سلوك القادة السياسيين وقادة الأعمال في الولايات المتحدة وفي مختلف أنحاء العالَم.

Ⅶ رئيسة مجلس مستشاري رئيس الولايات المتحدة للشؤون الاقتصادية سابقاً، أستاذ في كلية هاس لإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، كبيرة مستشارين في مجموعة روك ك ريك.

Ⅶ رئيس مجلس إدارة أميركا الجديدة، كبير شركاء فخري في «ماكينزي & كومباني».

Ⅶ لاورا تيسون *

Ⅶ ليني ميندوكا*

Email